نهضت بهدوء من السرير، دافئة جسدها بوشاحها الطويل، ثم التقطت سلة صغيرة، وضعت فيها خبزًا طازجًا، بعض الجبن والفواكه، وكوبًا مغطى من الحليب بالعسل.
لم تُفكّر كثيرًا، كانت قد قررت أن تمنحه شيئًا بسيطًا، لحظة صغيرة من الحياة.
بخطوات خفيفة، عبرت الممرات الخالية في وقت الصباح الباكر، إلى أن وصلت إلى ذلك الباب الثقيل.
فتحت القبو.
كان الهواء هناك أكثر رطوبة من المعتاد، كأن الحزن قد تكدّس فيه عبر السنوات.
ووجدته هناك، كما توقّعت.
كان إيثان جالسًا على طرف سريره، يحدق بالأرض دون تركيز، لكنه رفع رأسه بسرعة عندما سمع خطاها.
عينيه، رغم تعبها، لمعتا لحظة رؤيتها، ثم انطفأتا بهدوء.
ابتسمت له ابتسامة دافئة، وقالت بصوت خافت
إيلينا: أحضرت لك فطورًا.
اقتربت وجلست قربه، مدت له السلة.
ظل يحدّق بها لحظة، قبل أن يمدّ يده بتردد، ثم بدأ يأكل بهدوء.
كانت تراقبه بعينين غارقتين في التأمل.
مرّت لحظة صمت، ثم قالت بصوتٍ أقرب للهمس
إيلينا: إيثان… أتعرف؟ فكرت أنه… ربما تود الخروج مجددًا للحديقة.
رفع رأسه ببطء، وعيناه تترجمان دهشة مختلطة بالأمل.
همس إيثان: حقًا؟
أومأت برأسها بابتسامة
إيلينا: أعلم أنك رأيتها من قبل، لكنني أظن أن صباح اليوم سيكون مميزًا.
في الطريق إلى الحديقة، كانت السماء ملبدة بالغيوم، لونها رمادي ناعم، وكأنها تتنفس بتثاقل.
كانت يداهما متشابكتين، وإيلينا تسير أمامه بخطوات واثقة، هادئة، كأنها تعرف طريق جيدًا. أما هو، فقد كان يسير خلفها ببطءٍ محسوب، كأن كل خطوة يحمل فيها قلبه بالكامل.
ممرات القصر في هذا الوقت من الفجر كانت خالية، يغمرها الصمت ونور باهت يتسلل من النوافذ الطويلة.
الجدران التي لطالما بدت له باردة ومخيفة، بدأت تتلوّن بلون مختلف…
بسببها.
أحس بصوت خطواتها يتردد داخل أذنه كأنها موسيقى خفية لا يسمعها سواه.
نظراته انتقلت من الأرض الحجرية المصقولة، إلى حواف السجاد المطرّز، إلى أطراف ثوبها وهي تلامس الأرض برقة…
كم من مرة نظر لها من بعيد، وتمنى أن يكون في هذا الموضع بالضبط؟
مرّوا بجانب نافذة زجاجية عتيقة، غُلف زجاجها بضباب خفيف، لكنه لمح من خلفها أول لمحات الصباح، كان الضوء لا يزال خجولًا، لكن كافٍ لأن يُبرز ظلها أمامه.
لحظة واحدة…
ووجد نفسه يبتسم بهدوء.
لم ينتبه، لم يقصدها…
فقط…
حدث ذلك.
يمر بها ممسكًا بيدها.
كان شعورًا غريبًا، يشبه أن يعود الإنسان إلى موطنٍ موجع، لكن ومعه الآن يدٌ تمسك به، تخفف عنه كل وخزٍ قديم.
التفتت إليه فجأة، لتتأكد من أنه لا يزال معها.
ونظرت له بذاك التعبير الهادئ الذي لا يقول شيئًا…
لكنه يقول كل شيء.
ابتسمت…
دون أن تنطق.
ردّ عليها بنظرة طويلة، فيها دهشة خفية..
لكنه لم يسألها.
لم يُرِد أن يقطع هذا الهدوء.
وصلوا إلى الباب الصغير الذي يؤدي إلى الحديقة.
وضعت يدها على المقبض الحديدي البارد.
نظرت إليه نظرة سريعة، ثم فتحت الباب ببطء.
ومع انفتاح الباب، لفح وجهه نسيم ناعم، رطب، فيه رائحة الأرض…
رائحة الورود.
وسّع عينيه قليلًا، ورفع رأسه كأن أنفه يشمُّ الحياة لأول مرة.
أمامهما، كانت الحديقة مستيقظة من نومها بهدوءٍ ساحر، السماء لا تزال ملبّدة بسُحب رمادية لطيفة، والشمس تتهيّأ لتولد من جديد خلف الأفق.
أما الورود…
فقد كانت مذهلة.
كل لون في الحديقة كان نابضًا، الورود البيضاء تتمايل بخجل، والزهر الوردي ينبض كأنّه قلب حيّ، أما الأحمر فكان يلمع بلون لم تولد بعد.
إيلينا لم تتحرك.
تركت له المجال ليتقدم خطوة.
وهو…
فعلها.
خطى للداخل، وشيء في صدره اهتز.
كأن قلبه لم يكن يعلم أنه يستطيع أن يخفق بهذه الطريقة.
كأنّ في هذا المكان طاقة خفية توقظ ما مات منذ سنين داخله.
أراد أن يقول شيئًا…
لكنه لم يجد كلمات مناسبة.
همس فقط
إيثان: هذا المكان… يبدو حيًا..
ضحكت إيلينا بخفة، ثم قالت بصوتٍ كأنّه قادم من حكاية
إيلينا: لطالما كان حيًّا… لكننا فقط، أحيانًا، ننسى أن نعيش.
مشوا ببطء بين الزهور.
كانت الأرض لا تزال مبللة بندى الفجر، ونسائم الصباح تلامس وجهيهما برقة.
كل خطوة كان إيثان فيها يكتشف شيئًا.
لم تكن هذه المرة الأولى له هنا…
لكنها كانت المرة الأولى التي يشعر فيها أنه حر.
لم تكن هناك قيود في قدميه.
لم تكن هناك عيون تراقب.
فقط يد إيلينا، وسماء غائمة…
وحديقة لا تعرف الأسر.
إيثان وقف في منتصف الممشى، يحدق بكل شيء وكأنه يراه من جديد، رغم أنه جاء إلى هنا من قبل، لكنه كان دائمًا في حدود محددة، في ساعات قصيرة.
وقبل أن يُكمل انبهاره بكل ما حوله، شعر بشيء يلامس وجهه.
قطرة.
ثم ثانية.
ثم ثالثة.
رفع رأسه ببطء، يحدق إلى السماء التي بدأت تمطر بلطفٍ غير متوقع.
وقف جامدًا للحظة، كأنّه لا يصدّق ما يحدث.
ابتسمت إيلينا، والتفتت نحوه…
وعينيها تتلألأ كما لم يرها من قبل.
إيلينا: هذه قطرات المطر، إيثان…
أعرف أنك لم تره من قبل… لكنه ليس مخيفًا، انظر… فقط دع نفسك تشعر به.
تقدمت خطوة، ومدت يدها لتضعها على يده.
إيلينا: اذاً، هذه لحظتك الأولى معه. دعنا نرحب به سويًا.
بدأ المطر يزداد قليلاً، قطراته أصبحت أوضح، أكثر برودة.
ومع كل قطرة، بدت على وجه إيثان تعبيرات مختلفة: دهشة، حيرة، فرح خفي.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 54"