مزاج هايمت بدا وكأنه بلغ ذروته في تلك اللحظة. كان يبدو متحمسًا إلى درجة أنه يكاد ينفجر من الرغبة في التحدث، لكنه لا يجد من يبوح له بما يعتمل في صدره.
لم تصدق روزنتين أن شخصًا في عمره يمكن أن يتحدث بهذه الطريقة وكأنه طفل في السادسة. ففركت جبهتها براحة يدها وهزت رأسها بتعب.
صحيح أن هايمت كان في مزاج رائع، وهذا لم يكن أمرًا سيئًا، لكن روزنتين قررت أنها عندما تعود إلى القصر، لا بد أن تلقنه درسًا بسيطًا.
في آخر رسالة من كلاست كانت جملة تقول:
‘حتى لو تسببتِ ببعض الفوضى، فقط تعالي لرؤيتي.’
كانت تعلم أن صديقها القديم يشتاق إليها مثلما تشتاق هي إليه، لذلك عقدت العزم على أن تذهب وتسبب تلك الفوضى سريعًا.
انتهى حديث كبير الخدم وهايمت تقريبًا في تلك اللحظة، وشعرت روزنتين بشكّ قوي في أن كل ما قاله عن الزواج لم يكن سوى وسيلة للتفاخر.
من منتصف السلم المؤدي من الطابق العلوي، كانا ينزلان ببطء إلى الأسفل. بالنسبة إلى روزنتين، كانت تلك لحظة توتر لا يُستهان بها.
كانت قبل قليل تود أن تقترب وتطل بوجهها، لكن بعد أن سمعت ما قاله قبل قليل، أحست بالحرج. على أي حال، لم يكن بإمكانها التحدث بهذا الشعر الأسود.
وفوق ذلك، لو رآها هايمت مرتدية زيّ الوصيفات، لأصيب بصدمة كبرى. رفعت كتفيها بلا مبالاة. في النهاية، مثل هذا الشيء الصغير لا يُعتبر شيئًا لاجل كورت اللطيفة.
‘لا يمكن أن يُكشف أمري… ليس بعد، يا أبي.’
خفضت روزنتين رأسها أكثر وأخفت وجهها بشعرها الطويل، ثم تحركت بحذر لتجلس في منطقة يصعب رؤيتها منها. كان المكان محجوبًا بأجساد شارتوس، ولوسين، وهوستانغ.
نظر إليها شارتوس باستغراب، لكنها قالت بوجه لا يخلو من الجرأة
“يبدو أن المكان هنا يحمل طاقة جيدة.”
كان هذا كفيلا بإغلاق فم هوستانغ الذي همّ بالكلام.
ورغم أنه لم يعد يشعر بالرفض تجاه السحر كما في السابق، إلا أنه لم يكن معتادًا عليه بعد. فسأل بقلق:
“هنا… تقصدين أن تلقي تعويذة؟”
شعرت روزنتين بأن الموقف محفوف بالمخاطر، فحاولت جاهدة أن تحافظ على وجه هادئ حتى لا يلاحظ أحد توترها.
كانت تعلم أن هايمت سيلقي التحية على شارتوس، وإن مرت تلك اللحظة دون أن تُكتشف، فستنجو.
دقّ قلبها بعنف — دق… دق… — فتذكرت لعبة الاختباء التي كانت تلعبها مع والديها عندما كانت صغيرة، فارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها.
قالت الأصوات في الأسفل:
“سموك.”
“دوق.”
وأخيرًا، وصل هايمت أرجين إلى الطابق السفلي ورأى شارتوس، فتبادلا التحية.
عاد وجه هايمت إلى ملامحه المعتادة، وتحوّل مزاجه المرح إلى وقار جاد.
كان المشهد بين الرجل الذي يبدو كأنه صُنع بيد شيطان والدوق ذي الهيبة الفريدة — مشهدًا يسرّ العين بحق.
وربما لأن لوني شعريهما كانا متضادين، بدا المنظر أكثر روعة.
“هل كنت في طريقك من لقاء سمو ولي العهد؟”
“نعم. أمرّ عليه بضع مرات في الأسبوع لنتبادل الحديث.”
“وكيف تبدو حالته؟”
“ليس في وضع يسمح له بالحركة بعد.”
أومأ شارتوس برأسه، وبدت على وجهه صلابة خفيفة. كذلك تجمّد وجه هايمت شيئًا فشيئًا وهو يتحدث عن ولي العهد إسوار، فقد كان القلق بادياً عليهما.
إسوار كارتاجين — مثل سائر أفراد العائلة الإمبراطورية — وُلد بقدرات استثنائية. وبالنسبة لهايمت، الذي لطالما اعتبره أنسب من يكون ملكًا، لم يكن مرضه سوى مصدر أسى كبير.
قبض هايمت يده بقوة ثم استرخى وقال:
“سأغادر الآن.”
“ليكن طريقك آمنًا، يا دوق. سررت بلقائك ولو قليلًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 43"