كان إلى جانبها أولئك الذين بدوا كأنهم معلّقون في الهواء، لا يتحرّكون.
أشخاص لم تكن قادرة على قراءة تعابيرهم.
القصر الإمبراطوري كان يعجّ بالأشباح، لكنّ عددهم يزداد كلّما مشت في الأماكن الخالية من البشر.
وكلّما تجوّلت أكثر، ازداد يقينها بأنّ القصر يخفي بين جدرانه مساحاتٍ كثيرة غير مكتشفة.
القصر ينقسم إلى الجناح الجديد والجناح القديم، بل إنّ من بين الأجنحة القديمة ما بُني منذ زمنٍ أبعد بكثير.
أما الأماكن التي يرتادها الناس عادةً فهي في الغالب ضمن الجناح الجديد.
من لم ينوِ استكشاف القصر كما تفعل هي، لن يشعر أبدًا بغرابة هذا المكان، وخاصةً إن لم يكن قادرًا على رؤية تلك الصفوف الطويلة من الأشباح الواقفة في صمت.
كانت روزنتين في طريقها للقاء رانون.
ذلك الشبح الحكيم الذي كان يثير الحذر لمجرّد النظر إليه، أصبح في الآونة الأخيرة يتظاهر بالغباء.
لم يكن يُظهر نواياه الحقيقية أمام غيره من الأشباح، حتى الاتفاق الذي أبرمه معها ظلّ يخفيه عنهم.
أن تصبح شبحًا، كان يبدو أمرًا بالغ الملل حقًّا.
لذلك، لم يكن غريبًا أن يوجد من الأشباح من يقبل أداء بعض الطلبات لكسر هذا السأم.
‘لن أكتفي باللعب فحسب.’
تردّد صدى خطواتها في الممرّات بينما استعاد ذهنها كلماتها القديمة تلك.
لم يكن ما تفعله لعبة شطرنج.
فلم يكن الأمر أن تُحرّك هي قطعةً، ثم ينتظر خصمها ليردّ بحركته.
بل كانت حربًا تُدار في وقتٍ واحد، حيث يتحرّك الجميع معًا، يطارد بعضهم بعضًا.
لم يتبقَّ سوى أيّام قليلة قبل أن يبدأ سمّ عين الشيطان تأثيره داخل شارتوس.
وبعد أن ينقضي ذلك الحدّ الزمني، سيبدأ خصمها حتمًا في الشكّ.
وعندها، لن يتردّد في تنفيذ خطّته التالية.
وكانت روزنتين تتوجّس من ذلك بشدّة.
“رانون.”
– مضى وقتٌ طويل، روزنتين.
تحرّك رانون كأنه خرج من بين الظلال.
تشنّجت ملامحه قليلًا قبل أن تستعيد شيئًا من الحياة.
شَعره البلاتيني كان يتلاشى شيئًا فشيئًا مثل نور الفجر.
دار في الهواء دورةً كاملة واقترب منها.
– السمعة تسبقكِ يا روزنتين. تبحثين عن الجوهرة؟
“الجاسوس الذي اكتشفته المرة السابقة قُتل.
من استأجره دسّ له السمّ بنفسه.”
– طريقة سهلة جدًّا.
البشر ضعفاء إلى درجة أنّ تحريك أمعائهم قليلًا يكفي ليموتوا.
“لا أريد أن يحدث ذلك لشارتوس.”
نظر رانون في عينيها، ثم انحنى بابتسامة باهتة تكاد تتفتّت.
دارت ملامحه في وجهها كأنها تموجات الضوء.
دار حولها ببطء، واقترب منها حتى كاد أن يلامس خدّها، ثم مال بشفتيه نحو جبهتها.
– إنكِ تُحبّينه، أليس كذلك؟
“كفّ عن الهراء.”
– وهل يُمكن أن يكون الذهب الملطّخ بالدماء جميلًا إلى هذا الحدّ؟
قبل أن تسأله عن قصده، ابتعد عنها خطوتين.
الآن فقط استطاعت أن ترى جسده الشفّاف كاملًا أمامها.
– أخبريني، لِمَ جئتِ إلى هنا يا روزنتين؟
“…… الخطة الثانية.”
– إذن، مارتن أخبركِ بها، أليس كذلك؟
أومأت برأسها.
كان مارتن ذلك الشبح الذي يحبّ التسكّع قرب مستودع الأسلحة، ولا يمرّ بها دون أن يُلقي عليها حديثًا.
وكان حديثه يدور غالبًا حول مبارزات الفرسان، أو المعارك القديمة، أو الأسلحة الشهيرة.
ومع ذلك، كانت روزنتين تصغي إليه في بعض الأحيان،
حينما تكون في مزاجٍ يسمح بذلك.
لكن ذلك اليوم كان مختلفًا.
ما قاله مارتن حينها لم يكن من النوع الذي يمكن تجاهله والمضيّ في الطريق.
ربما كان مستودع الأسلحة، بكونه مكانًا ليس مغلقًا تمامًا ولا مكشوفًا تمامًا، ملائمًا جدًّا لعقد لقاءٍ سريّ قصير.
وحين علم مارتن أنّها تبحث في مؤامرة ما،
راح ينشد مقطعًا من قول غامض، مفعم بالسرور:
– “هدية.”
“هدية.”
أومأ رانون ببطءٍ موافقًا.
“الهدية خنجرٌ في غلافٍ جميل” —
عبارةٌ من كتاب تاريخي كان يُحبّ اقتباسها كثيرًا.
***
– إن قيل “هدية”، فالمعنى واحد لا يتعدّاه.
كانت روزنتين تحدّق في شارتوس بوجه متجهّم مليء بالشكّ.
أما هو، الذي فوجئ بكلّ تلك التعابير دفعةً واحدة، فقد التزم الصمت ونظر إليها فحسب.
كان منظرها، وهي تُبرز شفتيها وتضمّ حاجبيها إلى بعضهما، صريحًا في طرافته —
بل لطيفًا إلى حدٍّ يدعو للابتسام.
حتى بالنسبة إليها، كان النظر إلى شارتوس بتلك الملامح الغاضبة أمرًا صعبًا.
فكيف يمكنها أن تُبقي وجهها متصلّبًا وهي أمام وجه مثل وجهه؟
لقد بدأت تعتاد وجوده ببطء، ولذلك صار من الطبيعي أن تتراخى عضلات وجهها كلّما وقفت أمامه.
لكنّها كانت تعرف السبب الذي دعاها إلى هذا الموقف، ولم يكن أمامها سوى أن تُحدّق به مباشرة.
كانت تفكّر بقلقٍ في كيفيّة البدء بالحديث.
عقلها كان يغلي من شدّة التفكير، كأنّه على وشك الانفجار.
‘كيف أطلب منه أن يُريني الشيءَ الذي ينوي تقديمه لوليّ العهد؟’
كانت هذه هي المعضلة.
فمهما بلغت جرأتها، لم يكن من اللائق أن تقول له مباشرة:
“أرِني الهدية التي أحضرتها للأمير، لأتأكّد إن كانت مسمومة أم لا.”
إذ يمكن أن يُفهم ذلك، تبعًا لصياغته،
بأنه اتهامٌ صريح: “أنت الجاني الحقيقي، والهدف لم يكن أحدًا سوا وليّ العهد!”
صحيح أنّ التهذيب كان يقتضي ألّا تُحدّق به هكذا دون إذنه، لكن شارتوس كان يتسامح مع ذلك دائمًا، فلم ترَ بأسًا في الاستمرار.
ولو لم يفعل، لكانت قد صبّت نظراتها على هوستانغ بدلًا منه.
وإن شئنا الدقّة، فقد كان هذا تطوّرًا ملحوظًا —
ففي الماضي، لم تكن قادرة على النظر إلى وجه شارتوس طويلًا، وكانت تبادر بتحويل نظرها إلى هوستانغ فورًا.
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 35"