نادى كريستوف عليها. بدا صوته الهادئ و الناعم للغاية حسيًا و مُربكًا بما يكفي لجعل قلبها ينبض بسرعة. شعرت فجأة بقشعريرة تسري في جسدها.
فزعت ماريان ، فنظرت حولها.
عدلت ظهرها وهي جالسة على الكرسي.
“أنا بخير هنا…”
“هل ستبقين مستيقظة طوال الليل هناك؟”
“لا أستطيع النوم”
“ماريان.”
انقلب كريستوف، ووجهه مدفون بين ذراعيه. نظر إلى ماريان بنظرة قاتمة. ابتلعت ريقها بفمها الجاف وأومأت برأسها.
“ماذا”
“غدًا ليس عطلة”
“…عفوًا؟”
“سيتعيّن علينا السفر حول الولاية غدًا للقبض على المجرم. الحفاظ على لياقة بدنية عالية جزءٌ لا يتجزأ من كونك ضابط شرطة. لا شيء أحمق من فقدان القدرة على إصدار أحكام منطقية بسبب قلة النوم”
“لكن …”
“إذا لم تستطيعي النوم ، استلقي و أغمضي عينيكِ. سيخفف ذلك بعض التعب”
اللعنة.
نقر كريستوف بلسانه ، متسائلاً إن كان يبدو عليه نفاد الصبر أم أنه كشف للتو عن أفكاره المظلمة. لحسن الحظ ، لم تلاحظ ماريان ذلك عندما نظر إليها ليراقب تنفسها.
استلقى مجددًا و واجه السقف كأنه لا ينوي شيئًا.
لصق نفسه بالحائط ليُفسح لها المجال. ثم أغمض عينيه ببطء.
كم مرّ من الوقت؟ تساءل. بدا و كأنه دهر.
على الأقل كريستوف هو من شعر بذلك.
لم يُدرك قط أنه شخصٌ قليل الصبر إلى هذه الدرجة.
عندما لم يعد يحتمل، أراد بفارغ الصبر التواصل مع ماريان.
“…”
شعر بماريان و هي تنهض من مقعدها.
كلما تقدمت خطوة، كان يسمع صوت احتكاك الملابس.
كان الصوت الذي استمع إليه باهتمام و عيناه مغمضتان يُغذي خياله اللامتناهي. ابتلع كريستوف ريقه بأقصى دقة ممكنة، بدقة كافية كي لا تلاحظه.
اقتربت خطواتها المتباطئة ، و كأنها ترددت للحظة. أدرك ذلك دون أن يفتح عينيه. هب الهواء كموجة ، ولامس بشرته.
ازدادت رائحتها كثافةً شيئًا فشيئًا.
كان كريستوف على وشك أن يقول إنه من الأفضل لها أن تخلع الفستان لأنه سيكون مجعدًا ، لكنه التزم الصمت هذه المرة. كان يتصرف كالمجنون. كان من الممكن أن يدفع هذا ماريان إلى تشديد حراستها.
كان عليه أن يكون حذرًا في مثل هذه الأوقات ، و أن يحافظ على هدوئه وراحته، وإلا فرّت القطة في لحظة.
انخفضت حافة السرير قليلاً ثم اختفت الحركة للحظة أخرى.
لم يستطع كريستوف حتى فتح عينيه بلا مبالاة ، خوفًا من أن ماريان قد تكون تحدق في وجهه.
لو تواصل معها بصريًا، لتصرف كما يشاء.
بعد برهة ، انقلبت ماريان ببطء.
استلقت مواجهةً السقف ، جامدةً كاللوح الخشبي.
“تصبح على خير ، كريستوف”
صمتٌ ممزوجٌ بعاطفتين لا يمكنهما التعايش.
بعد أن تلاشى كلامها في الهواء، ساد صمتٌ عميقٌ على السرير. كان جامدًا ولكنه مريح.
و تساءل كم من الوقت قد مر.
تقلب كريستوف ببطء ، متظاهرًا بأنه في نوم عميق.
استلقى على جانبه، مواجهًا ماريان.
شعر بتوتر ماريان بجانبه. لكن كريستوف توقف عن الحركة، و بدأ جسدها يسترخي تدريجيًا.
بعد لحظات، فتح كريستوف عينيه ببطء. رأى ماريان في الظلام. كانت مستلقية و يداها على صدرها.
ها.
همسُ ضِحكَتِه الخافتة انفلتت من بين شفتيه بلا مبالاة.
تساءل كم مرّت. لا، لا يمكنه حتى تسمية هذا مبيتًا. كانا ببساطة مستلقيين على نفس السرير و أغمضا أعينهما.
لم يلمسوا بعضهم البعض، ولم يصبح تنفسهم متقطعًا.
“…”
لكن بذورًا حمراء سقطت في معدته ، فإشتعلت فيه حرارة شديدة.
بدأ في معدته و انتشر ببطء إلى صدره و رقبته و رأسه و أطراف أصابعه.
لا بد أن الأمر استغرق وقتًا طويلًا.
ربما لم يمر وقت طويل بعد.
ومع ذلك، كان الوقت كافيًا لجسدها ، الذي كان متيبسًا كاللوح الخشبي، ليسترخي تمامًا. سقطت اليد التي كانت تستقر على صدرها على السرير بصوت خافت.
يبدو أنها كانت نائمة.
مدّ كريستوف يده ببطء. أمسك إصبعها بحرص بأطراف أصابعه، دون أن ينوي إيقاظها.
شعر بدفءٍ كان كافيًا لتهدئة حرارته تمامًا.
تجول كريستوف في الظلام بنظراته. استطاع أن يحدق في وجه ماريان وهي نائمة بعمق. رموشها مخترقة بضوء القمر، وشفتيها المفتوحتين قليلاً، وحركة صدرها الثابتة.
“أنا أجن”
كان بإمكانه أن ينقض في أي لحظة ويلتهم ماريان في قضمة واحدة في أي لحظة.
ومع ذلك، لم يستطع فعل ذلك في النهاية. كل ما استطاع فعله هو مشاهدة وجهها و هو يتأوه. بدا و كأنه يعلم أن ماريان ستصاب بخيبة أمل في اللحظة التي يقرر فيها إشباع شهيته.
و بعد ذلك لن يُمنح فرصة أخرى.
‘ماذا أفعل؟ هاه ، ماريان؟’
هزّ صوته الأجشّ الظلامَ الراكد. تطلّب الأمر صبرًا أكبر مما توقّع ليترك ماريان العاجزة ترقد وحدها.
لقد فكر جديًا في التخلي عن كل شيء في تلك اللحظة و غرز أسنانه في رقبتها.
ماريان، التي قالت إنها لم تستطع النوم للتو، نامت نومًا عميقًا، أما كريستوف، الذي قال إنه بحاجة إلى الراحة، فلم يستطع. كانت الليلة ساخرة.
‘أين هو الشخص الذي قال لي أنني سأشعر باضطراب في معدتي عندما أنظر إليها؟’
كان في صوته نبرة استياء خفيفة ، لكنه بدا أكثر رقة من أي وقت مضى.
حرك أصابعه ببطء ليتتبع شفتيها المفتوحتين قليلاً.
بحذر، كاد يلمسها، لكنه لم يفعل.
أنفاسها جلبت الدفء إلى أطراف أصابعه.
سرت القشعريرة في عروقه ووصلت إلى أصابع قدميه.
هذه المرة، وصلت أصابعه إلى رموشها.
فرك كريستوف رموشها النحيلة برفق.
ضحك بخفة دون وعي.
في تلك اللحظة ،
“كريستوف”
تمتمت ماريان في نومها قبل أن تتقلب.
كانت تواجه السقف، ثم التفتت نحو كريستوف.
ثم سقط شيء من داخل رقبتها. التفتت عينا كريستوف إليه سهوًا. رأى قلادةً معلقةً فوق ملابسها.
بعد ذلك ،
“…”
توقف كريستوف عن التنفس للحظة. لمعت عيناه الداكنتان بعنف. هناك، مُشرقًا بضوء القمر الخافت، كان خاتم زواجهما.
خاتم زواجهما.
بمجرد انتهاء المأدبة، حلّ الخاتم الذي أزالته من يدها حول عنقها على عجل. بعيدًا عن متناول و نظر أحد ، و لكنه الأقرب إلى قلبها.
مدّ كريستوف يده ببطء. أمسك بخاتم الزواج بلا مبالاة. كان دافئًا، بسبب حرارة جسدها، يكاد يكون دافئًا كدفء أنفاسها.
“أنتِ تستمرين في إظهار الفجوة لي، لذلك أتسلل من خلالها”
أمال كريستوف رأسه وقبّل الخاتم.
لم يبدُ عليه النوم قط.
مجرد النظر إلى وجه ماريان النائمة جعل ساعات انتظاره الطويلة تُحتمل. راقب كريستوف بزوغ الفجر من خلال وجهها.
لقد كانت اللحظة رائعة و مهيبة.
***
كانت ماريان تستيقظ دائمًا في نفس الساعة كل يوم.
إنها عادتها القديمة. لم تكن تستيقظ بعيدًا عن ذلك الوقت إلا عند حدوث أمرٍ ما.
كان الأمر نفسه اليوم. رمشت ماريان ببطء، وشعرت بالوعي ينبع ببطء من جسدها.
فجأةً، أدركت أن السقف غريبٌ بعض الشيء.
لم يكن يشبه سقف القصر أو النزل.
“أوه!”
تذكرت أيضًا ما حدث بالأمس. تذكرت نومها في نفس السرير مع كريستوف. قفزت من السرير وعيناها مفتوحتان على مصراعيهما.
آخر ذكريات ماريان كانت استلقائها على السرير جامدة كقطعة خشب. لكن الغطاء انزلق عن كتفيها و هي تتساءل عما حدث.
“هل نمتِ جيدًا؟”
صدر الصوت الخافت من جانبها. أدارت ماريان رأسها بنظرة مذعورة. كان كريستوف، مستلقيًا هناك، يراقبها بذقنه على يده.
“!….”
كان وجه ماريان محمرًا من الحرج. لم تكن تعرف حتى أيهما كان ينبغي أن تُفاجأ به: أن تنام معه في نفس السرير ، أو تستيقظ متأخرة عن المعتاد ، أو تكشف له وجهها النائم.
جميعها كانت مفاجئة بنفس القدر.
أومأت برأسها ببطء، ونظرتها متذبذبة.
“…صباح الخير ، كريستوف”
“نعم، أنا سعيد لأنّكِ نمتِ جيدًا على الأقل”
اتسعت عينا ماريان عند سماع تعليقه. وعندما دققت النظر، ازدادت الظلال تحت عينيه قتامة.
“ألم تنم؟”
“يبدو أن الأمر كذلك”
حركت ماريان رأسها ببطء و أخذت تنظر حول الغرفة.
بدا النزل أكثر تهالكًا وتدهورًا من الليلة الماضية.
كانت رائحة الغبار الخفيف تفوح من البطانية، وكانت جميع جدرانه ملطخة بالبقع.
فتحت ماريان فمها وتحدثت بطريقة محرجة.
“إنه ليس المكان الذي قد تنام فيه بعمق”
“حسنًا، هذا ليس السبب، ولكن دعينا نقول ذلك”
بدت ماريان مرتبكة من كلام كريستوف. لكنه نهض من مكانه ببطء، على ما يبدو لا يرغب في الخوض في المزيد من التفاصيل.
“ها …!”
حركت ماريان رأسها بغضب عند رؤيته وهو يرتدي ملابسه الداخلية، وكان وجهها أحمر.
لقد حرك رأسه ببطء عمدًا وشاهد وجهها يصبح أحمرًا من مؤخرة رأسها إلى شحمة أذنها.
“أنتَ لا تعطيني أي مساحة لذلك على الإطلاق”
كان صوتها بالكاد مسموعًا في أذنيه.
سار كريستوف نحو شماعة المعاطف ببطء شديد.
أحدث الخشب تحت قدميه ضجيجًا عاليًا.
بدأ كريستوف يرتدي ملابسه واحدة تلو الأخرى.
انزلقت ماريان من السرير، في حيرة. أجبرت نفسها على النظر من النافذة، وهي تُركّز انتباهها عليه.
بدأ مشهد القرية الهادئة يكتسب ألوانًا زاهية تحت السماء الصافية. بل وأكثر من ذلك …
“…”
أصبح صوت احتكاك الملابس بجلده أكثر وضوحًا في أذنيها.
حرّكت ماريان نفسها لا إراديًا.
كان الجو حارًا. كانت حرارة الغرفة لا تُطاق.
بدا و كأن الصيف على الأبواب.
تمكنت ماريان من إبقاء نظرتها المرتعشة خارج النافذة. كانت قرية هادئة. كان الناس يتحركون بنشاط منذ الصباح الباكر.
خلف صفوف المنازل، رأت التل المنخفض المظلم، وشجرة وحيدة تقف على قمته. استطاعت أن تتخيل عمر الشجرة العتيقة الشامخة، وكأنها كانت هناك منذ سنوات طويلة.
في تلك اللحظة …
“!…..”
اتسعت عينا ماريان من دهشةٍ عارمة. تذكرت اللوحة التي رأتها في المعرض في ذهنها.
كانت زاهيةً كأنها أمامها مباشرةً.
كل ورقة عشب و سحابةٍ أخذت أشكالها الحية.
***
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "74"