الفصل ٩٤: زهور لا تسمع النداء
ركب إيثان عربته بصمت، لا صوت سوى قرقعة عجلات الخشب على الطريق، وسيفه المُلطّخ ما زال في غمده، يقطر دمًا جفّ لكنه لم يُمحَ من ذاكرته.
الريح الباردة تلفّ معطفه الثقيل، لكن النار في صدره لم تهدأ.
وجه ويليام ما زال أمامه، نظراته الأخيرة، صرخاته، الدم المتفجّر من صدره، كل شيء تكرّر في ذاكرته دون توقف.
لم يكن يندم…
لكنه لم يكن مرتاحًا أيضًا.
قلبه مُنهك، معذّب، وممزّق.
وحين وصل إلى القصر…
قصره الذي بات أكثر هدوءًا منذ أن أصبحت إيلينا جزءًا منه، نزل ببطء.
خطواته نحو جناحها كانت مثقلة، كأنها تُجرُّ في الطين.
فتح الباب بهدوء.
كانت نائمة كعادتها…
بل ساكنة.
كما لو أن الزمن توقف داخل جسدها.
أشعتها الباهتة تمر من النافذة، تمسّ وجنتيها بلطافة، وكانها تواسيها على صمتٍ طال.
جلس بجوارها.
أخذ يدها ببطء…
كانت دافئة.
ليست ميتة، لكنها أيضًا ليست حيّة كما كانت.
همس
إيثان: لو كنتِ تعتبرينه والدكِ… فأنا آسف.
صوته انكسر في الهواء، حزينًا صادقًا.
إيثان: لكنه قتلني، إيلينا. قتل حياتي، وسجني… قتلكِ أنتِ أيضًا. لقد… قتل كل ما تحملينه من نور.
نظر إليها، وعيناه تغرورقان بدموع لا يسمح لها أن تسقط
إيثان: لقد طعنته. عشر مرات. كنت أراه كما كنتُ أنا… محبوسًا في قبو من الظلم، وكنت أصرخ بداخلي بدلًا منكِ. وأنا… أنا قتلتُه، بيديّ هاتين.
صمت لبرهة، ثم انحنى ببطء وقبّل ظهر يدها.
إيثان: هل ستكرهينني لو علمتِ؟
إيثان: هل ستنظرين لي بخوف كما فعلتِ أول مرة؟
إيثان: أم أنكِ… لن تفتحي عينيكِ أبدًا؟…
مرّ شهران ونصف.
الشتاء رحل.
الأمطار سالت وغسلت أسطح القصر
تغيّرت.
جسدها الذي كان هزيلاً بدأ يستعيد القليل من لونه.
وجهها المشوّه من الضرب، بدأ يلتئم، ببطء، ومع العلاج والعناية الدقيقة، بدأت ملامحها تعود، وإن ظلت آثار خفيفة تُخبر عن الألم الذي مرّ بها.
شعرها الوردي الذي سقط كثيرًا، بدأ ينمو من جديد.
خصلاته الجديدة كانت ناعمة، أقصر، لكنها جميلة.
كانت تتنفس بهدوء، ثابت، وعيناها ما زالتا مغلقتين.
كأنها تسبح في عالم آخر، لا يسمع نداءه أحد.
أما إيثان…
فكان يزورها يوميًا.
يجلس بجانبها، يمشّط شعرها بلطف، كما كانت تفعل له يومًا.
يضع زهرة في مزهرية بجانب السرير، يغيّرها كل صباح.
يتحدث.
يحدثها عن شؤونه، عن العاصمة، عن الأحلام.
عن ألمه.
عن ذكرياته معها.
إيثان: أتعلمين؟ الأمس رأيت فتاة صغيرة في السوق، كانت تبيع الزهور… ذكّرتني بكِ. نفس الهدوء، لكنها لم تكن أنتِ. أنتِ… مختلفة.
إيثان: لقد أصبحت أرشدوقًا. الناس ينادونني سموّك… لكن لا أحد يعرف أنني مجرد فتى كان حبيسًا، علّمته فتاة أن يقرأ.
يضحك بهدوء، يهمس
إيثان: كنتِ السبب في كل شيء… وأنا أنتظر أن تعودي فقط، لأقول لكِ هذا.
…..
أحيانًا، كان يقبض على يدها في لحظات اشتياق.
يحدث أن تغفو رأسه قرب كتفها.
وفي مرات نادرة، كان يظن أنه رأى جفنيها يتحركان، لكنه يُقنع نفسه أنه يتخيل.
إيثان: سأبقى هنا، حتى لو مضى عُمري كله، سأظلّ أقرأ لكِ، أحكي لكِ، وأنتظر.
إيثان: لكن أرجوكِ… لا تتركيني للأبد.
يتبع….
التعليقات