الفصل : غضب لا يُقال

كانت الجنوب تتلألأ تحت شمس شتوية خجولة، وأصوات عربات الخيول تتردد في الشوارع المرصوفة، تحكي عن حياة لا تشبه شيئًا من ماضي إيثان.

كان يرتدي ملابس بسيطة قميص أبيض بأكمام طويلة وسترة رمادية.

لكن في داخله كان الدوق الجديد، الرجل الذي عاش جحيمًا اسمه القبو، وخرج منه حاملاً وعدًا.

وفي جيب سترته، كانت هناك خريطة.

خريطة قديمة، مُهترئة بعض الشيء، لكنها ثمينة.

خريطة لقصر ماركيز مورفان.

لم يكن يعرف كيف وصلت إليه هذه الخريطة، فقط أن أحد الرجال رجل غريب.

كان يعمل في السابق خادمًا في القصر القديم سلّمه إياها حين سمع باسم “ماركيز مورفان” يخرج من فم إيثان.

قال له ذلك الرجل بنبرة مرّة

؟؟؟؟: هذا القصر مجنون من الداخل، مثل صاحبه. لا تخاطر، يا فتى، إلا إن كنت مستعدًا أن ترى الشياطين بعينك.

لكن إيثان ذهب.

وراح يتفحّص الخريطة في غرفته الصغيرة بإحدى نُزُل.

كانت تفاصيل القصر مذهلة: أجنحة، ممرات، مخازن، أبواب خلفية، وسرداب طويل ينتهي إلى غرفة مهجورة خلف الحديقة الشرقية.

هناك… 

قرر أن تكون خطوته القادمة.

لكن إيثان لم يكن متهورًا. 

قبل أي شيء، أراد أن يعرف الحقيقة من قلب المدينة.

خرج في الصباح التالي متخفيًا بقبعة داكنة ووشاح يُخفي نصف وجهه، وبدأ يسأل في الأزقة عن خادمات طُردن حديثًا من قصر مورفان. 

لم يكن الأمر سهلًا، فالجميع كان يخاف من ذكر اسم الماركيز، لكن الذهب يحرّك الألسن.

[الفلوس تغير النفوس😍💰 و تخليك تتكلم و تسكت 😍💲]

وأخيرًا، عند الغروب، وجد إحدى الخادمات السابقات.

كانت امرأة خمسينية، تجلس على درج أمام بيت ضيق في حي بعيد.

تقدّم منها وقال بصوت خفيض

إيثان: أبحث عن فتاة… تُدعى إيلينا. كانت تعيش في قصر مورفان.

تجمّدت المرأة للحظة، ثم همست

؟؟؟؟: ولماذا تبحث عنها؟

مدّ يده وأراها كيسًا صغيرًا فيه عملات ذهبية.

نظرت إلى الكيس، ثم إليه. 

وجلسا هناك، تحت ظل شجرة شبه عارية.

قالت: الفتاة… كانت جميلة جدًا. لكن بسبب السيد اصبحت تصمت، كأنها شبح. في البداية، كنا نظنها مريضة. لا تأكل، لا تشرب، لا تتحدث، فقط تنظر للجدران.

سكتت.

أكمل إيثان، صوته مرتجف

إيثان: ثم ماذا؟!

قالت: لم يعد يُسمح لأحد بالدخول لغرفتها. أُمرنا أن نترك الطعام أمام الباب. بعد أشهر، لم تعد تفتح الباب. قلنا إنها ماتت. لكن السيد كان يدخل وحده… لا أعلم ماذا يفعل.

شعر إيثان بجسده يتجمّد.

تخيلها وحدها، في عتمة غرفة لا تزورها الشمس.

تخيلها تموت ببطء.

تموت بلا صوت.

قالت المرأة: كانت تبكي بصمت أحيانًا. وأحيانًا… كانت تضحك فجأة. كأنها جنّت.

هنا، أغلق عينيه.

كادت يده أن تقبض على سيفه.

كادت قدماه أن تتجه إلى القصر الآن، ليقتل.

ليقتله بكل غضبه.

لكن…

تذكّر.

هو نبيل الآن.

دوق.

قتل نبيل آخر بدون سبب تعني حربًا، نهاية.

وأسوأ من ذلك، يعني الفشل.

لا، لا يمكنه أن يتهور.

إيلينا لا تحتاج قاتلًا.

تحتاج من ينقذها، من يُخرجها حيّة.

أخفى الخريطة في سترته، ووقف.

إيثان: أين الباب الخلفي للقصر؟

رفعت حاجبيها، ثم أشارت إلى الخريطة وقالت

؟؟؟؟: هنا… لكن إن ذهبت، لا تعد دونها.

أومأ برأسه، وشكرها.

وفي تلك الليلة…

جلس وحده في النُزل، أخرج القلادة من جيبه. 

قلادة بلون بنفسجي، كالذكرى، كعيونه.

ضمّها إلى صدره، ثم تمتم بصوت خافت

إيثان: إيلينا… انتظريني. حتى لو كان لا تعرفيني بعد، سأصل.

يتبع….