Chapters
Comments
- 3 - قرار سيليا 2025-08-19
- 2 - عشائي مع أينو 2025-08-05
- 1 - الغروب الأخير 2025-08-04
1
الفصل الأول
الغروب الأخير
السقف الأبيض، مصفرّ الحواف، بدا وكأنه لوحة مهجورة نُسيت فوق رأسها لسنوات. و كانت سيليا مستلقية على سريرها في المستشفى ،كما هي منذ أيام، شهور ربما، لا تعرف الفرق. عيناها مفتوحتان، ثابتتان تحملان برودة جليد اليأس و الإحباط، و رائحة المعقمات تنخر جيوبها الأنفية ،تنظر بهدوء إلى ذلك اللاشيء أعلاه، بعينين فقدتا بريق الحياة .
(سيليا)
كان شعري الأسود المشدود كذيل حصان يرتكز خلفي كأنه ظل ثابت لا يتحرك. و الجو ثقيل، كأن الهواء نفسه يحمل عبء مرضي الذي ينهكني منذ سنوات. سمعتُ خطوات الطبيب وهو يخرج من غرفتي،يخاطب الشاب الواقف في الممر بنبرة مهنية مفرغة من أي عاطفة :”لا تحسُّن يُذكر… حالتها ثابتة، بل تميل للأسوأ. أنصح بنقلها إلى مشفى خارج البلاد، ربما هناك… أمل ضئيل.”
تمتمت في نفسي، صوتي خافت كهمسة تتلاشى و شفتايا بكاد تتحركان : “آه، نعم… كعادة. لا يوجد أمل من شفائي… لماذا أحاول أصلاً؟ طالما النتيجة واحدة… يبدو أن الموت أرحم بكثير من هذا العذاب القاسي. حتى القفز لم أجرء على فعله لأنه يتطلب شجاعة لا تحصى…”
كانت كلماتي تهمس بين جدران الغرفة البيضاء، لكنها لم تجد من يسمعها.
بعد لحظات دخل أخي لّيام ، هاتفه في يده كما العادة، وجهه متجهم على عجل.
نظر إليّ للحظة، دون أن يقترب، وقال وهو يكتب شيئًا على الشاشة: “عليّ المغادرة، فخطيبتي في انتظاري. سيليا، سأحجز الرحلة في المساء ،و غدًا نغادر إلى مشفى جديد. جهزي نفسك.” ثم أغلق الباب وراءه، وتركني وحدي مجددًا…
لم أرد عليه، كلماتي عالقة في حلقي. شعرتُ باليأس يغمرني، ليس فقط من مرضي، بل من تصرف أخي الذي بدا وكأنه اعتاد على معاناتي، كأنها أمر مفروغ منه.
نظرت إلى السقف مجددا ، وشعرت بقلبي العاجز عن الخفقان يهوي دون صوت، كسقوط ريشة في بحر اللامبالاة . فقلتُ :
“حتى لّيام… لم يعد يخاف عليّ. لقد اعتادني مريضة. كأنني قطعة أثاث متنقلة من مكان إلى آخر “
بعد قليل، دخلت ممرضة تحمل صينية الغذاء، لكنني رفضت الأكل. نظرت إليّ بنظرة متضايقة وقالت: “يجب أن تأكلي شيئًا، سيليا!”
صمت.
فوضعت الصينية أمامي بحدّة، ثم خرجت، تاركةً وراءها الطعام يبرد أمامي.وصوت باب يُغلق كما تُغلق أبواب الرحمة.
مضى اليوم كعادته: قرأت المجلات القديمة التي حفظت كل كلمة فيها بسبب إقامتي الطويلة، و التي لم تتغير لمدة شهر ،و أمضيت يومي كله أتنقل بين السرير و الجلوس أمام النافذة، أراقب الغروب وهو ينسدل على المدينة، ملونًا السماء بحمرة خافتة كأنه جرح مفتوح بالدم ، و نسيم الهواء يداعب شعري و يذكرني بألمي الداخلي…
في تلك الليلة، كانت السماء رعدية، المطر ينحدر كالدموع، والرعد يهز الجدران. استيقظت فجأة على
صوت خرخشة غريبة.
صوت ناعم…
قطة سوداء !
تتمايل كالدخان ،عيونها الثعلبية الصفراء تتوهّج في الظلام و تلمع كالنار، تلعب بحافة بطانيتي. كان شكلها غريبًا، ذيلها المنفوش يتحرك كالدخان. و قوامها الرشيق يتحرك باستمرار، إقتربت لإمساكها… لكنها قفزت كشبح حاولت تتبعها في خارج الغرفة… ،فنهضت بسرعة رغم ألم جسدي، بخطوات واهنة
فجأة
الممر… خالٍ تمامًا.
الضوء خافت… و الجدران صامتة.
كانت المستشفى فارغًا تمامًا، لا صوت ولا حركة.
كل الأبواب مفتوحة… والأسِرّة خالية. فهمست في نفسي متساءلة :
“أين الجميع؟!”
لم يجبني أحدٌ ، ولا الجدران. فالسكون كان كثيفًا، خانقًا و كأن الجميع اختفى فجأة.
تقدمت… خطوة، ثم أخرى …في الظلام الدامس، أشعر ببرودة الأرضية وهي تلسع قدمي. و الظلام يبتلعني …
وفجأة —
دُست على ذيل القطة. فصرخت
– “مياااووو!”
قفزت مذعورة، و يداي تبحثان عن شيء أستند عليه فتعثّرت …وصوتي تمزق عبر السكون ، فإنزلقت قدمي عند حافة الدرج، و هوى جسدي إلى الخلف… سقطت كبطيء الريش… و كأنني أحلق في الفراغ المخيف. فجأة، توقف الزمن.
صوتي، تردد في الأفق البعيد،
بدا كصدى يتلاشى.
ثم اختفى كل شيء.
حين فتحت عينيّ، لم أكن في المشفى
كنت محاطة بالظلال في مكان غريب… مظلم ، تنبعث منه بتلات ذهبية تطوف حولي في الهواء ككواكب صغيرة، تضيء وجهي و إلتصقت بملابسي ثم بدأت البتلات الذهبية تتفتت… واحدة تلو الأخرى إلى … أن تحولت إلى رماد أسود، أثقل جسدي ، ثم تناثر كالثلج الموبوء. يذوب في الظلام.
نظرت حولي فوجدت نفسي أرتدي فستانا أنيقا أسودا بخطوط بيضاء مرصعة بالجواهر و شعري يتطاير في الظل …في الضوء …و الرياح. ثم تبدد المكان حولي فوجدت نفسي داخل قلعة
فجأة… جاء الصوت
صوت عميق، رجولي، فيه شيء غامض من الحنان والهيبة ، ينبعث من بعيد قائلا :
“مرحبًا بكِ يا سيليا. كنت أنتظر مجيئكِ بفارغ الصبر.”
تجمّدت أنفاسي، ألتفت حولي ثم رفعت بصري…
وهناك، على عرش مصنوع من الحجر الأسود والمعدن الداكن .جلس رجل أنيق…
يرتدي ثيابًا ملكية زرقاء داكنة، فوقها رداء أسود طويل كالفحم ينسدل على الأرض و سيف لامع مُعلّق على خاصرته، وحذاؤه الطويل يلمع في الخفوت.شعره أسود كلون الليل، وعيناه الخضراوتان اللامعتان تنظران إليّ من الأعلى، تحت ضوء القمر الخافت الذي يتسرب من نوافذ القلعة القرمزية الضخمة خلفه، يسند رأسه على يده ، يراقبني من أعلى كأنّه يعرفني منذ زمن بعيد.
“من أنتَ؟” سألتُ،و صوتي يرتجف.
رد عليّ يبتسم ابتسامة خفيفة، وقال: “أنا أينو، سيد اليأس. وأنتِ، سيليا، الآن خطيبتي… وستكونين ملكتي قريبًا.
تردد صوته كدندنة أجراس داخل جدران قاعة العرش التي تكسوها ستائر قرمزية و نوافذ يتسلل منها ضوء القمر مع موسيقى هادئة تُعزف من بعيد و سجادة مفروشة مطرزة بلون الكُحل
كنت أحاول إستعاب وضعي … كيف جئت إلى هنا ؟… ومن هذا الذي يدعوني بخطيبته ؟ و على وشك أن أن أصبح ملكته !… أسئلة كثيرة تراكمت في رأسي بألم .
فجأة نهض أينو من عرشه كظل أسود وتقدم إلىّ بخطوات ثقيلة مسموعة كأنها تكة ساعة ، في تلك اللحظة خفق قلبي بقوة و أنا أتراجع إلى الخلف بخطوات ثقيلة تغرق داخل السجادة كأنني أدوس على الرمال و أنا ألتفت حولي بحثا عن مخرج أو باب ألود إليه ،فجأة
شعرت بظله … بأنفاسه… أمامي تحدق فيّ ببرود قائلا :”لا تخافي… لستِ هنا لتموتي.” .
انحنى إلي ّ بارتفاع قامة ظل مُضيفا: “أنتِ هنا… لتصبحي زوجتي.”
تجمد قلبي لوهلة، وشعرت بخفة في رأسي كأن القلعة نفسها تضغط عليّ، فشددت على فستاني الجديد بقوة.و إختنق صوتي في الهواء و كأن الغبار في حلقي ،و أنا رأى يده تمتد صوبي ببطء و الرماد الأسود يلتف حولي ،عندما تلمست أصابعه ذقني كان جسدي يرتعش و إحمرت وجنتاي خجلا و عينيّ تنعكسان في إخضرار عينيه و كأنهما تحملان هما ثقيلا ،فكرتُ في الهرب، لكن عيناه جذبتاني كأنهما مغناطيس أخاد. و بنبرةٍ لا تقبل الجدل قال: ”اليأسُ الذي جلبكِ إليّ ليس عبءً… بل هدايَّة. و معا سوف نحوِّله إلى سيفٍ يقطع أوهام شارو”
في تلك الأثناء تحول الرماد المتطاير حولي إلى إكليل زفافٍ أسود مزخرف براق، فوق رأسي فجأة شهقتُ بإستسلام بصوت واهن متقطع:
“… ماذا؟! ” و هو ينظر إلىّ بإبتسامة هادئة مريبة …
يتبع…
_______________________________________
__
ما رأيكم بأينو؟ هل سيليا ستقبل مصيرها أم ستتمرد؟ شاركوني أفكاركم! و تعليقاتكم 🩷🌠
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات