مرّت اسابيع كامله منذ اضطرّت إيلينا لتأجيل خطة هروب إيثان.
أسبوع بدا وكأنه دهر، كل يومٍ فيه ينساب ببطءٍ خانق، كأنه عالق في عنق زجاجة لا نهاية له.
بينما كانت عقارب الساعة تجرّ نفسها بتثاقل، كانت هي تجرّ قلبها بثقلٍ أشدّ.
في القصر، الحياة تأخذ مسارًا مختلفًا.
الضجيج يملأ الأرجاء، والضحكات تتصاعد من الممرات، والخدم يركضون هنا وهناك استعدادًا لحفل بلوغ إيلينا عامها الثامن عشر.
عشرة أيام فقط تفصلها عن ذلك الحدث الكبير، وكلّ من في القصر يتصرّف كما لو أن العالم بأسره سيدور حول تلك الليلة.
أما إيلينا، فبداخلها دوّامة أخرى.
لم تكن تفكّر في الزينة ولا في الأزهار التي ستُعلّق على الأعمدة ولا حتى في الفستان الذي سترتديه.
كلّ ما كانت تراه في مخيلتها كان عينين بلون الليل، محتجزتين خلف باب، في قبوٍ بلا نوافذ ولا هواء نقي.
في صباح اليوم الثامن، جلست على كرسيها المخمليّ، خلف طاولة زجاجية صغيرة، تنظر إلى قائمة المهام التي وضعتها وصيفة والدها على نحو مبالغ فيه.
الأسماء، الدعوات، الأطعمة، أماكن الجلوس، حتى الموسيقى كانت موضوعة ضمن جدول زمنيّ دقيق.
نظرت إلى القائمة وكأنها غريبة عنها.
لم تشعر بالانتماء لتلك التحضيرات، بل شعرت وكأنها ممثلة على خشبة مسرح، تحفظ دورها وتتقن حركاتها، لكنها في الحقيقة تنتظر سقوط الستار.
مدّت يدها وسحبت خصلة من شعرها الوردي الفاتح خلف أذنها، ثم نظرت إلى المرآة أمامها.
كانت بشرتها بلون الثلج، وملامحها ازدادت نضجًا في الفترة الأخيرة.
عيناها الخضراوان تشعّان بنضج لم يكن موجودًا منذ شهور، لكن خلف ذلك الضوء، ظلُّ قلقٍ يختبئ بصمت.
في اليوم التالي، وصلت المصممة. كانت امرأة طويلة، بوجهٍ رفيعٍ ونظراتٍ دقيقة، ترتدي ثوبًا بلون العاج، وتحمل دفتر رسومات أنيقًا مربوطًا بخيوط ذهبية.
دخلت بهدوء.
جوليا: آنستي، لقد كان من دواعي سروري تلقي دعوتكم. سمعت الكثير عن جمالكم وذوقكم الرقيق.
أومأت إيلينا بلطف وجلست، بينما شعور بالتوتر يلف قلبها.
شرحت للمصممة ما تريده، صوتها خافت، لكنه واضح.
إيلينا: أريده فستانًا بلون سكري فاتح، ناعمًا، خفيفًا… ولكن… أريده أن يكون مختلفًا، فيه شيء مميز…
لم تنتظر جوليا كثيرًا، فتحت دفترها وبدأت بالرسم .
الرسمة الأولى كانت ساحرة.
التول الأبيض ينسدل كضوء القمر، مع لمسات وردية باهتة عند الخصر.
الأكمام شفافة كأجنحة الفراشات، وتطريزات دقيقة من الخيوط الفضية.
إيلينا بقيت تحدّق بالرسمة، وعيناها تتسعان بدهشة خفيفة. لم يكن مجرد فستان…
بل كان صورة لحلمٍ خافت كانت تخبئه داخل قلبها منذ الطفولة.
جوليا ابتسمت : سيكون جاهزًا خلال أسبوعين، لكنني سأسرّع العمل لأجلك، آنسة إيلينا.
شكرتها إيلينا، وشعرت بشيء يشبه الامتنان، لكن في أعماقها كانت رغبة أخرى تشتعل.
أن يخرج إيثان من جحيمه، ولو على حساب كل هذا.
يوم تالي ..
في صباح هادئ، كانت إيلينا تسير بين أروقة القصر محاطة بخادمتيها، آنا وماري، عيونها تلمع بشيء من القلق والإصرار معاً.
كانت ترتدي ثوباً بسيطاً، لكن وقفتها العالية وبريق عينيها جعلها تبدو كأنها سعيده ، رغم كل ما تخفيه من ألم خلف ذلك الهدوء الظاهر.
ذهبو و صعدو الي العربة
بعد دقائق قليلة، وصل الثلاثي إلى شارع الأعيان، حيث تنتصب المحلات الفخمة التي يخدمها النبلاء، والمجوهرات اللامعة تملأ الواجهات كنجوم تتلألأ في سماء المدينة.
توقفت إيلينا أمام محل ” للمجوهرات”، أحد أشهر بيوت المجوهرات بين طبقة النبلاء.
حركت رأسها نحو خادمتيها وأشارت بيدها بهدوء:
ابقيا بالخارج.
دخلت إيلينا بهدوء، واستقبلها المكان برونقٍ لا يضاهى.
الأرضيات المرصوفة بالرخام اللامع، والتماثيل الصغيرة المنحوتة بعناية، والأضواء الذهبية التي تتناثر كأنها سماء من النجوم داخل القاعة.
اقتربت من طاولة العرض، حيث وقفت امرأة ترتدي فستان أنيق من الحرير الداكن.
مي: سيدتي إيلينا، يشرفنا حضورك.
قالت بابتسامة هادئة.
أومأت بإحترام، وأخرجت ورقة صغيرة مكتوب عليها طلبها: أرغب في قلادة بسيطة لكنها مميزة، بحلية جوهرة بنفسجية تعكس لون السماء عند الغروب، مع نقش حرف ( إ )، وعبارة محفورة على الجانب الخلفي تقول: ‘أنت لست وحدك’.”
نظرت إليها بتأنٍ وقالت
مي: طلب جميل وفريد، يحتاج لوقت دقيق، لكن يمكننا تحقيقه بأفضل جودة.
نظرت إيلينا إلى الزجاج اللامع الذي يعكس صورتها، وشعرت بدفء خفي ينتشر في صدرها.
كانت تدرك أن هذه القلادة ليست مجرد قطعة مجوهرات، بل وعدٌ صامت، رابطٌ لا يُكسر.
أعتقد اذا أعطيته هذي قبل أن يغادر سوف يسعد بذالك..
خرجت بهدوء من المحل، حيث كان الهواء نقيًا والسماء صافية، عادت إيلينا تخطو بين الناس ، تخبئ ذلك القرار الكبير في قلبها.
لم تتحدث كثيراً مع آنا وماري، بل كانت غارقة في تفكير عميق.
عادت إلى القصر، وأبوابه الضخمة تستقبلها بصمت مألوف لكنه ثقيل.
في يوم تالي جاءها طرد من متجر مجوهرات
في غرفتها، وضعت العلبة الصغيرة على الطاولة بجانب نافذتها، وأخذت نفساً عميقاً.
كانت تفكر في إيثان، في وحدته، في تلك اللحظة التي ستعطيه فيها القلادة.
قلبها كان مليئاً بالخوف والأمل، الحيرة والتصميم.
أغلقت عينيها للحظة، محاولة أن تهدئ الأعاصير التي تهيمن على مشاعرها، وبدأت تخطط للغد، لليوم الذي ستستلم فيه القلادة، وللحظة التي ستكون فيها مستعدة.
في هذا الصمت، كانت القلادة الصغيرة، التي لم تُهدى بعد، تمثل كل ما تبقى من أمل في قلب إيلينا.
ومع مرور الأيام، انغمست في لقاءات متكررة مع منظّمي الحفل.
تنسيق الأزهار، اختيار الأطباق، الاستماع إلى عازفي الكمان يعزفون مقاطع تجريبية.
كانت تومئ، تبتسم، تبدي رأيها بدقة.
في كل مرة تتذوق فيها طبقًا فخمًا، كانت تتساءل: هل أكل إيثان اليوم؟ هل شرب؟ هل برد؟
وفي مساء اليوم التاسع، قررت زيارة القاعة الذهبية.
ارتدت عباءة خفيفة، بلونٍ عاجيٍّ بسيط، وشقّت طريقها بصمت في الممرات حتى وصلت.
القاعة الذهبية…
الجدران مغطاة بخيوط من الذهب الحقيقي، منسوجة على قماش ملكيّ.
الأرضية من الرخام المصقول تعكس ضوء الشموع بشكل ساحر، والثريات تتدلّى من السقف، ضخمة وبراقة، كأنها نيازك من كريستال.
وقفت في منتصف القاعة.
رفعت رأسها تنظر إلى المساحة الشاسعة.
تخيّلت نفسها تمشي هناك، بفستانها الأبيض، وكلّ من في القاعة يصفق، يبتسم، ينظر.
لكن قلبها لم ينبض بالفخر، بل بالريبة.
وكأن تلك المساحة تخبئ لها شيئًا مجهولًا.
وكأنها تمشي نحو شيء لا تعرف إن كان خلاصًا أم نهاية.
همست لنفسها: ليست هذه المسرحية التي أردتها…
كان والدها ينسج الأحداث بدقة، ويضع كل خطوة لتكون تحت سيطرته.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 55"