ضوء الشمس يدخل بخفوت من النوافذ العالية، يمرّ عبر الستائر البيضاء النقية، ويلقي بظلال ناعمة على جسدها الراقد بثبات.
الهواء خفيف، يكاد لا يتحرك، كأن الزمن هنا تجمّد.
جلس إيثان بجانب السرير، كما يفعل كل يوم.
شعره الطويل قليلا مبلل بعض الشيء من رذاذ المطر، ومعطفه الداكن علقه على الكرسي.
أمامه إيلينا، جسدها النحيل مستلقٍ بهدوء، وجهها شاحب لكن ملامحه استعادت شيئًا من ماضيها، من تلك الفتاة التي كانت تضحك في الحديقة، تمسك كتابًا وتسأل عن السماء.
مرّ عام كامل على هذا السكون.
عام كامل من الزيارة اليومية، من الحديث مع جدار الصمت، من الانتظار بين الرجاء واليأس. وكان لا يزال يقرأ لها، يوميًا، كما وعدها.
فتح الكتاب الذي في حضنه، وبدأ يقرأ بصوته العميق، الحنون
إيثان: …
وكان يقول لها: حين أغمض عيني، أراكِ. وحين أفتحها، أبحث عنك. فما عدت أفرق بين الحقيقة والحلم…
سكت فجأة، ونظر إليها.
ثم أغلق الكتاب ببطء، ووضعه جانبًا.
إيثان: إيلينا…
قال بصوت خافت.
إيثان: هل تعلمين؟ أنا أتحدث إليكِ كأنك تسمعين. كأنك تردين عليّ، بنظرة، بابتسامة، بكلمة صغيرة .
ضحك بمرارة، ثم مدّ يده وأمسك يدها بلطف.
كانت باردة قليلاً، خفيفة، وناعمة رغم نحولها.
قربها من وجهه، ووضعها على جبينه، وأغمض عينيه.
إيثان: إنكِ هنا… لكنك لستِ هنا. وأنا، أنا أحاول أن أبقى. لأجلك فقط.
مرت ثوانٍ.
ثم…
ارتعش إصبعها.
مجرد رعشة، بالكاد تُرى.
فتح عينيه بسرعة، نظر إلى يدها.
هل تهيأ له؟؟!
إيثان: إيلينا؟!
لم تتحرك ثانية.
نهض فجأة، وفتح الباب، ونادى على الطبيب بصوت فيه رعشة.
دخل الطبيب ومعه مساعدته، وبدأ الفحص.
إيثان وقف جانبًا، يراقب، يداه ترتجفان.
بعد دقائق، قال الطبيب بهدوء: قد تكون استجابة عصبية لا إرادية… أو قد تكون بداية خروج من الغيبوبة. لا يمكننا الجزم.
خرج الطبيب، وبقي إيثان وحده معها.
اقترب ثانية، جلس على الكرسي، نظر إلى وجهها طويلًا.
ثم همس
إيثان: حتى لو كانت لحظة كذبة… فأنا حييت من جديد، يا إيلينا.
مرر أصابعه في شعرها الذي بدأ يستعيد حيويته، ولمعة لونه الوردي الفاتح.
إيثان: أتعلمين؟ اليوم ذكر الطبيب أن قلبك لا يزال قويًا. كأنكِ تحاربين، بصمت. مثلك تمامًا. لا تستسلمين.
ثم قبل يدها، ووضعها بلطف على سريرها.
إيثان: إذا كانت تلك الرعشة منك، فأرجوكِ، افعليها مجددًا. أعطيني سببًا لأؤمن أكثر.
سكت، ثم نظر إلى النافذة، حيث المطر يهطل بهدوء.
إيثان: لقد زرعت حديقة لنا في القصر. فيها زهور بلون شعرك… لون الأمل. انتظري حتى تراها، ستعجبك.
غمر الصمت الغرفة من جديد، لكنه لم يكن صمتًا موحشًا هذه المرة.
بل كان صمتًا محمّلًا باحتمال جديد…
ربما، فقط ربما، تبدأ القصة من هنا….
كانت الغرفة غارقة في سكونٍ ثقيل، السكون الذي لا يقطعه سوى أنفاس إيلينا البطيئة، المنتظمة، وكأنها حبلٌ هشّ يربطها بالحياة.
إلى جوارها جلس إيثان، عيناه مُطفأتان من السهر، جسده المنهك يترنّح، حتى غلبه النوم.
لكن نومه لم يكن راحة…
بل كان بابًا إلى كابوس.
حين انفتحت عيناه في الحلم، وجد نفسه في مكان لا يشبه عالمه الذي يعرفه.
بياض لا نهاية له، ثلج يتساقط من السماء كغبارٍ بارد، وجبال شاهقة كأنها أسوارٌ من جليد تحاصر الأرض.
الريح تصفع وجهه، وتلسع وجنتيه بشفراتٍ قاسية، حتى أن جلده بدا شاحبًا وكأن الدماء هجرت عروقه.
شعره الطويل انسدل على كتفيه، متجمدًا بخيوطٍ بيضاء رفيعة من الثلج العالق.
أنفاسه بخارٌ يختفي سريعًا في الهواء القارس.
كان وحيدًا، عابرًا في هذه الصحراء الجليدية، وخلف ظهره أثر خطواته المتعرّجة التي سرعان ما يغطيها الثلج من جديد، كما لو لم يكن موجودًا قط.
لم يكن يحمل سوى سيفه.
قبضته متيبّسة من البرد، لكن أصابعه لم تفلت المقبض.
كان يتسلق الجبل، يجرّ جسده كما لو أن كل عظمة فيه تصرخ من الألم.
قدماه تغوصان في الثلج مع كل خطوة، وصدره يئن من ثِقل أنفاسه المتقطعة.
كلما ارتفع، اشتدّت الرياح، كأنها أرادت إسقاطه.
ومع ذلك، واصل السير.

كان حزينًا، و دموع تسقط من عينيه.
وأخيرًا، بعد ساعات من العذاب، وصل إلى القمة.
هناك، وقف صامدًا أمام كهفٍ هائل، فاغر فاه كالهاوية.
جناحاه امتدّا فغطّيا الأفق، وصوته أرعب حتى الجبل نفسه.
لكن إيثان لم يتراجع.
رفع سيفه المرتجف، يده تنزف من شدّ القبضة
اندلع القتال.
التنين نفث نارًا كادت تحرق الهواء نفسه.
إيثان قفز متفاديًا، لكن اللهيب التهم كتفه الأيسر، فصرخ من الألم.
ركض، والثلج يتناثر من تحت قدميه، ثم اندفع يطعن التنين في صدره.
الحديد ارتطم بالقشور السميكة، صوت شرارةٍ ارتدّ في الفراغ.
ضربه التنين بمخالبه، فطار جسده وارتطم بالصخر.
عظامه تكسرت، ودمه سال من فمه دافئًا وسط البرد.
رغم ذلك، نهض.
عينيه كانتا تلتمعان بعزمٍ يائس، كمن يقاتل لا ليعيش، بل ليموت ومعه أمنيته.
كل ضربة كانت تمزّقه، وكل جرحٍ كان يقصّر أنفاسه.
ومع ذلك ظل يقاتل.
حتى اللحظة الأخيرة، حين غرس سيفه أخيرًا في صدر الوحش، واختنق زئيره حتى سقط.
قلب التنين بين يديه…
ينبض بحرارة غريبة، دافئة، حمراء كدمٍ حيّ.
استلقي إيثان وسط الثلج، الدم يسيل من فمه، صدره يرتفع بصعوبة.
كان قلب التنين في يده يضيء، يمنحه الفرصة الأخيرة.
في تلك اللحظة، تكسرت ذاكرته.
رأى إيلينا.
رآها ميتة بين يديه، وجهها شاحب، عيناها نصف مفتوحتين، ودمها يغطي أصابعه.
رأى كيف خنقها وهو فاقد وعيه، كيف انهارت بين ذراعيه كزهرة ذبلت فجأة.
سمع صرخة صمتها، وشعر ببرودة جسدها الميت.
رأى أيضًا والدها…
ويليام، حين طعنه حتى الموت.
دماؤه كانت تغرق الأرض، وصوته يتردد في أذنه.
بكى.
صرخ حتى تمزق صوته
“لم أقصد قتلكِ، إيلينا! لم أقصد… أقسم!”
ضغط قلب التنين إلى صدره، ودموعه تختلط بدمه.
إيثان: أمنيتي الوحيدة… أن تعودي. أن تعودي بالزمن. حتى لو نسيتِني… حتى لو لم تتذكري وجهي… فقط عودي.
دمه تدفق أكثر، حتى تقيأه على الثلج.
جسده انهار، وعيونه كانت تُطفأ ببطء.
آخر ما رآه كان الثلج يتساقط على يديه الملطختين بدمه، بينما قلب التنين يخفت ضوءه…
ويختفي.
فجأة، استيقظ.
جلس على سريره مفزوعًا، أنفاسه تتسارع كمن خرج من تحت الماء بعد غرق طويل.
وجهه كان مبللًا بالعرق والدموع، قلبه يخفق بجنون.
ارتجف، كأن البرد من الحلم ما زال في عروقه.
نهض بسرعة، واندفع نحو غرفة إيلينا.
فتح الباب بعنف، ثم تجمّد في مكانه.
هي كما هي.
نائمة.
وجهها هادئ، بريء، كأنها لا تعرف كل ما فعله.
اقترب ببطء، وجلس بجوارها
. أخذ يدها بين يديه المرتجفتين، ثم رفعها إلى جبينه.
انفجرت دموعه، أخيرًا بلا كبح
إيثان: لم أقصد قتلكِ… لم أقصد، أقسم. كنتُ غارقًا في جنوني في ماضي… لكني لم أقصدكِ أنتِ.
ارتعشت شفتيه وهو يهمس
إيثان: كان دمكِ في يدي!! جسدكِ بين ذراعي، شاحب… وبارد. لم أستطع نسيان وجهكِ الميت، لم أستطع… لقد لاحقني حتى في أحلامي.
ضغط يدها أكثر، كأنها قارب النجاة الأخير في محيط ذنوبه.
إيثان: إيلينا… لو فتحتِ عينيكِ، فقط لحظة، سأقول لكِ كل شيء. سأركع أمامكِ، سأعترف بكل ذنب. لكن لا تتركيني هكذا… لا تتركيني مع أشباح موتكِ.
انحنى أكثر، حتى بلّل جبينه ظهر يدها، ودموعه سقطت على بشرتها الدافئة.
كان يبكي فتي ضاع منه كل شيء.
وفي داخله، ظل صوت الحلم يتردد
“أمنيتي الوحيدة… أن تعودي.”
في يوم تالي، تم استدعاء إيثان إلى المحكمه…
كانت القاعة غارقة في الترقب، والوجوه تحدّق في الأرشدوق إيثان وكأنهم ينتظرون سقوطه.
لكنه لم يأتِ منكسرًا، بل واقفًا كأنه جبل.
القاضي سأله بصرامة
القاضي: الأرشدوق إيثان، وُجهت إليك تهمة قتل الماركيز مورفان ديمتري والماركيز غورين ويليام. كيف ترد؟
إيثان لم يتردّد.
إيثان: قتلتُهما. نعم. لكني لم أقتل نبلاء… قتلتُ خائنَين، وقتلتُ وحشًا في صورة إنسان.
ارتفعت همهمة.
أحدهم صاح
؟؟؟؟: تجرؤ وتصف الماركيز بالوحش؟!
إيثان تحدث، صوته اهتزت به القاعة
إيثان: هو لم يكن نبيلا قط! غورين ويليام… لم يكن نبيلًا، بل كان مجرمًا! باع البشر في السوق السوداء، باع الفقراء، باع أطفال القرى، كل رسالة، كل عقد، كل ختم… موجود هنا.
أشار بيده، فألقى الجنود على الطاولة صناديق مليئة بالوثائق المختومة.
أوراق صفقات، أسماء ضحايا، وأدلة دامغة.
القاعة ارتجّت.
إيثان: كان يتخفّى بعباءة الشرف، بينما يملأ جيوبه بدموع الضعفاء. أهذا نبل؟
اقترب أكثر من منصة القضاة، وصوته انكسر للحظة وهو يضيف
إيثان: حتى… ابنته… لم تسلم منه. حاول أن يجعلها ورقة بيعٍ أخرى، أن يقدّمها قربانًا لطموحه. هل تعرفون معنى أن تُباع ابنة؟ أن تُعرض كسلعه في يد والدها؟
القاعة جمدت.
البعض أشاح وجهه خزيًا، والبعض الآخر صمت خوفًا من أن يتسرب عاره إلى الضوء.
ثم التفت إيثان إلى الجانب الآخر
إيثان: أما ماركيز مورفان… كان خائنًا للوطن. باع أسرار المملكة لأعدائنا مقابل ذهب، وخان شرفه كما خان دمه. أهذا من يستحق أن يُرثى له؟
ساد الصمت، حتى القضاة أنفسهم لم يجرؤوا على إنكار الأدلة.
أخيرًا، القاضي الأكبر قال بصوت ثقيل
قاضي: الأرشدوق إيثان… قتلتَهم، نعم. لكنك لم تقتل أبرياء. لقد أنهيتَ حياة مجرمين اختبأوا تحت ألقاب النبلاء. وعليه… تُبرّأ من التهم. وتُغلق القضية.
ضرب المطرقة.
خرج إيثان من القاعة بخطوات بطيئة.
لم يشعر بانتصار، بل بفراغ.
لأنه يعلم…
حتى لو كان ويليام وحشًا، فهي إيلينا ستظل ابنته.
ودمه، مهما كان ملطخًا، سيبقى يجري في عروقها.
همس في نفسه
إيثان: حتى لو برّأني الجميع… براءتي الحقيقية لن تأتي إلا حين تنظرين إليّ…
✦ يتبع… ✦
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 95"