الفصل ٧٠: صدى الماضي بين جدران الحاضر

جلس ديمتري خلف الباب المغلق، صوته منخفض لكنه ملئ بوهج الجنون والحنين في آنٍ واحد، قال بإصرار

ديمتري: كما كنا نفعل قديماً، إيلينا… كما لو أن الزمن لم يسرق منا لحظة.

في الداخل، كانت إيلينا تئن بهدوء، جسدها لا يزال ضعيفاً من الجوع والعطش، لكنها حين سمعت صوته، ارتجف قلبها كأنّه استيقظ من سبات طويل. 

حاولت أن ترفع رأسها، تبحث عن ذلك الصوت الذي لطالما كان جزءاً من طفولتها، جزءاً من أمنياتها الصغيرة، لكنها لم تستطع رؤية سوى الظلام المحيط بها.

مع ذلك، كان صدى الكلمات ينعش ذكريات كانت تعتقد أنها دفنتها إلى الأبد. 

كانت تتذكر ضحكاته الهادئة، عيناه اللتين كانتا تحملان براءة لا يعرفها العالم، كيف كان يرافقها كظل صامت في أوقات اللعب والقراءة، كيف كانت تظن أنه صديقها الوحيد.

لكن الآن، لم يكن ذلك الرجل البريء، بل ظلّ أشبه بعاصفة تحطم كل شيء في طريقها، هوسٌ يعلو فوق كل شيء، يربط بين الماضي الحلو والواقع المرير.

أجابت بصوتٍ مبحوح، لا تعرف هل هو خوف أم استسلام

إيلينا: ديمتري… لماذا؟ ماذا تريد مني؟

ابتسم هو بسخريةٍ قاتلة، لكن عينيه كانت تحترقان بجنون

ديمتري: أريدك أن تفهمي… أن لا تهربي. لا تفرّقي بيني وبين ذلك الطفل الذي عرفته. أنا ما زلت هناك، بداخلي، أريد فقط فرصة.

أصوات خطوات خفيفة اقتربت من الباب، ثم توقف.

ديمتري أكمل، بنبرة أكثر هدوءاً، لكن كلمات كانت كالسكاكين

ديمتري: أنا لم أختر هذا الطريق… ولكنني لن أتركك تفلتين مني. سنتحدث، سنتقاسم الماضي، وربما… أُريك أن الهروب ليس دائماً حلّاً.

إيلينا أغمضت عينيها، تحاول أن تجد في قلبها بصيص أمل، أو ربما فتحة صغيرة للهروب من هذا السجن الذي بدأ ينغرس في روحها.

في تلك اللحظة، رأت صور طفولتها معه، ذلك الضحك، الألعاب، الوعود الصغيرة، وكيف تحولت الأحلام إلى كوابيس.

كانت تعرف أن عقلها يجب أن يكون سلاحها، أن تضع خطة هروب ذكية قبل أن تغرق في هذا الظلام.

بهمس خافت قالت لنفسها: لا بد من الخروج، لا بد أن أجد طريقي… لا أريد أن أكون أسيرة لحبٍ مختل.

في خارج الغرفة، بقي ديمتري يستمع لصمتها، متشوقاً للحظة اللقاء، متوعداً بأن يكون آخر لقاء بينهما نهاية لكل شيء.

يتبع….