الفصل 176 : القصة الجانبية 10 : في أحد الأيام في الحاضر ²
“لازلو.”
كان هناك شيءٌ دافئ بين ذراعيهِ يهزه بلطف. فتح لازلو عينيه ببطء شديد.
أمام ناظريه، كانت أجمل امرأةٍ في العالم تبتسم له.
“متى أتيت؟”
“آه… عند الفجر.”
كان صوته مبحوحًا بعض الشيء، ربما لأنه استيقظ للتو. مدّت ذراعيها وأحاطت عنقه.
“هل أصبتَ في مكانٍ ما؟”
“لم أصب على الإطلاق.”
قال ذلك وهو يعانق زوجته مباشرة. وبلا وعي، ارتسمت ابتسامة على شفتيه.
“لقد عدتَ هذه المرة مبكرًا بعض الشيء.”
“لم أعد أحتمل البقاء بعيدًا عنكِ.”
حتى وهو يحتضنها، لم يكن شوقه لها يهدأ.
استقبل الزوجان الصباح وهما يحتضنان بعضهما بقوة. انسحب الخدم بلباقة، تاركينهما وحدهما في غرفة النوم.
“ألم يحدث شيء أثناء غيابي؟”
“دعني أرى… لا شيء خاص. آه، لكن ظهرت مؤخرًا مجددًا تلك الأحاديث المزعجة، لكن، حسنًا…”
“أي أحاديث؟”
“هممم.”
نظرت أغنيس إلى الفراغ دون أن تجيب، مترددة قليلًا.
عند رؤية ردّ فعلها هذا، عبس لازلو بشدة.
فهم على الفور عن أي موضوع تتحدث.
“هل هو حديثٌ عن الخلافة مجددًا؟”
“تجاهله فحسب.”
“يبدو أنهم يملكون أكثر من حياةٍ واحدة، على ما أظن.”
تجمدت ملامحه، وسرعان ما أصبح نظره باردًا.
لو لم تكن أغنيس بجواره، لكان قد أراق دماءهم بالفعل.
وضعت أغنيس يدها على معصمه.
“إنهم يتمسكون بهذا الموضوع لأنه الشيء الوحيد الذي يمكنهم فعله.”
“أغنيس…”
“أنت تعرف كيف تكون أحاديث الوزراء، أليس كذلك؟ (لا يمكن للسلالة الملكية أن تنقطع هنا. يجب الإسراع في تأمين وريث).”
ضحكت أغنيس بلا مبالاة وجذبتهُ إليها.
مرّ على زواجهما ست سنوات، لذا كان موضوع الوريث أمرًا دائم التكرار بين الناس.
انتشرت شائعاتٌ لا حصر لها.
من بين الشائعات، كانت هناك تكهناتٌ بأن الملك عقيم أو أن الدوق في الحقيقة عاجز.
كان لديها شقيقٌ واحد فقط، لكنه فقد قدرته الإنجابية، مما أدى إلى حرمانه من حقه في وراثة العرش.
وبما أن أغنيس لا تستطيع إنجاب الأطفال إلا من لازلو، فهذا يعني أنه إذا حدث أيُّ مكروهٍ لأحدهما، فسوف تنقطع السلالة الملكية نهائيًا.
لهذا السبب، كان الضغط على أغنيس هائلًا.
أمسك لازلو بخدها برفق.
“لا تهتمي لما يقولونه.”
“بل أنت من يجب أن لا تهتم. لا تخرج سيفك في قاعة الاجتماعات كما فعلت سابقًا.”
بدلًا من أن تتلقى عزاءه، وبّخته أغنيس بحدة.
“متى فعلت ذلك؟”
“هل تتظاهر بعدم المعرفة؟ لقد قطعتَ كرافات أحد النبلاء العام الماضي عندما كان يتحدث عن الوريث.”
“همهم… أي شخصٍ سمع ذلك سيظن أنني أسأتُ إليه. كل ما في الأمر أن الجو كان حارًا، فتعرّقت يدي وانزلق السيف.”
“هاهاها.”
“ثم إنني قطعتُ كرافاته، وليس عنقه.”
كان هذا عذرًا لن يصدقه حتى كلب.
قهقهت أغنيس ساخرة.
أزاحت اللحاف ونهضت من السرير، فسارع لازلو باللحاق بها.
“إلى أين تذهبين؟”
“لأغتسل.”
“وأنا كذلك.”
“ماذا؟”
“لنغتسل معًا.”
لم يعد ذلك الرجل الذي لم يكن يستطيع حتى لمس طرف ثوبها موجودًا.
بوجهٍ لا يخلو من الجرأة، قاد أغنيس نحو الحمام.
“بالمناسبة، ماذا عن الساحرة العظيمة؟”
“آه، إنها بخيرٍ أيضًا.”
“من حسن الحظ أن كلاكما عاد سالمًا هذه المرة.”
تنهدت أغنيس بارتياح.
في العام الماضي، كان الاثنان قد عادا غارقين في الدماء، مما أثار ذعر الجميع.
“أظن أنها لن تغادر مختبرها لبعض الوقت.”
“لماذا؟”
“لقد حصلت على عددٍ كبير من الأجنحة هذه المرة.”
“حقًا؟”
“قالت إنها ستنقي الطاقة السحرية داخل الأجنحة وتفعل بها شيئًا ما. شرحت لي الأمر، لكنني نسيتُه.”
ظهر وجه لازلو اللامبالي وسط بخار الماء الكثيف.
“كيف أصبح القتال ضد خدم الحاكم؟”
“لقد اعتدتُ عليه الآن. انظري.”
عرض لازلو جسده السليم عليها دون تردد.
حدّقت أغنيس في جسده بعناية، باحثةً عن أي جرح.
“هممم.”
“هذه المرة لم يصبني حتى خدش.”
“رائع جدًا، أيها الدوق.”
“كل ذلك بفضل جلالتكِ.”
قال لازلو ذلك بانحناءة مبالغ فيها، مما جعل أغنيس تضحك بصوتٍ عالٍ.
“كم مرة يجب أن تذهب إلى السماء بعد؟”
“لا أدري.”
توقف لازلو عن الكلام للحظة.
كان من الجيد لو أنه استطاع تقديم إجابةٍ واضحة، لكن منذ أن اختفى يوجين من هذا العالم، لم يعد هناك من يمكنه سؤاله.
“كنت أعتقد أنه حتى لو لم يكن موجودًا، فإن الحياة اليومية ستسير بسلاسة…”
تنهدت أغنيس بعمق.
على الرغم من أن الماء الدافئ كان يحيط بجسديهما، إلا أنها شعرت ببرودةٍ غريبة.
“لكن لا يزال مكانه شاغرًا، وهذا يشعرني بالحزن.”
“أغنيس…”
“متى سأتمكن من التعايش مع هذه الحقيقة دون أن أتأثر بها؟”
حاول لازلو البحث عن كلماتٍ مناسبة لتعزيتها، لكنه أدرك أن لا شيء سيخفف عنها.
لذلك، بدلاً من الحديث، اقترب منها واحتضنها بقوة.
“سواء كنتُ بجانبك أم لا، سأظل دومًا لكِ.”
“أعلم.”
“حتى الموت لن يكون قادرًا على التفريق بين أرواحنا.”
رفع لازلو ذقنها بلطف وترك قبلةً خفيفة على شفتيها.
فتحت أغنيس شفتيها ببطء.
شعرت بدفءٍ متصاعد من أطراف أصابعه، فشدّت أغنيس ذراعيها حوله وزرعت أظافرها في ظهره.
“لازلو…”
الشعور بالقلق والوحدة لم يكن أمرًا تستطيع التحكم به بإرادتها.
حتى لو كانت مشغولة بالعمل الرسمي لدرجة لا تجد فيها وقتًا للتفكير، فإن وجه لازلو كان يظهر فجأةً في ذهنها بمجرد أن تفقد تركيزها قليلًا.
في بعض الأحيان، كان قضاء فصلٍ كاملٍ بدونه أمرًا لا يُطاق من شدة الوحدة.
“سأكون بجانبك.”
ربما لم يكن يدرك كم كانت هذه الجملة وحدها تمنحها عزاءً كبيرًا.
ابتسمت أغنيس وأومأت برأسها.
***
“أوه…”
استيقظ لازلو من نومه بسبب ضربةٍ قوية على ظهره. فتح عينيه بتجهم.
“استيقظ. لا وقت لدينا.”
كان صوتًا مألوفًا على أذنه. رفع رأسه وحدق حوله. كان هناك شخصٌ لم يعتقد أنه سيراه مجددًا.
“يوجين؟”
كان هو بلا شك. استقبله لازلو بفرح.
“ظننت أنك غادرت هذا العالم تمامًا. هل عدت من جديد؟”
“جسدي الحقيقي خارج العالم، وهذا مجرد تجسيدٍ لوعيي.”
“تجسيدٌ لوعيك؟”
“حتى لو شرحت، لن تفهم، لذا فقط أسمع.”
قال يوجين ببرود. وبمجرد أن نقر بإصبعه، ظهر كرسي فاخر من العدم.
“يبدو أنك تبذل جهدًا كبيرًا، أليس كذلك؟”
“همم؟ آه، تقصد الطقوس؟”
“ظننتُ أنكَ ستتوقف عن أدائها بعد بضع محاولات وتهرب.”
جلس يوجين على الكرسي بارتخاء وعقد ساقيه. لم تتغير ملامحه المتغطرسة والمتكاسلة.
“لقد قطعتٌ وعدًا بحياتي، لذا يجب أن أفي به.”
“هممم…”
بدا وكأنه يفكر في شيء ما. كانت أصابعه تتحرك بلا هدف، لكنها توقفت فجأة.
“بعد انتقالي إلى غارم، بدأت أفقد جزءًا من قوتي، وعندما بحثت عن السبب، اكتشفت أنه بسبب العلامة التي تركتها.”
“أتعني هذا النقش؟”
“نعم. البشر ضعفاء جدًا أمام خدم الحاكم، لذا وضعت قوتي فيهم…”
توقف يوجين عن الحديث. فهم لازلو ما كان يحاول قوله.
“يجب محو كل أثر تركته في هذا العالم، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“إذن، خذها مني.”
مد لازلو يده عن طيب خاطر. ارتسمت على شفتي يوجين ابتسامةٌ شريرة.
“هل تخطط لاستخدام هذا كذريعة لتتوقف عن الصعود إلى السماء؟”
“وما علاقته بذلك؟”
سأل لازلو بعينين صريحتين.
“تقديم جناح خادم الحاكم كان الثمن العادل لإعادتي إلى الماضي وإنقاذ أغنيس.”
“إذن، لا تمانع في أن أسترد هذه القوة؟ عليك حينها مواجهة خدم الحاكم بقوتكَ البشرية الضعيفة.”
حاول يوجين إخافته، لكن لازلو لم يفعل سوى أن ابتسم بهدوء ومد يده مجددًا.
“لم تكن لي منذ البداية.”
“لا تندم على ذلك.”
تألقت عينا يوجين الذهبية. أمسك بيد لازلو بقوة، وفي ذات اللحظة، بدأ النقش المحفور على يده يتلاشى تدريجيًا.
حدق لازلو فيه بصمت، ثم تذكر فجأة شيئًا كان فضوليًا بشأنه منذ زمن.
“يوجين، لدي سؤال.”
“ما هو؟”
“هل ذلك المكان سعيد؟”
“لماذا تسأل؟”
“لأن هذا المكان كان جحيمًا بالنسبة لك.”
فتح يوجين فمه قليلًا وحدق في لازلو. انعكست مشاعرٌ معقدة في عينيه المتلألئتين بألوان متعددة.
فجأة، ترك يد لازلو. بدأ النقش الذي كان يختفي يعود للظهور مجددًا.
“هذا مزعج.”
“همم؟”
“أنت وأغنيس كلاكما مزعجان.”
“أهكذا ترى الأمر؟”
ضحك لازلو على تقلب مزاج يوجين.
نهض يوجين فجأة من كرسيه وبدأ بالدوران حول المكان وهو يتمتم بشيء بصوتٍ خافت.
“ماذا قلت؟”
“عندما يولد طفلكَ الأول، سمّهِ يوجين.”
“ماذا؟”
كان على وشك أن يقول إنه لم يُرزق بأطفال حتى بعد ست سنوات، لكنه لم يجد الفرصة.
استدار يوجين وأعطاه ظهره.
“سُلالتكَ ستنتهي عنده.”
“ماذا تعني، يوجين؟”
عندما فتح عينيه مرة أخرى، كان ينظر إلى السقف المألوف لغرفة نومه.
بجانبه، استيقظت أغنيس نصف نائمة وسألته بصوتٍ ناعس.
“ما بك؟”
“لا شيء، فقط رأيت يوجين في حلمي…”
“يوجين؟”
“نعم. قال إن الطفل الأول… لا، ذكر شيئًا عن النقش؟”
لكن، بعد مرور بضع دقائق فقط على استيقاظه، بدأ كل شيء يتلاشى من ذاكرته.
حتى هو نفسه لم يفهم ما كان يقوله.
“يبدو أنك حلمت بحلمٍ غريب.”
“يبدو ذلك.”
“إذن، عد للنوم. لم يطلع الفجر بعد…”
سرعان ما غطّت أغنيس في النوم مجددًا. حدق لازلو في يده، لكنه لم يجد أي تغيير.
عانق زوجته وأغمض عينيه.
***
“ألا تعتقدين أنكِ تبالغين؟”
تذمر شابولتي وهو يراهما يمشيان في الرواق متشابكي الأيدي.
“إنه قصري، ما المشكلة؟”
“وقاحتكِ تزداد يومًا بعد يوم حتى بات من الصعب عليّ النظر إليّكِ.”
“لماذا لا تقتلع عينيك إذن؟ طالما أنك لا تستطيع فتحهما بشكلٍ صحيح، فما الحاجة إليهما؟”
“هل هذا كلام يُقال؟!”
رغم هذه المشاحنات، إلا أن علاقتهما الأخوية كانت كما هي. لم يسع لازلو إلا أن يبتسم وهو يدرك أن كلامهما كان نابعًا من المحبة.
“ماركيز، مضى وقتٌ طويل.”
“نعم، جلالتك. يبدو أنك عدت سالمًا. إذن، سأغادر الآن.”
“ماذا؟ بهذه السرعة؟”
“القصر ممل.”
رغم كل شيء، كان شابولتي هو من يبقى دائمًا بجانب أغنيس في كل مرة يغادر فيها لازلو القصر.
عندما قال إنه سيغادر، بدا الحزن واضحًا على وجه أغنيس.
تناولوا العشاء معًا في تلك الليلة، ثم ودعوه قبل رحيله.
وبعد ذلك، بدا أن الحياة عادت إلى طبيعتها.
بينما كانت أغنيس تشتكي أحيانًا من صعوبة إدارة الشؤون، كان لازلو يستمع إليها باهتمام ويشاركها همومها.
ثم، في أحد الأيام، بعد مرور شهرين على عودته من السماء…
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿ 《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 176"