مقارنةً بالهواء الرطب في الممرّ السرّي، بدا المكان المؤدّي إلى الخارج أشبه بمنتجع للاستجمام.
استنشقت روزنتين الهواء بعمق، مستمتعة بعطر أزهار القصر الإمبراطوري المتسلّل عبر الأجواء.
كانت قد وصلت إلى مرحلة لم تعد تفهم فيها شيئًا، لكنها قرّرت أن تستمتع بما هو آت.
صحيحٌ أنّ شارتوس كان يتصرّف بعفويّة، لكنّه لم يكن يفعل شيئًا قسريًّا.
كان رجلاً ذا عقل وقّاد، وما يفعله في الغالب كان يقدّم نفعًا مناسبًا للموقف.
كانت روزنتين تُشفق بصدق على لوسين.
فهو، بخلاف هوستانغ الذي بدا وكأنّه سيتّبع أيّ خرافة تُروى في حكايات الأطفال، كان رجلًا عقلانيًّا يرهقه كثيرًا تصرّف شارتوس غير المتوقّع.
ومع ذلك، لم يكن يستطيع إيقافه، لأنّه ببساطة كان رجلًا كفؤًا.
‘جميل. أنا ذاهبةٌ لمقابلة وليّ العهد.’
كانت تقول ذلك لنفسها كنوعٍ من الإيحاء الذاتي، ومع ذلك شعرت أنّ الوقت قد حان لما لا مفرّ منه.
فإذا كان هناك من يُشكّ فيه بقوّة، فلا بدّ من مواجهته وجهًا لوجه.
ومهما يكن من أمر، حتى وإنْ كان شارتوس يدافع عنه أو يحاول الابتعاد عن الصراعات السياسية، فإنّ المتغيّرات قد تظهر في أيّ مكان.
وخاصةً عندما يتعلّق الأمر بقلوب البشر.
إلّا أنّ ما أثار دهشتها هو أنّ شارتوس كان يبني قوّته عمدًا وبشكل منظّم.
لكن، إذا فكّرت بالأمر جيّدًا، فهو بالفعل شخصٌ قادرٌ على إدارة ذلك.
“كيف هو تأثير الشائعات؟”
“لم يصلنا بعد أيّ خبر عن العثور على الجوهرة.”
“يبدو أنّ علينا الانتظار إذًا.”
استندت روزنتين بذقنها على يدها وهي تجلس في عربة شارتوس.
وإن لم يكن هذا الوضع لائقًا أمام أحد الأمراء، إلّا أنّ أحدًا داخل العربة لم يُعر الأمر اهتمامًا.
فـلوسين اعتاد الأمر، وهوستانغ كان يقود العربة من الخارج، أمّا شارتوس فكان ينظر إليها بعينٍ يملؤها الفضول، كما لو أنّ جرأتها تُسلّيه.
عندما فكّرت بالأمر، بدا لها أنّه رجلٌ غريب الأطوار بعض الشيء.
بدءًا من ذلك الوجه الوسيم، على الأقلّ.
‘هذه المرّة الثانية التي أُفسد فيها الخطّة.’
منذ أن سلّمت البروش إلى أَرولنيه، مرّ الوقت ببطءٍ وثبات.
لم تكن تتوقّع أن تظهر النتائج خلال بضعة أيام.
لكنّ ما كان مهمًّا هو أنّها أبطلت الفخّ داخل البروش.
منذ حادثة الصالون تلك، صارت أَرولنيه تستدعي روزنتين بمعدّل أقلّ بكثير.
فقد نالت ما أرادته، ومن ثمّ لم يعد لديها ما تجنيه منها بعد الآن.
أما روزنتين، فكانت تتصرّف كما لو أنّها منشغلة بعملها كوصيفة، تتجوّل في القصر الملكي، ولا تنسى أن تصغي إلى الشائعات التي يردّدها الأشباح حول الجوهرة.
ومع أنّ معظمها لم يكن يستحقّ الاستماع، إلا أنّ بعضها حمل معلوماتٍ ذات قيمة.
‘مثلًا، أن شقيق تيريز مارغوس يستعدّ لإجراء صفقة مع أحد البارونات من القوى الصاعدة.’
ولِمَ تيريز مارغوس بالتحديد؟ يمكن تخمين السبب بسهولة.
فالصفقة لم تكن تتعلّق بحقوق تجارية أو ما شابه ذلك، بل قيل إنّ ذلك البارون يملك هدية لتيوذور مارغوس.
والهدايا تتعدّد، لكنّها كثيرًا ما تتضمّن جواهر.
كانت روزنتين تنوي أن تُعوّل على حيوية تلك القوّة الصاعدة، وعلى ثروة أسرة مارغوس لدعم خطّتها.
وليس تيريز مارغوس، بل تيوذور مارغوس.
وهذا يعني أنّ شائعة الصالون بدأت تنتشر شيئًا فشيئًا بين الأرستقراطيين ومجتمع النبلاء بأكمله.
ابتسمت روزنتين بخفّة، وقد شعرت بإثارة خفيّة.
“يبدو أنّك لا تشعرين بتوتّر أمام سموّ وليّ العهد.”
قال لوسين مبتسمًا بتوتّر خفيف، إذ بدت حركاته أكثر تصلّبًا من المعتاد.
“ألستُ سأكتفي بالجلوس بهدوء إلى جانبه؟”
“سموّه فضوليٌّ للغاية. خصوصًا إن رآكِ تدخلين مع سموه تشارتوس، فقد يُكثر من الأسئلة.”
“حينها سنقطع الحديث في الوقت المناسب، وهذا كلّ شيء.”
قال شارتوس بنبرة حاسمة ليبدّد قلق لوسين.
تلاشت المخاوف التي كانت تلوح على ملامحه أمام لهجة الأمير الجازمة.
كان يخشى أن يطرح وليّ العهد أسئلة قد تفضح حقيقة كون روزنتين ساحرة.
فرغم أنّ وليّ العهد طريح الفراش، إلا أنّه يبقى أحد أفراد العائلة الإمبراطورية، ولا ضمان بأن يُبدي ردّ فعل مماثل لتصرّف شارتوس.
“وما الذي يمكن أن يسأله عن وصيفة بسيطة؟”
“أنا قلقٌ من أن تبدأ روان بالحديث.”
ابتسم لوسين بهدوء، وكان قلقه مبرّرًا تمامًا.
نظرت روزنتين إلى الزجاجة الموضوعة في زاوية العربة.
كانت تلك آخر قارورة من عاج مورا.
وحتى لو بدأت بالأسئلة بشكل غير مباشر، يبقى من المجهول إن كانت ستثير الشكوك أم لا.
‘هل سأكون هادئة فعلًا؟’
كان القصر الإمبراطوري واسعًا على نحو لا يُعقل، وحتى الوصول إلى أحد قصور العائلة المالكة تطلّب ركوب العربة.
صحيحٌ أنّ العامة في المملكة يفضّلون استخدام أقدامهم القويّة، لكنّ النبلاء لم يكونوا من محبّي المشي قطّ.
وحتى روزنتين كانت تفضّل هذا الركوب المريح على التنقّل سيرًا وهي تضرب الأرض بخطواتها.
كما أنّ عربة شارتوس، التي تحمل شعار العائلة الإمبراطورية، كانت مريحة تمامًا مثل عربات أسرة أرجين.
‘ما عليّ سوى مراقبة الموقف فحسب.’
حتى وإن لم تتحدّث بنفسها، فقد كانت تثق بقدرتها على معرفة ما تريد.
فالقصر، مهما كان بعيدًا، يظلّ مليئًا بالأشباح، ومن السهل سؤال أحدهم لمعرفة ما يجري.
ابتسمت روزنتين ابتسامة رقيقة وهي تقول:
“لا تقلق يا لوسين، سأكون هادئة.”
“وهذا بالضبط ما يُقلقني أكثر.”
لم تُجب روزنتين، لأنه كان محقًّا تمامًا.
وسُمع صوتُ تنهيدة من لوسين بعدها بقليل، بينما اكتفى شارتوس بابتسامة متهاونة وهو يراقب المشهد.
فما دام سيده في مزاج طيّب، فلا أحد يجرؤ على الاعتراض.
وسرعان ما توقّفت العربة بصوت اهتزاز خفيف.
لكنّ روزنتين تراجعت فجأة إلى الخلف وهي تهمّ بالنزول، فقد كانت عربة أسرة أرجين قد وصلت أمام المدخل.
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
التعليقات لهذا الفصل " 41"