كان الليل قد استقر على القرية الصغيرة كغطاء كثيف من الصمت والبرد.
النجوم بدت بعيدة، شاحبة، وكأن السماء فقدت دفئها القديم.
في كوخه الخشبي المتواضع، جلس إيثان قرب نافذته الصغيرة، يراقب الحقول المظلمة التي كان يحرثها نهارًا.
كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل، لكن النوم جافاه، كعادته.
مرت ٣ ونصف شهور منذ هروبه.
٣ ونصف شهور من الحرية…
أو ما يشبهها.
الهدوء الذي كان يتمناه تحول إلى روتين ثقيل.
الحرية لم تكن كما تخيّلها يومًا، بل أقرب إلى عزلة.
صحيح أن القرويين تقبلوه، بل واعتبروه فردًا منهم، لكنه لم يكن يومًا يشعر بالانتماء الحقيقي.
شيء لم يُرمم بعد.
كل ليلة، يحدّق إلى يديه اللتين كانتا ترتجفان ذات يوم تحت الأرض، تمسكان بيد فتاة بشعر وردي وعيون خضراء وهمسها يرن في أذنه: “وعدني أنك ستكون حرًا… لأجل نفسك.”
لكن الحرية دونها كانت كالوحدة.
رفع يده إلى عنقه، حيث كانت تتدلّى القلادة البنفسجية.
لم يخلعها يومًا.
الحجر الصغير الذي يشبه عينيه، يحمل حرفًا واحدًا من اسمه، كان يلمع بخفوت تحت ضوء القمر.
همس لنفسه:
“إيلينا… هل تفكرين بي كما أفكر بك؟”
وبينما كان غارقًا في أفكاره، سمع طرقًا خفيفًا على الباب.
تجمّد في مكانه.
من يزور كوخه في هذا الوقت؟ الجميع نائم.
نهض ببطء، تناول المصباح الزيتي، وتوجّه إلى الباب. فتحه بحذر.
رجل غريب يقف أمامه.
طوله فارع، يرتدي معطف سفر طويل، ووجهه مغطى جزئيًا بوشاح، لكن عيناه واضحتان…
عينان بلون بنفسجي باهت.
تراجع إيثان خطوة للوراء، عيناه تتفحّصان الرجل في صمت.
الغريب لم يبتسم، لكنه انحنى قليلًا كما يفعل النبلاء.
قال بصوت هادئ
تشارلز: عذرًا على إزعاجك في هذا الوقت المتأخر. كنت أسير طويلاً، وأخبرني أهل القرية أن بإمكاني الاستراحة هنا.
تردد إيثان، ثم قال
إيثان: كان بإمكانك الذهاب إلى بيت العمدة، ليس هنا.
ابتسم الرجل بخفة، لكن نظرته لم تفارق عيني إيثان
تشارلز: لا، أنا لم آتِ لأجل العمدة.
صمتٌ ثقيل تخلل الهواء بينهما.
ثم أشار الرجل إلى الداخل
تشارلز: هل يمكنني الدخول؟
تردّد إيثان، لكنه في النهاية ابتعد عن الباب، وأشار له بالدخول.
كان هناك شيء في هذا الرجل لا يُفهم…
لكن لم يكن غريبا.
بل بدا مألوفًا…
على نحوٍ غامض.
جلس الغريب على الكرسي الخشبي المقابل للموقد الصغير، وخلع معطفه ببطء، ثم قال وهو ينظر إلى اللهب
تشارلز : الليالي في الشمال باردة. لكنها جميلة.
نظر إليه إيثان، ثم جلس قبالته.
ساد الصمت.
الغريب كان يراقبه بنظرة عميقة، وكأنه يحاول قراءة شيء خلف عينيه.
ثم قال أخيرًا
تشارلز: كم عمرك؟
استغرب إيثان السؤال، لكنه أجاب
إيثان: تسعة عشر… ربما عشرون الآن. لم أعد متأكدًا.
أومأ الرجل برأسه.
تشارلز: اسمك؟
تردد إيثان.
كان يستعمل اسمًا مزيفًا في القرية، لكنه شعر بشيء ما يجبره على قول الحقيقة.
قال بهدوء
إيثان: اسمي إيثان..
رفع الرجل حاجبيه، كأنه توقع الاسم.
تشارلز: ولدت في العاصمة؟
هزّ إيثان رأسه ببطء
إيثان: لا أذكر. عشتُ في… مكان بعيد.
الغريب لم يعلق.
نظر إلى القلادة التي تتدلّى من عنق إيثان، وابتسم
تشارلز: جميلة… حجرها نادر. من أعطاك إياها؟
أخفض إيثان نظره، وصمت.
مرّت لحظة، ثم قال الرجل
تشارلز: هل تعرف من أنت؟
نظر إيثان إليه بسرعة، مستغربًا
إيثان: ماذا تقصد؟
ابتسم الرجل ابتسامة حزينة، وقال
تشارلز: أقصد… هل تعرف من تكون حقًا؟ ما الذي يجري في دمك؟ ولماذا عشت الحياة التي عشتها؟
وقف إيثان ببطء، متوترًا
إيثان: من أنت؟ ولماذا تسألني كل هذا؟!..
وقف الرجل أيضًا، نظر إليه نظرة هادئة لكن فيها شيء من العطف
تشارلز: أنا رجل يبحث عن شخص منذ سنوات طويلة. عبرت عشرات المدن، وسألت آلاف الوجوه… وحين رأيتك، علمت أني وجدته.
اقترب خطوة، وقال:
تشارلز: أنا… تشارلز.
لم يعرف إيثان ماذا يقول.
الاسم لا يعني له شيئًا…
لكن نبرة الرجل، وطريقته، ونظرته في عيونه البنفسجية…
كلها كانت تنغرز في قلبه.
تشارلز مد يده
تشارلز: أنا اعرف والدك، يا إيثان.
تجمّد الهواء في الغرفة.
مرت لحظة، طويلة، ثقيلة، خانقة.
إيثان لم يتحرك، لم ينبس بكلمة.
ثم قال أخيرًا
إيثان: أنت مخطئ.
هزّ تشارلز رأسه، اقترب أكثر، ثم أخرج من جيبه صورة قديمة…
باهتة.
فيها شاب أشقر، يحمل رضيعًا بعينين بنفسجيتين و شعر اسود.
تشارلز: هذا والدك… وهذا أنت، انا عمك يا إيثان والدك شقيقي.
أخذ إيثان الصورة بيدين مرتجفتين.
نظر إليها…
وشعر أن الأرض تتحرك تحت قدميه.
إيثان: ماذا… ماذا يعني هذا؟
قال تشارلز، بصوت ممتلئ بالحنين
تشارلز : لقد فقدناك. في تلك الليلة… المجزرة…. عندما ذهبت أنت و والدك و والدتك في عربه، لكن أحدهم أخذك قبل أن يُجهزوا عليك. ولم نرك بعدها أبدًا.
تشارلز : سأروي لك يا إيثان… كيف انتهت عائلتنا، وكيف تبقينا أنا وأنت فقط.
كنت في الثامنة عشرة من عمري، غِرًّا طائشًا، أهرب من كل ما له علاقة بالمسؤولية، لا أريد أن أكون أميرًا ولا أتحمل ثقل اللقب.
كنت الأصغر في العائلة، مدللًا ومهمَلاً في الوقتذاته، لا أحد ينتظر مني شيئًا.
بعد وفاة والدنا، الإمبراطور، تولى شقيقي الأكبر، هاري، العرش.
كان حكيمًا وصارمًا.
و كان لديه شعره الأبيض مثل والدتي، وعينين بنفسجيتين مثل والدي.
أما فينيست، أخي الثاني…
كان لديه شعر اشقر لامع مثل والدي، و عينين بنفسجيتين
و كنت احبه لأنه كان يعتني بي دائما، و دائما كنا نتنزهة في حديقه التي كان يحبها، في قصر الامبراطوري.
فقد تزوج من فتاةٍ أحبها حدّ الجنون، كانت ابنة دوق، نبيلة ورقيقة بشعرها الاسود وعينيها حمراء، وكان يلمع في عينيه شيء لا نراه نحن كلما نطق باسمها.
بعد زواجهما، أنجباك، وسمّاك “إيثان”.
أتذكر أول مرة رأيتك فيها…
كنتَ صغيرًا للغاية، ككرة من الدفء.
كنت أزورك كل يوم، ألعب معك، أضحك من محاولاتك البريئة للزحف ثم السقوط، ومن تعابير وجهك حين تحاول تقليدنا بالكلام.
كنت النور الوحيد الذي يشع وسط قصرنا البارد.
لكنني، بغبائي…
ظننت أن الحياة خارج هذه الجدران الذهبية أجمل.
أردت الحرية، أردت أن أرى العالم بعينيّ، لا من خلف نوافذ القصر.
ولم أخبر أحدًا…
فقط هربت.
ثلاث سنوات أمضيتها أتنقّل من مملكة لأخرى، أعيش كما أريد، دون أن أسأل عن أحد.
كنت أظن أن كل شيء سيبقى على حاله حين أعود…
لكنني كنت مخطئًا.
في أحد الأيام، وبينما كنت في مقهى صغير في مدينة نائية، وقعت عيناي على صحيفة…
كانت العناوين تصرخ: مأساة العائلة المالكة – مصرع الإمبراطور وعائلته بالكامل – انتقال العرش إلى أقارب بعيدين
شعرت أن قلبي توقف.
هرعت أعود إلى الوطن، إلى القصر، لكن ما وجدته كان صامتًا وباردًا: قبورهم مصطفة، تحمل أسماءهم بوضوح.
قبر هاري… فينيست… زوجته… وقبرك، إيثان.
لكني لاحظت شيئًا.
لم يكن على القبر أي إشارة لجثّة.
لا وصف، لا تواريخ دقيقة…
مجرد اسم.
سألت، وبحثت، وعرفت الحقيقة.
والدك ووالدتك لقيا حتفهما في حادث عربة مدبر…
وكنتَ معهم.
لكنهم لم يعثروا عليك.
لم أصدق أنهم أقاموا لك جنازة دون أن يجدوا جثتك…
لم أصدق أنك رحلت.
ومنذ تلك اللحظة، نذرت أن أجدك، أن أعيدك لعائلتك، أو على الأقل، لما تبقى منها…
وها أنت هنا أمامي، حيٌّ، تتنفس…
وأنت آخر من تبقى لي.
صمت.
ثم تابع
تشارلز: بحثت عنك لست سنوات، لم أصدق أنهم قتلوك. وكنت على حق.
انهار إيثان على الكرسي، رأسه بين يديه.
كان كل شيء يدور.
كل ذكرياته…
وحدته…
القبو…
كلها تقوده إلى هذه اللحظة.
قال بصوت مرتجف
إيثان: لماذا تخبرني الآن؟ ولماذا أتيت إليّ؟
اقترب تشارلز، وجلس أمامه، ثم قال
تشارلز: لأن أناس يحتاجونك، إيثان. ليس كفرد… بل كوريث. كوريث لأبيك، وللعدالة التي لم تُستكمل بعد.
توقّف.
تشارلز: لكن الأهم… أنني أتيت إليك كعائلة. أنا لا أطلب منك شيئًا الليلة. فقط… أردت أن أخبرك من أنت. وأنك لست وحدك.
لم يجب إيثان.
لكن قلبه…
لأول مرة منذ سنوات…
لم يشعر بالبرد.
كان هناك دفء…
خافت…
غريب.
ربما كان هذا ما يُسمى: بداية الانتماء.
يتبع في الفصل ٨١…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 80"