Chapters
Comments
- 3 - قرار سيليا 2025-08-19
- 2 - عشائي مع أينو 2025-08-05
- 1 - الغروب الأخير 2025-08-04
2
الفصل الثاني
عشائي مع أينو
[ قلعة أينو /قاعة العرش/ أراضي النسيان القاحلة]
(سيليا)
فجر كئيب … ظلام أبدي ، كان من الصعب فهم سيرورة الزمن في هذا العالم التعيس ، حتى عند النظر من النافذة، لن تعرف إن كان النهار أو الليل و كأننا شطفنا داخل ثقب أسود و ننتظر أن نتحلل هناك في … الفَناء.
في قلب القلعة السوداء، حيث النوافذ العالية تنهمر عليها ستائر قرمزية ثقيلة ، وحيث الجدران تهمس بحكايات منسية…
كانت سيليا لا تزال واقفة في وسط القاعة من الدهش،و كأن الأرض ترفض أن تتركها تقوم بأي حركة ، وصدى كلماته يتردد في أرجاء القلعة كدندنة سيفٍ يُسحب من غمده.
“أنتِ الآن خطيبتي… وستكونين ملكتي قريبًا.”
إقترب منها و ركع بوقار يمسك بيدها و كأنه يحتضنها
لم أستطع أن أُصدق. كل شيء حدث بسرعة، كأن الزمن انكسر، ثم التأمت أجزاؤه في عالم لا أعرفه.
فجأة، طرق على الباب. يتبعه صوت عميق قائلا :” “سيدي ، هل تسمح لي بالدخول ؟”
إنتصب أينو كراية علم مهيبة و قال بنبرة صقيعية” “أدخل !”
دخل حارس يحتشي أسودا، صوته جافّ قائلا:
” معذرة .سيدي… شخص غريب يتسلل في أراضي النسيان. يبدو أنه منفي جديد من شارو.”
تنهد أينو بعمق ، و بيد تمسك بها و أخرى تلوح ،و بعينين تضيئان كنارين ، أمر الحارس قائلا بنبرة منفعلة:
“جهزوا حصاني ! .”
ثم التفت إليها، و قال بصوت منخفض، :
“سأغيب لبعض. لا تذهبي بعيدًا”
لكن سيليا لم تجبه، نظرت إليه بخجل وارتباك.
كان الخوف يسري في عروقها مثل حبر يلوث الورق، كلما اقترب منها شعرت بشيء لا تقدر على تسميته.
أشار أينو بهدوء، ثم دخلت فتاة خادمة الملكية ذات شعر أبيض طويل وعيون زمردية وردية ، فرمقت سيليا بنظرة خاطفة سعيدة ثم وقفت أمام أينو و بإجلال إنحنت صوبه، فقال:
“قومي بإيصالها إلى جناحها… مقابل غرفتي في الطابق الثاني. عليها أن تستعد لمراسم الخطبة.”
في تلك اللحظة، لم تكن سيليا تدري…هل كانت سيدة بين أروقة الظلام، أم سجينة له ؟.
غادر أينو تاركا خلفه هالة سوداء ثم فتقدمت الخادمة و عرفت بنفسها قائلة بصوت واهن حنون:
” إسمي ميرا ، سموك، سأكون خادمتك و يدكي اليمنى و لي الشرف لذلك !”
إرتخى فكي من غرابة ما سمعت، ثم قادتني ميرا بهدوء، عبر ممرات القلعة بخطوات خفيفة، إلى الطابق الثاني … ووقفت عند باب غرفة خشبي عال، مقبضه من المعدن الأسود، مواجهة لغرفة أينو.
في الداخل ،كانت الغرفة واسعة جدا فيها سرير ضخم يتدلى منه ستار أسود شفاف من دانتيل عليه زخارف عديدة، و على جانبيّ السرير منضضتان موضع فوقها إكليل زهور سوداء تخطف الأنظار،و
نافذة ضخمة تطل على شرفة مليئة بأحواض الزهور و الورود الشوكية السوداء و القرمزية، بها كرسيان حول طاولة من الزجاج الأسود و كأنه سماء ليل مرصعة بالنجوم ، تلمع تحت ضوء القمر.
في تلك الأثناء نادت ميرا على سيليا التي كانت مبهورة بجمال الشرفة و كأنها حلم في وسط كابوس
تحمل بين يديها ثوب نوم من الحرير الأبيض المطرز وقالت بصوت واهن:
” لقد جهزت السرير من أجل أن تأخذي قسطا من الراحة ، لأن السيد أينو سيتأخر و لن يرجع حتى الليل “.
إلتفت إليها سيليا بدهشة فقالت في نفسها :
(حتى الليل !؟… هل أحضرني إلى هنا لأظل بمفردي في هذا الفراغ المظلم؟)
ثم قادتها إلى مكان تبديل الملابس لتساعدها على لبس ثوب النوم ،فشعرت سيليا بخجل و ميرا تلبسها الثوب ،فقالت بنبرة هادئة خجلة :” شكرا على مساعدتك … لا تتعبي نفسكِ …أستطيع أن ألبس بنفسي !”.
فقالت ميرا بنبرة تخفي إبتهاجا :
“تعبكي راحة بالنسبة لي، و لا تشغلي بالكِ، سأجهّز كل شيء لمراسم الخطبة في الصباح، و لا تقلقي… الحياة معه ليست كما يظنون.”
في تلك اللحظة لمحت عينا سيليا وهجًا خافتًا
داخل كومة رماد، ينبض داخل صدر ميرا ثم إختفى فجأة ، فدققت النظر مرة أخرى و كأنها رأت شحبا ،
ثم إعتلت السرير و إستلقت عليه كمن ينام فوق خيمة عائمة ، فتسلل النعاس فجأة و أغمضت سيليا عينيها و إستسلمت للنوم ، أرخت ميرا الستائر على النافذة، و غادرت بهدوء تاركة سيليا تغط في النوم.
[في المساء / داخل قلعة الظلال ]
صهل حصان أينو البري، و كأنه يُعلم بعودة حاكم هذه الأرض ، دخل أينو إلى القلعة و صعد إلى الطابق الثاني متجها إلى غرفته بخطوات رصينة ثم إلتفت إلى غرفة سيليا فوقف أمام بابها، يطرق بخفة،ثم قال بصوته العميق:
“هل ترافقينني إلى العشاء؟” .
فتحت سيليا عينيها على صوته ثم إقتربت من الباب تلمس مقبضه بتردد عاجزة عن الحديث ، فأخفض أينو عينيه ثم أردف قائلا قبل إبتعاده :
“بإنتظركِ … لا تتأخري عليّ” . في تلك الأثناء شعرت سيليا بخفقان قلبها بشكل مريب و كأنه يغرق في الضياع.
بعد قرابة ساعة ،داخل القاعة فسيحة تتوسطها طاولة طويلة مرصعة بشموع مضاءةً كأنها أقمار ، ونور القمر ينساب عبر الزجاج الملون الداكن كظل الشفق ، عليها أطباق مأكولات متنوعة .
كان أينو يقف عند النافذة يراقب القمر المشع تارة و يلتفت إلى باب القاعة تارة أخرى و كأن صبره قد نفذ
و فجأة فتح الباب و دخلت سيليا ككوكب يتلألأ في المكان و إقتربت بخطوات ثقيلة تشد على فستانها الأسود ، و ترفع شعرها الطويل بمشبك لؤلؤي،فظل أينو يحدق فيها طويلا و كأنه رأى شيئا أبهى من القمر الذي يزين ليله دائما ،ثم أشار إليها للجلوس قباله، قائلا : “تعالي، اجلسي.”
فجلست أمامه، دون أن تعرف ماذا تقول. فإخترق الصمت صوته قائلا:
“كيف تشعرين في هذا المكان؟”
سؤاله، وقتها فاجأني و لكنني شعرت بقدرة التنفس بحرية و الإجابة وكأنني أفرغ قلبي لمستمع جيد
“إذا كان من الحالة النفسية فقد إعتدت عليه ، أما عن المكان فمألوف لي” ثم قالت لنفسها
( قلتُ بصدق … لم يكن المكان غريبا عليّ و لكن الغريب هو أنني نمت فيه براحة البال لاول مرة )
“هل… أنتِ غاضبة مني؟”
رفعت حاجبيها بدهشة:
“لا إطلاقًا، لماذا تقول هذا؟”
أجاب بنبرة وادعة:
“لأنكِ حين رأيتني حينها… شعرتُ بأنكِ خفتِ مني، تراجعتِ خطوة… لم أعرف، الآن تأخرتي عليّ…هل أعجبتكِ أم لا؟”
احمرّ وجهها، وبتردد تمتمت:
” آسفة كنت نائمة حينها ،و لم أسمعك عندما نادية علي “
فرفع حاجبه يخفي إبتسامة داخله ثم أردفت قائلة بشجاعة وسألته بصوت خافت:
“لماذا اخترتني أنا؟”
فأجاب بعد صمت قصير يبتسم كمن يكشف سرّاً:
“لأن شيئاً لا يسيطر عليكِ… أنتِ كصحن القمر… و ظل الجبل ، أنت نادرة “
سكتتُ،للحظة أنظر حولي… فجأة تعلقت عينيّ بشيء غريب لا مثيل له ينبثق من صدر أينو و يتوهج بطاقة مظلمة…بتلة السوداء؟!… كانت تتوهج في صدره، كنجم في منتصف الليل، أيعقل … أنني كنت أتوهم .
ثم أبعدتْ نظرها للهنينة ثم أعادت النظر مرة أخرى فإتسعت عينها تقول لنفسها:
(لا مستحيل أنا لا أتوهم … هناك شيء بداخله بالفعل و لكن ماذا يكون ؟)
ثم تذكرت نفس اللحظة التي رأت فيها شيئا مشابها ولكنه مختلف كثيرا عن الذي داخل ميرا . ذلك الشيء لا يشبه الرماد المتوهج في ضوئه الخافت الذي بدا كأنه يهمس بأسرار منسية.
فالبتلة السوداء كانت تنبض، كانت حيّة، غريبة
أرادت أن تسأله، لكنها ابتلعت السؤال عندما رأته يحدق فيها فصمتت لتصرف الشك و رمقها بنظرة جانبية وقال بغيرة خفيفة:
” لم تمسي طعامك ، هل لي أن سأل من ذاك المحظوظ الذي سرق انتباهكِ؟ بدأت أشعر بالغيرة.”
فإلتفت إليه بعينين جوهريتين و ضحكت بخجل، تغطي على الإجابة برشفة من كأس الشراب ،ثم قال بصدق لم يظهره من قبل:
“تعلمين، أرغب بتعجيل زواجنا… لأتفرغ لكسر عهد أوريل الزائف.”
في تلك اللحظة كادت سيليا أن تسكب الشراب على نفسها من دهشة ما سمعت ،لم تدري أي الخبرين أغرب ،فنظرت إليه بعينين تتوهجان حيرة و دهشة قائلة :
“أوريل… من يكون هذا أوريل؟”
فإبتلع أينو ريقه فجأة ثم أجاب بثقة :
” ملك إغتصب الحريات بذريعة الفرح و السعادة المطلقة المزيفة بنفي أي شخص يقف في طريقه أو يعترض على أوامره …”.
نظرت إليه بذهول، وحيرة ثم قالت بصوت واهن
” و لماذا تريد أن تنهي عهده؟ … لتحل مكانه ؟!”
فإضيقت عيناه لوهلة ثم أجاب ببطء، وكأن كلماته تخرج من عمق الليل:
“سيحلّ محله الواقع الحقيقي… كما أنها مملكتي!… مملكة شارو المضيئة!”
و بدون أي مقدمات ، أمسك بيدها ، يحدق بعينيها و هي تذوب داخليا ،ثم همس:
“لكن… وجودكِ بجانبي يجعلني أؤمن أنني قادر على إسترداد حق شعبي المسلوب، و لأنني… أريدكِ لي.”
احمرّ وجه سيليا، خجلها يغمرها كموجة دافئة. و إرتجفت يدها بين يدي أينو ،فإستعادت رابطة جأشها و إبتلعت ريقها قائلة :” لست أدري ما أقول … لكن قبل هذا أجبني عن شيء واحد، فنظر إليها بثقة يشوبها ريب قائلا :
” إسألي ما تريدين ؟”
فقالت :
“ما سبب رغبتك في إنهاء عهد أوريل و كيف نفيت من مملكتك؟”
فتنهد بألم وهي تنظر إلى توهج بتلة صدره السوداء و كأنه تذكر جرحا قديما فقال بنبرة منفعلة:
“لأنه سحر شعبه ، جعلهم أجساد دون روح ، رآيهم و رغباتهم لا تستجاب ، حين سألته:
” لماذا ؟”
قال: ”أنا أنقذهم.”
لكني قُلت: ”أنت تسلبهم إنسانيتهم ، بإجبارهم على التظاهر بالسعادة و الفرح دون معنى، فنفاني…لكنني لن أصمت ،سأجعلهم يشعرون مجددًا… حتى لو بكوا كل ليلة.”
عقدت سيليا حاجبيها بريب ثم قالت :” و ماذا سيحل بهم لاحقا أسفل رايتك؟”
أجاب بنبرة صقيعية حادة:
“اليأس. الغضب. الحيرة. المشاعر السلبية ،أي نعم ثقيلة، قاسية. لكنها حقيقية. ولأول مرة منذ سنوات… سأجعل الناس يشعرون، حتى لو كان الشعور هو الألم.”
في تلك الأثناء إخترقت كلماته ،قرارة نفسي ،شعرت بصدقها. و لكنني صمتُ عاجزة عن فهم وضعه ثم قلتُ ببطء داخلي:
“ولكن… ماذا لو لم يكن اليأس هو الحل؟ هل يكفي اليأس بمفرده حتى لو كان صادقا أم نستسلم للفرح المزيف و نكذب على أنفسنا “
فمد يده صوب شعرها المشدود، أثناء شردانها و نزع المشبك الفضي فإنسدل شعرها كليل على وجهها فإحتمت به من نظراته الحارقة فرفعت عينيها بحذر، فقال:” إذا أجبتكِ عن سؤالك … الآن دوركِ”
فمدّ يده ببطء داخل جيبه ثم أخرج خاتمًا داكن الحجر ،كأنه قطعة من الغسق يلمع بين أصابع يديها الشاحبة البيضاء، كان باردًا، لكنه ارتجف في يدها كأن فيه حياة. قائلا :” إبقي بجانبي … و لنربط أرواحنا قبل أجسادنا… يا ملكتي.”
نظرت إليه بذهول، وشعرت بشيء ينمو داخل صدرها مزيج بين الأمان والخوف، بين الحلم والحقيقة.و يتوهج داخله كأن بتلته السوداء وجدت مرآة تحاكي ظلامه الداخلي .
وفي نهاية العشاء، وقف أينو وابتسم بثقة قائلا:
“افعلي ما تشائين … القلعة لكِ.”
ثم غادر…وبقيت سيليا وحدها، في القاعة،تحدّق في الخاتم، يتراقص شعاعه بين أضواء الشموع وفي قلبها فكرة تتردد .
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات