الفصل : بين الجدران الغريبة….
كانت الغرفة صامتة كقبر.
الهواء بارد، مشبع برائحة غريبة من الخشب القديم والورود الذابلة.
حين فتحت إيلينا عينيها، لم تكن تعرف إن كانت في حلمٍ أم كابوس.
الضوء الخافت يتسلل عبر نافذة صغيرة مغطاة بستائر ثقيلة، يرسم خطوطًا باهتة على السقف.
سقفٌ لم تعرفه، جدرانٌ لم ترَها من قبل.
مدت يدها ببطء، شعرت ببطانية حريرية تكسوها، ووسادة ناعمة تحت رأسها، لكن جسدها كان ضعيفًا، هشًا، كأنها فقدت وزن أيام في ساعات.
رمشت، تنفّست ببطء.
آخر ما تتذكره هو سقوطها في غرفتها…
أو لا، في زنزانةٍ فرضها عليها والدها.
لم تكن هذه غرفتها.
ولم يكن هذا قصر والدها.
جلست ببطء، شعور بالدوار اجتاحها.
كل شيء صامت…
ثم سمعت صوت خطوات تقترب.
تصلبت.
كان الباب مغلقًا.
لكن أحدهم يقف خلفه.
سُمعت طرقة خفيفة، ثم جاء صوت رجل، صوته منخفض، دافئ على نحو مريب
؟؟؟؟؟؟: استيقظتِ؟… أحضرت لك طعامًا.
لم تتكلم.
قال الصوت بهدوء
؟؟؟؟؟؟: ستجدينه بجانب الباب. لا تقلقي… لن أؤذيك.
سمعت صوت شيء يُوضع على الأرض، ثم خطوات تبتعد.
تقدمت ببطء من الباب. فتحت قليلاً…
لم يكن أحد هناك.
فقط صينية صغيرة، فيها رغيف خبز دافئ، وعصير، ووعاء فيه حساء ساخن.
جسدها الضعيف انتصر على حذرها، فأخذت الطعام وجلست تأكل.
كل لقمة كانت كأنها توقظ فيها روحًا نامت طويلاً.
لكن عقلها لم يتوقف.
من يكون؟ وأين هي؟ ولماذا تشعر أن صوته…
مألوف؟
بعدما انتهت من الأكل، عادت إلى السرير.
ظنّت أنها ستفكر كثيرًا، لكنها نامت فورًا.
مرّت ساعات، أو ربما يوم كامل…
لا تدري.
لكنها استيقظت على صوت.
الصوت ذاته.
قريب جدًا، كأن صاحبه جالس قرب الباب، يهمس.
قال: أتذكرين حين كنا نلعب في الحديقة؟ كنتِ تركضين بين الزهور، وشعرك الوردي يلمع تحت الشمس. كنتِ دائمًا تسبقينني.
قلبها كان سيتوقف.
قلبها بدأ ينبض بقوة.
من…
من هذا؟
تابع صوته: كنت أراقبك… حتى عندما رحلت. لم أتوقف عن التفكير بك.
أرادت أن تصرخ، أن تسأله من هو، لكن الكلمات تجمدت في حلقها.
تابع صوته، هذه المرة أكثر دفئًا، أكثر قربًا: هل نسيتِني؟… أم لم تعودي تريدين أن تتذكّري؟
رفعت يدها على قلبها، شعور بالبرد والخوف والحيرة اجتاحها.
لكنه لم ينتظر ردها.
قال أخيرًا: غدًا… سأتحدث معكِ وجهًا لوجه. استريحي الليلة.
ثم خفتت خطواته…
واختفى.
جلست إيلينا في السرير، الذراعين حول ركبتيها، تحدّق في الفراغ.
من هذا؟ ولماذا صوتُه…
يوقظ شيئًا غريبًا في قلبها؟
بين الخوف والحنين، لم تعد تميّز شعورها.
لكنها كانت متأكدة من شيء واحد: هي ليست في مأمن.
والرجل خلف الباب… يعرفها أكثر مما تتخيل.
يتبع…..
التعليقات