كان الليل كثيفًا، أشبه بستارة سوداء تسدل على هذا الجزء النائي من العالم، حيث لا أضواء ولا حياة، سوى ضوء خافت يتسلل من بين الأغصان، يرسم طريقًا موحلًا نحو ملجأ صغير، مهجور، كما وصفته الخريطة المرسومة بعناية في يد إيثان.
كان ركضه قد انتهى منذ ساعات، لكن نبضه لم يهدأ.
كل خطوة يخطوها بعيدًا كانت تُثقل قلبه لا تُخفف عنه.
حتى الحرية، تلك الكلمة التي حلم بها منذ كان طفلًا لا يعرف سوى ظلمة القبو، باتت الآن باردة في صدره.
كانت الليلة ساكنة، يغمرها الصقيع، والسماء ملبّدة بالغيوم الثقيلة.
لا نجوم، لا قمر، فقط سكون موحش، وكأن العالم كلّه قرر أن يصمت حدّ الإنصات.
دخل إيثان إلى كوخ صغير مهجور على طرف الغابة، تمامًا كما أوصَفته له إيلينا في خريطتها.
كان الملجأ متهالكًا، أبوابه تصدر أنينًا مع كل هبّة ريح، والغبار يغطي كل شيء.
ومع ذلك…
شعر بشيء من الأمان، كأن هذه العتمة أحنّ عليه من سنين الأسر.
أشعل شمعة، وفتح الحقيبة الجلدية التي كانت معلّقة على كتفه.
كانت الجدران مشققة، وسقف الخشب يكاد ينهار من الصمت.
لكنه أغلق الباب خلفه بهدوء، كأنما يحمي هذا المكان من العالم، أو يحمي نفسه من الانهيار.
وضع الحقيبة على الأرض أمامه، وجلس.
لم يكن يجلس ليُريح جسده، بل ليمنع روحه من السقوط.
فتح الحقيبة.
المال.
الهوية الجديدة.
الخريطة.
الوشاح الرمادي.
ثم…
صندوق صغير، ملفوف بشريط بنفسجي.
مدّ يده إليه بتردد، كأن في داخله شيء يخشى أن يعرف ما بداخله، أو ربما يعلم ويتهرب من الاعتراف.
فكّ الشريط، وفتح الغطاء.
كانت قلادة.
جوهرتها مستديرة، ناعمة، بلون بنفسجي عميق.
اللون الذي كان يراه في المرآة حين يجرؤ على النظر لعينيه.
اللون الذي لم يعرف أنه جميل، إلا حين قالت
[إيلينا: عيناك تشبهان السَحر… لكنها ليست مظلمة. بل دافئة، كأنها ليل لا يُخيف.]
وكان هناك، محفورًا في منتصف الجوهرة…
حرفٌ واحد.
إ.
ليس فقط الحرف الأول من اسمه.
بل كأنها قالت له: أنت، وحدك، من أردت أن أتذكّره.
ارتعشت أصابعه.
رفع القلادة ببطء، قربها من وجهه.
لم يكن يريد النظر إليها، بل الشعور بها.
ثم نظر إلى الوشاح.
وشاح صغير.
وشاح بلون رمادي باهت، مألوف حدّ الوجع.
رفعه ببطء، أصابعه تتلمّسه كأنه كنز لا يُقدّر بثمن.
لقد كان وشاحها، ذاك الذي اعتادت أن تلفّه على كتفيها في ليالي القبو الباردة.
ضمّه، لا بقوة، بل كمن يحمل ذاكرة خفيفة يخشى أن تتبعثر.
كان لا يزال يحمل رائحتها، تلك الرائحة الهادئة التي تذكره بالدفء الوحيد الذي عرفه.
لم يكن عبق زهور، بل رائحة كتب، وأيام صامتة، وضحكات خافتة بين الجدران.
أغمض عينيه، وكأن تلك اللمسة وحدها كافية لتخفف من ثقل غربته.
لم يكن يعرف ما يسمّى هذا الشعور.
هل هو الشوق؟
هل هو الحنين؟
هل هو الفقد؟
كل ما يعرفه أنه شعر لأول مرة في حياته، أن هناك من ترك أثرًا لا يُمحى.
ذلك الوشاح الرمادي، الذي كانت تضعه يوم التقاها أول مرة.
لم يكن هناك أحد الآن.
لكنه لم يشعر بالحرية.
كان يشعر أنه وحيد.
لكنه لأول مرة في حياته، لم يكن خاويًا من الداخل.
كان قلبه ممتلئًا بصورة، بشعور، بوعد.
تذكّر وداعها.
لم يكن مجرد وداع.
كان عناقًا عالقًا في الزمن، كأنها صبّت فيه كل ما لم تقله له.
كل دمعة كتمتها
لكن عينه كانت دامعة.
مرّ الليل ببطء.
جلس هناك، لا ينام ولا يتحرك.
كان صامتًا، كأن الوقت تجمّد.
حتى بزغ الفجر.
مع أول خيوط الضوء، شعر أن جسده يعود للحياة.
رغم أنه لم ينم، إلا أن شيء ما فيه هدأ، استقر، وكأنه سلّم نفسه لما سيأتي.
خرج من الكوخ.
غسل وجهه من جدول ماء قريب.
كان الماء باردًا، لكن انتعاشه أيقظه.
أخرج ملابس جديدة من الحقيبة.
ملابس عادية
ارتدى وشاحه الرمادي، لا للدفء، بل لأنه يريد أن يحملها معه.
ثم علق القلادة في عنقه، وأخفاها تحت قميصه، لتبقى قرب قلبه.
حمل حقيبته، وصعد التلّة الصغيرة قرب الكوخ.
من بعيد، ظهرت عربة تمر ببطء، يقودها رجل مسن.
لوّح له.
توقفت العربة.
اقترب منها، وفتح الباب الخشبي الجانبي.
سأله الرجل: إلى أين؟
فكّر للحظة، ثم قال: إلى الشمال. أبعد مكان يمكنك أن توصلني إليه.
أومأ الرجل، وانطلقت العربة.
جلس إيثان على المقعد الخلفي، يضم الحقيبة.
كان لا يزال يشعر بثقل كل ما حدث.
لكنه كان يشعر أيضًا، ولأول مرة، بأنه حيّ.
كانت العربة تهتز فوق الطريق الترابي، وكان قلبه يهتز معها.
كل شجرة تمر، كل جبل يُرى من بعيد، كان شيئًا جديدًا.
هكذا يبدو العالم؟ تساءل.
ثم ابتسم.
ابتسامة صغيرة، منهكة، لكنها حقيقية.
في مكان آخر، بعيدًا عن الضجيج، كانت إيلينا تفتح نافذتها، تنظر إلى السماء.
كانت تعلم أنه غادر.
كانت تعلم أنه لن يعود.
لكنها كانت تؤمن بشيء واحد: أنه في مكان ما الآن… يتنفس حريته.
وأنه حين يفعل، ربما يتذكّرها.
ربما لا.
لكنها أعطته العالم، وأبقت قلبها معه.
يتبع……
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 60"