“سيدي…”
كان وجهُ نايل، الذي دخل حاملًا السجلات، شديد الكآبة. كان بإمكان لازلو أنْ يُخمن الوضع مِن مُجرد رؤية ذَلك.
“أعطني إياها.”
كانت السجلات التي فتحها أسوأ مِما كان يتوقع. الحبوب المُخزنة نفدت، وعدد الماشية لا يصل حتى إلى مئة رأس.
كان الوضع مأساويًا لدرجة أنْ التفكير في ما سيأكلونه الشهر المُقبل أصبح مُقلقةً.
“هاه…”
تنهد بعمق.
لقد مرّت العديدُ مِن السنوات ذات المحاصيل السيئة، والوحوش التي تتجاوز الدفاع بلا هوادة. كانت الإقطاعية تُصبح أكثر دمارًا مع مرور الوقت، ولَمْ يكُن هُناك أيُّ أمل.
كما أنْ عدد سكان الإقطاعية الهاربين إلى خارج لَمْ يعد مُفاجئًا.
“هُناك شيءٌ آخر يجبُ أنْ أبلغكَ به.”
“ما هو؟”
“الأمر يتعلق بالأميرة.”
“ماذا عن الأميرة؟”
تجمد وجهُ لازلو عند ذكرِ أغنيس.
مرّ أكثرُ مِن عامٍ على الزواج الذي أمر بهِ الملك، ولكن العلاقة بينهما لا تزال مُتوترة.
“مجلس الشيوخ قد زار الأميرة ثلاث مراتٍ هَذا الشهر للضغط عليها بشأن مسألة الوريث.”
“ماذا؟ ألَمْ أضع حدًا لهَذا الأمر بنفسي؟”
“يبدو أنهم وجدوا أنْ الأميرة مِن السهل التعامل معها بعدما اكتشفوا أنْ لا جدوى من الحديث معك.”
“يا لهم من وقحين.”
نهض لازلو من مقعده بغضب.
“أين الأميرة الآن؟”
“أعتقد أنها في الحديقة الغربية.”
بمجرد انتهاء الحديث، خرج لازلو من الغرفة بسرعة. كان من الصعب على نايل حتى أن يفكر في متابعته بسبب غضبه.
كانت الحديقة، التي كانت آخر رمزٍ للفخر في هذا القصر، لا تزال تحتفظ ببعض الزهور المتناثرة التي تفتحت في أواخر الصيف. كانت الحديقة معززة بالعناية الكبيرة التي كانت توليها لها الدوقة السابقة، لذلك كان من الصعب التخلي عنها.
بعد أن مشى قليلًا، رأى لازلو الأميرة وخادمتها من بعيد.
“…لا مفر من هذا الوضع.”
“لكن، حقًا، إنه أمرٌ قاسٍ للغاية. اللورد يعرف كل شيء، لكنه يتظاهر بأنه لا يعلم.”
كانت الخادمة القادمة من القصر إلى جانب الأميرة تتحدث بغضب. ردت أغنيس بصوتٍ هادئ:
“هل تعتقدين أنه سيتجاهل الأمر؟”
“إن لم يكن كذلك، كيف يمكن لأتباع عائلة الدوق أن يتجرؤوا على القدوم والتفاخر أمامك بمسألة الوريث؟!”
كانت الأميرة تجلس وظهرها موجه نحو لازلو، لذا لم يكن بإمكانه رؤية تعبيرها. توقفت خطواته فجأة.
رأى طرف ثوبها الممزق، الذي كان مألوفًا لديه. أدرك حينها أنه الثوب الذي أحضرته معها عندما تزوجت.
عندما فهم هذا، شعر بالذنب يغمره كالموجة.
على الرغم من أن الزواج كان سياسيًا، إلا أن ذلك لا يعفيه من مسؤوليته تجاه زوجته.
في النهاية، لم يتمكن لازلو من الاقتراب من زوجته أكثر وعاد أدراجه.
***
لا يزال لازلو يتذكر بوضوح اليوم الذي رأى فيه الأميرة أغنيس لأول مرة.
عندما نزلت من العربة، كانت أصغر مما توقع. كانت مجرد فتاةٍ صغيرة، حتى أنه كان محرجًا أن يطلق عليها اسم “امرأة”.
نظرًا لأن زواج لازلو من الأميرة كان نتيجة مؤامرة الأمير سيباستيان، شعر تجاهها بالشفقة.
وهذا هو السبب الذي جعله لا يقترب منها في الليلة الأولى.
لم يكن يتوقع أن يستمر تجنب العلاقة الزوجية بينهما لهذه المدة الطويلة…
بينما كان يتجول بجانب النافذة، استمر في التفكير. كان واضحًا أن الضغوطات ستزداد على الأميرة إذا لم يتشارك معها الفراش.
في اليوم التالي، استدعى لازلو خادمة الأميرة.
“يا دوق، هل استدعيتني؟”
رغم حديثها المهذب، كانت علامات التذمر واضحة على وجهها. تجاهل لازلو ذلك وكأنه لم يلاحظ.
“متى موعد دورة سيدتك الشهرية؟”
“ماذا؟”
“سألتك عن الأيام التي يمكن أن تحمل فيها.”
“آه…”
تحول وجه الخادمة فجأة إلى ابتسامة، ثم سارعت بإخراج شيء ما من جيبها وقدّمته إلى لازلو.
كانت ورقة قديمة مليئة بالأرقام.
“هذه هي تواريخ دورة سيدتي منذ وصولنا إلى هنا. من هنا وحتى نهاية الشهر هي أفضل أيام للحمل. ثم في الصفحة التالية…”
“ومتى تكون الأيام التي لا يمكن أن تحمل فيها؟”
“ماذا؟ آه… هذه هي الأيام.”
نظر لازلو بعناية أكبر إلى التواريخ التي أشارت إليها الخادمة.
“فهمت. اتركي هذه الورقة هنا، ويمكنك الانصراف.”
على الرغم من أوامره، ترددت الخادمة قليلاً قبل مغادرة الغرفة.
“هل لديك شيء لتقولي ليه؟”
“في الحقيقة، قبل فترة قصيرة… لا، لا شيء. سأنصرف الآن.”
أخذ لازلو الورقة القديمة التي تركتها الخادمة وبدأ يلعب بها بين أصابعه.
كان يشعر بالشفقة تجاه الأميرة.
هذه المرأة التي جاءت إلى أرضٍ غريبة وتزوجت رجلاً لم تعرفه من قبل، كانت تعيش حياة لا يمكنها حتى شراء ثوب جديد.
رغم أنها عاشت كأميرة في قصرٍ ملكي، إلا أنها لم تشكُ أبدًا من وضعها الجديد.
وضع لازلو الورقة في الدرج بعناية.
وفي تلك الليلة، ذهب إلى غرفة الأميرة أغنيس.
***
“أوه؟ دوق؟”
بدت الخادمة التي كانت تحرس غرفة الأميرة في حالةٍ من الارتباك عندما رأت لازلو.
“هل الأميرة في الداخل؟”
“نعم، نعم، إنها هناك. هل أخبرها بوصولك؟”
“نعم.”
بعد أن دخلت الخادمة إلى الداخل، استغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى فُتح باب غرفة النوم.
هذه الغرفة كانت تُستخدم تقليديًا من قبل دوقة عائلة أرباد. عادةً، عندما يتغير مالك الغرفة، تتغير الأثاث وورق الجدران، ولكن هذه المرة، لم يتغير شيء تقريبًا.
“أوه، أتيتَ…”
كان مظهر الأميرة يبدو متواضعًا. وكانت بعض خصلات شعرها قد خرجت من مكانها، مما يدل على عجلتها.
وقف لازلو أمامها.
“هل أزعجتُكِ؟”
“لا. لم أكن مشغولة بأي شيء. لكن لماذا جئتَ دون إخباري؟”
“هل يمكنني الجلوس؟”
“كما تشاء.”
جلس الزوجان على جانبي الطاولة الصغيرة الموجودة في إحدى زوايا غرفة النوم. كان وجه الأميرة متوردًا تحت وهج الشموع.
تردد لازلو في الكلام قبل أن يفتح فمه أخيرًا.
“سمعت أن مجلس الشيوخ جاء لزيارتكِ مؤخرًا.”
“آه.”
أدركت الأميرة ما كان يشير إليه، وأطلقت تنهيدة قصيرة. لم يكن وجهها يبدو مرتاحًا.
“أعتذر نيابة عنهم على وقاحتهم. كان يجب أن أحلّ الأمر من قبل.”
“لا حاجة لذلك.”
هزت الأميرة رأسها ببطء.
“أنا أفهم لماذا جاءوا إلي.”
“أنتِ…”
توقف لازلو عن الحديث فجأة. كان يريد أن يسألها الكثير.
‘ألا تلومينني؟ ألا تندمين على زواجكِ مني؟’
لكن لم يخرج أيٌّ من هذه الأسئلة من فمه.
“سأبقى هنا الليلة.”
“…ماذا؟ هذه الليلة؟”
ظهرت علامات الارتباك الواضح على وجه الأميرة وهي تنهض بسرعة، مما تسبب في انقلاب الكرسي الذي كانت تجلس عليه.
“هذه الليلة… إذن، هل يمكنني أن أطلب قليلًا من الوقت؟”
“لا تقلقي. سيكون مجرد تمثيل لمجلس الشيوخ. يمكنك النوم في السرير، وسأبقى على الأريكة للعمل حتى شروق الشمس، ثم أغادر.”
“آه…”
ظهرت على وجهها ملامح خيبة الأمل بوضوح. ابتسم لازلو بمرارة.
كان يدرك أن مرور عام كامل على الزواج دون علاقة زوجية أمر غير طبيعي.
لكن لازلو تعلم ألا يبدأ شيئًا لا يستطيع تحمله.
“ارتاحي.”
وضع الوثائق التي أحضرها معه على الطاولة. وبعد تردد قصير، دخلت أغنيس إلى الحمام.
بعد قليل، عادت الأميرة إلى السرير بعد أن جففت شعرها المبلل. لم يلتفت لازلو نحوها عمدًا.
سيطر الصمت على الغرفة. رغم أنه كان ينظر إلى الوثائق، إلا أن تركيزه كان بالكامل على السرير الذي كانت تنام عليه.
لم يكن يستطيع قراءة أي من الكلمات على الأوراق.
مرت فترة من الوقت.
توقف حركة تقلبها في السرير، وأصبح تنفسها غير المنتظم هادئًا.
في تلك اللحظة، أطلق لازلو نفسًا طويلاً كان يحتبسه.
كانت الشمعة قد ذابت بالكامل تقريبًا، تاركة آخر شعلة تحترق. بينما كان يفرك عنقه المتصلب، ألقى نظرة خاطفة نحو السرير.
تدفقت مشاعر متعددة ثم استقرت كالرواسب.
نهض وسار نحو السرير حيث كانت نائمة.
كان وجهها يبدو متجهمًا كما لو كانت تحلم بشيء مزعج. بحذر، مد لازلو إصبعه وضغط برفق على جبينها المتجعد.
على الرغم من هذا الفعل البسيط، ابتسمت أغنيس بشكل مفاجئ. ولاحظ لازلو نفسه يبتسم أيضًا عندما رأى تلك الابتسامة.
“آه…”
كانت ابتسامتها جميلة جدًا لدرجة أنه ظل يراقبها لفترة طويلة.
“تبا…”
أدرك فجأة أن الشمس قد بدأت تشرق.
أخرج خنجرًا كان مثبتًا على خصره، وجرح كفه طوليًا. سرعان ما بدأت قطرات الدم الحمراء تتجمع.
رفع الغطاء الذي كانت تغطي به نفسها، ورش الدم على الملاءة.
‘بهذا سيتوقف مجلس الشيوخ لبعض الوقت.’
أعاد الغطاء على جسدها بعناية.
شعر ببعض الأسف لمغادرته، لكنه تمالك نفسه وخرج من غرفة نومها بهدوء.
***
مرّت عدة أيام.
بفضل الدم الذي تركه، لم يعد يسمع عن زيارات مجلس الشيوخ للأميرة.
في الواقع، لم يكن لديه الوقت للقلق بشأن ذلك. فقد أصبحت هجمات الوحوش متكررة جدًا مؤخرًا، مما اضطره لقضاء أكثر من نصف الشهر على خطوط الدفاع.
“سيدي الدوق!”
“أسرعوا، أحضروا الطبيب!”
لقد أُخذ على حين غرة.
كان لازلو يمسك بجانبه، حيث أصابته مخالب الوحش، ويتنفس بصعوبة.
هرع الطبيب وحاول إيقاف النزيف، لكن الضمادة سرعان ما تلطخت باللون الأحمر.
في الوقت نفسه، بدأت رؤية لازلو تتلاشى تدريجيًا. كان يسمع صوت زولتان يصرخ بجانبه.
عندما فتح عينيه مرة أخرى، كان السقف مختلفًا.
أغمض عينيه ببطء ثم فتحهما مجددًا.
“…يجب أن تأخذ قسطًا من الراحة.”
“فهمت.”
“إن حاولت التحرك قبل أن تشفى تمامًا…”
كان هناك شخص بجانبه. أدرك لازلو وجوده بشكلٍ غامض، لكنه لم يستطع التعرف على هويته.
كانت يدٌ ناعمة تمسح جبهته وخديه بلطف.
‘من يكون هذا؟’
كانت تلك اليد دافئة لدرجة أنه سرعان ما غلبه النوم مجددًا بعد أن رمش بعينيه مرات قليلة.
***
شعر بجفافٍ شديد في فمه.
استيقظ لازلو بسبب عطش قوي في حلقه.
حاول أن ينهض، لكن جسده كان ثقيلًا مثل إسفنجة مبللة، بالكاد استطاع تحريك أصابعه.
“ماا…ء…”
كان صوته ضعيفًا بالكاد يُسمع، لكن أحدهم أدرك حاجته وقدم له ملعقة مليئة بالماء البارد لتلامس لسانه.
بدأ لازلو بشرب الماء بنهم، وكان حلوًا كأنه ماء الحياة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 167"