الفصل : من أجلها
كان الصباح قد بدأ للتو، والشمس لم تكتمل في شروقها بعد، حيث كانت أشعتها الذهبية تتسلل بخجل بين الغيوم الرمادية الباردة.
في ساحة صغيرة خلف مقرّ الإسطبلات، كان إيثان واقفًا بثبات، كتفيه العريضتين يحملان عبء قرار الليلة الماضية.
وعيناه البنفسجيتان لا تلتفتان لأي شيء حوله، بل تتطلّعان إلى الأمام وكأنهما تحدقان في المعركة قبل أن تبدأ.
ارتدى درعه الداكن تحت زيه بعناية، تحسب لأي تهديد.
كانت يداه تتحركان بثبات، لكن قلبه كان يضرب صدره كطبول الحرب.
بجانبه، كان الحراس الثلاثة الذين اختارهم بعناية يقفون في صفّ، يتهيأون لليوم الذي قد لا يعودون منه.
كان صمتهم ثقيلاً، يقطعه فقط صوت شدّ الأحزمة وتثبيت السيوف في أغمادها.
اقترب أحدهم منه، وأعطاه سيفه الخاص، ذلك السيف الذي يعرفه كما يعرف نفسه، مقبضه محفور بعلامات صغيرة.
أمسك إيثان السيف بقبضة قوية، ورفع رأسه قليلاً وكأنه يختبر وزنه للمرة الأخيرة قبل أن يبدأ الرحلة.
من بعيد، كان يمكن سماع أصوات الخيول وهي تضرب الأرض بحوافرها، تنتظر أصحابها.
اقترب إيثان من حصانه الأسود، وضع يده على رقبته وربت عليه بهدوء.
وقبل أن يمتطي حصانه، التفت إلى فرسانه وقال بصوت منخفض لكنه حاد
إيثان: اليوم… لا مجال للخطأ. نحن لا نذهب لنحارب فقط… نحن نذهب لنستعيد ما سُرق.
أدار إيثان الحصان، لتبدأ رحلة نحو القصر.
ومع كل خفقة قلب، كان إيثان يشعر أن المسافة بينه وبينها تضيق…
ذهبو الي قصر مباشرة، و دخلو بدون إذن.
تقدم إيثان، سيفه مرفوعًا بخفة في يده اليمنى، والعينان البنفسجيتان تلمعان بشدة تحت وطأة القلق والقلّة من الوقت.
خلفه، يتحرك ثلاثة حراس بزيّهم الداكن ووجوههم متحفزة، يحملون أسلحة متنوعة.
لكنهم يتبعونه كما لو كانوا يعرفون أنه القوة الحقيقية في هذه اللحظة.
هو ليس هنا ليتمتع، بل ليبحث، ليقاتل، ليحرر.
كانت خطواتهم تدوي داخل أروقة القصر الواسعة.
صدى الأحذية على الأرض الرخامية العتيقة يخترق سكون الجدران العالية المزخرفة، التي كانت تحكي تاريخا طويلا من الأسرار والغدر.
لكن اليوم، لن يسكت القصر على هذا السكون.
اليوم، كان إيثان هو العاصفة التي ستكسر كل صمت، وتفضح كل سر، وتفتح أبواباً ظلت مقفلة.
نظر إيثان إلى اليمين فوجد بابًا خشبيًا ضخمًا، محكم الإغلاق.

لم ينتظر.
دفعه بعنف، وسمع خشخشة الألواح والأقفال التي تحطمت تحت قوة يده، مما أطلق سحابة من الغبار القديم، التي جعلته يكحّ قليلاً، لكنه لم يتراجع.
فتح الباب بكامل قوته، ليجد غرفة مهجورة، مظلمة، تملؤها رائحة العفن ودهان متقشر، لم يكن هناك أحد.
تنهد إيثان بصمت، وأغلق الباب خلفه بسرعة، ثم تابع تقدمه.
في الطريق، كانت يده اليمنى تمسك السيف بإحكام.
كان السيف بالنسبة له أكثر من أداة كان جزءًا من هويته، رفيق دربه في هذا الطريق المليء بالخيانة والألم، سلاحٌ لا يسمح له أن ينهزم.
واصل إيثان السير في أروقة القصر، عيونه تقرأ كل تفاصيل المكان، كل زاوية، كل ظل، تحاول أن تجد أي أثر لإيلينا.
كان قلبه ينبض بعنف، كل ثانية تمر كان كأنها عمر، وكل خطوة تقربه من الحقيقة، أو تزيده ألمًا لو لم يجدها.
فجأة، سمع صوت خطوات خفيفة في الأعلى.
رفع سيفه إلى الأعلى مستعدًا لأي شيء.
نظر حوله بسرعة، ثم رأى سلمًا ضيقًا يؤدي إلى الطابق العلوي.
أومأ للحراس بالتحرك معه، وصعدوا بهدوء، ولكن قلبه كان يكاد ينفجر من القلق.
وصلوا إلى ممر طويل ضيق، وعلى جانبيه أبواب كثيرة.
بدأ إيثان يطرق الأبواب بقوة وصرامة، ينتظر أي رد، أي صوت، أي علامة على وجودها.
“إيلينا!” صرخ بإحساس متفجر، صوته يتردد بين الجدران.
لكن كان الصمت هو الرد الوحيد.
جعل قلبه يتقلص أكثر، ولكن لم يستسلم.
حاول فتح أحد الأبواب بقوة، ولكنه كان مغلقًا بإحكام.
استدار نحو الحراس وأمرهم بكسر الأبواب واحدة تلو الأخرى.
ببطء، سقطت الأبواب الواحدة تلو الأخرى بصدى عالٍ، بينما استمر إيثان في البحث.
شعر كلما ازداد تدمير القصر، كلما اقترب من الحقيقة المؤلمة التي كان يهرب منها طويلاً.
يتبع….
التعليقات لهذا الفصل " 88"
ليش طبول الحرب مبي طبول العرس ؟