“من تكون هذه يا تُرى…؟ اوه، سيدة مولد، أليس كذلك؟”
“مدام مارغوس، أشكركِ على دعوتكِ.”
ألقت أَرولنيه نظرة متأنّقة وهي تنشر فستانها المشرق كزهرة وردٍ تفتّحت للتو، ثمّ راحت تجول بعينيها في المكان. وسرعان ما التقط بصرها مجموعة من الشابّات النبيلات.
كنّ ممّن عادينَ أَرولنيه مولد سابقًا، وقطعنَ علاقتهنّ بجماعتها. كان بينهنّ ابنةُ أحدِ الكونتات، وأخرى من بيتٍ بارونيّ وإن كانت مكانتها الاجتماعيّة أدنى، إلّا أنّ جمالها الفاتن جعلها محطّ أنظار الجميع.
رفعت أَرولنيه مروحتها لتخفي شفتيها، وفي داخلها ارتسمت ابتسامة متعجرفة.
‘نعم، تمامًا هكذا.’
وفي الخلف، كانت روزنتين تراقبها وتؤازرها بكلّ قلبها. فكلّما كانت أَرولنيه أكثر براعة في تمثيل مشهدها الدراميّ، وكلّما ازداد احتدام خصومها — أولئك الذين يشكّلون قطبًا آخر في عالم المجتمع الراقي — كلّما سارت خطّة روزنتين بسلاسة أكبر.
بخطوات فاتنة، بدأت أَرولنيه تمشي نحو تلك المجموعة.
‘حسنًا… لِنبدأ إذًا.’
لم يكن من المجدي إطالة الموقف، فذلك لن يجلب سوى المتاعب. عندها تحديدًا قرّرت روزنتين التحرّك. سألها أحدهم عن هويّتها، فأجابت بصوتٍ أوضح من المعتاد:
“هل أنتِ خادمةٌ تابعةٌ لبيت مولد؟”
“آه، أنا الوصيفةُ الخاصّةُ بصاحب السموّ وليّ العهد الثاني.”
في لحظة، توجّهت جميع الأنظار نحو روزنتين.
“…هل تقصدين سموه شارتوس؟”
“نعم. وقد جئتُ برفقة السيّدة أَرولنيه مولد.”
ثمّ تحوّلت الأنظار كلّها إلى أَرولنيه. ابتسمت روزنتين بخفّة — لقد بدأ العرض.
“وصيفةُ وليّ العهد شارتوس… أصبحت الآن في خدمة أَرولنيه؟”
ارتفعت همهماتٌ من كلّ صوب. ومن بين تلك الأصوات التقطت روزنتين صوتًا مألوفًا بوضوح، صاحبته امرأةٌ ذات شعرٍ أشقر طويل لم يخالطه مسحةٌ من الحمرة. كانت تضرب مروحتها الأرجوانيّة بعصبيّة على كفّها. وما إن رفعتها أمام وجهها، حتّى أدركت روزنتين هويّتها.
إنّها الآنسة مارييت كادلتون، ابنةُ أسرة الكونت كادلتون.
كانت يومًا قد خسرت حبيبها لصالح أَرولنيه، ثمّ ردّت لها الصفعة بإحراجها في أحد الصالونات. النتيجة بينهما كانت تعادلًا — واحد لواحد — ممّا جعلها عدوّةً حقيقيّة لها.
بدأت الهمسات تنتشر في الصالون كما لم يحدث من قبل. أَرولنيه خفضت عينيها مستمتعةً بالموقف. حتى سيّدة الصالون، مدام مارغوس، كانت تهمس لرفيقتها من السيدات النبيلات.
كانت فترةً مضطربة، إذ كان معظم نبلاء القصر منشغلين بمراقبة تحرّكات وليّ العهد والأمير الثاني. أمّا السيّدات الكبيرات في السنّ — اللواتي يتمتّعن بحدسٍ سياسيّ لافت — فقد رمقنَ أَرولنيه بنظراتٍ حادّة مليئة بالتمعّن.
المرأة الجالسة إلى جوار مارييت تمتمت آنذاك، وسمعها كلّ من كان يُنصت من حولها على نحوٍ خافت:
“لن يدوم ذلك طويلًا.”
“بالطبع. هل رأيتِ كيف نبذها بعد أن كان يلازمها في السابق؟”
“ههه، لو كنتُ مكانها لما امتلكتُ الجرأة على مطاردته بتلك الوقاحة.”
ابنةُ البارون كروليه رفعت شفتيها الحمراء بابتسامةٍ ساخرة، مطلقة تعليقات كفيلة بإغاظة أَرولنيه وأتباعها. وفي المقابل، أخفت السيداتُ الأكبر سنًّا شفاههنّ خلف مراوحهنّ، مستمتعاتٍ بالثرثرة الجديدة التي كسرت رتابة يومهنّ.
كنّ يعرفنَ جيدًا عن علاقات شارتوس العابرة، وكيف أنّه بعد أن انتقل اهتمامه من أَرولنيه إلى غيرها، صار يرمقها بنظراتٍ باردة. بل إنّه لم يفتح قلبه يومًا لأيّ من الفتيات اللواتي رافقهنّ ولو لفترة قصيرة.
ومع ذلك، كم من امرأة خفَق قلبها لذلك البرود الجذّاب وذلك المظهر الساحر؟
“من يدري؟ لعلّ تلك الوصيفة لم يرسلها الأمير حقًّا، بل جلبتها أَرولنيه بالقوّة.”
كان ذلك تخمينًا لاذعًا، ومع ذلك معقولًا بما يكفي ليصدّقه الجميع. والجرأة التي أظهرتها مارييت في طرحه علنًا أمام الآخرين أكّدت لروزنتين أنّها خصمٌ لا يُستهان به لأَرولنيه.
وبينما كانت المروحات تُخفي شفاه المتحدّثات وكأنّهنّ يتناقلن همساتٍ خاصّة، كانت الأحاديث قد انتشرت بالفعل في أرجاء الصالون بأكمله.
نظرت روزنتين نحو سيّدة الصالون، تيريز مارغوس. كانت تراقب المشهد بهدوء وهي تحتسي الشاي بحركة غاية في الأناقة.
‘وكما هو متوقّع، أولئك اللاتي في موقعها لا يتدخّلن عادةً.’
المالكة لن تتدخّل، والوصيفات الأرستقراطيّات سيرحبنَ بمثل هذا الحديث المثير الذي أنعش يومهنّ الرتيب. مجموعة مارييت بدأن يضحكن بخفّة متصنّعة، وهنّ يبدين جمالهنّ ببراعة.
وإذا كانت أَرولنيه وردةَ الحديقة، فإنّ مارييت تشبه الفاوانيا في باقةٍ فاخرة. وبالنظر إلى زينتهنّ وثروتهنّ وجمالهنّ الأخّاذ، راحت روزنتين تراقب بصمتٍ اللحظة المناسبة للتحرّك.
أَرولنيه لم تتصرّف بعجلةٍ قطّ.
كانت تدرك تمامًا ما الذي تملكه من مفاتيح بيدها. بروشٌ أهداه لها شارتوس.
بهذا الشيء وحده، يمكنها أن تُسكت تلك المجموعة التي كانت تضحك باستهزاء الآن.
ربّما في المستقبل ستتغيّر الأمور، لكن في الوقت الراهن، كان ذلك التصرف هو الخيار الأنسب.
كما فكّرت أَرولنيه أيضًا بأنّ الجهود التي بذلتها طوال تلك المدّة بدأت أخيرًا تُؤتي ثمارها.
شارتوس سيعيدها إلى جانبه مجددًا.
فتحت أَرولنيه شفتيها التي أغلقتها سابقًا بدلال وقالت:
“ها هم أولئك الذين يحاولون سدّ نواقصهم بخيالهم الواسع.”
وهكذا بدأت الهجمة من جانب أَرولنيه أيضًا.
“حقًّا، كأنّي سمعتُ بعض الأصوات الغريبة.”
“لابدّ أنّها إحدى الجنيات الثرثارات تتحدث بلا توقف.”
“جنية؟ لعلّها ملكةُ الجانّ التي أحبّت حمارًا؟”
“أوه، يا للعار…”
كانت تلك إهانةً صريحة ومباشرة.
روزنتين، وهي تشاهد في ذلك الصالون الضيّق مجموعة من النساء يتبادلن الطعنات الكلاميّة بحرّية، لم يسعها إلّا أن تتذكّر ساحة حرب.
ففي الحقيقة، لم يكن هذا مختلفًا كثيرًا عن المبارزات بين الفرسان أو المعارك بين الجيوش.
احمرّ وجه مارييت بعد أن شُبّهت بتلك الملكة التي وقعت في حبّ حمار.
كان الغضب قد صعد في دمها قليلًا. حاولت الآنسة من عائلة كروليه أن تقف، لكن مارييت منعتها بإشارة حازمة.
إظهار الغضب الآن لن يجلب سوى سقوط الأقنعة. كان عليهما التفكير بعقل أوسع.
‘لعلّه من الأفضل أن ننتظر قليلًا بعد.’
الجوّ كان يزداد سخونة شيئًا فشيئًا، والفتيات ذوات المكانة الضعيفة لم يملكن إلّا مراقبة الموقف بحذرٍ وحبس أنفاسهنّ.
أمّا السيّدات الراقيات ذوات النفوذ، فبدلًا من التركيز على الشجار بين أَرولنيه ومارييت، كنّ يوجّهن أنظارهنّ نحو روزنتين.
الوصيفة الخاصة للأمير الثاني شارتوس كارتاجين — ما الذي ستفعله يا تُرى؟
في هذا المجلس، كان دعم شارتوس لا يختلف كثيرًا عن امتلاك أكبر ماسة في القاعة.
روزنتين كانت تأمل أن تُقدِم مجموعة مارييت على مهاجمة أَرولنيه مرّةً أخرى، كي تتمكن هي من قلب الموقف بشكلٍ دراميّ ومذهل.
“إذا كنا نتحدث عن امرأة أحبّت حمارًا… لقد تذكّرتُ شيئًا بالفعل.”
وجاءت اللحظة المنتظرة.
رصدت روزنتين تصلّب ابتسامة أَرولنيه.
مارييت خفّضت عينيها ببرود حادّ، كما لو أنّها تشحذ نصلًا خفيًّا.
“تلك العلاقة المشبوهة مع الكونت أوترون…”
شهقت فتيات مجموعة أَرولنيه بصوت مسموع.
كان ذلك موضوعًا محرّمًا لا يُذكر علنًا.
فقد كانت شائعة الكونت أوترون التي انتشرت كالنار في الهشيم بعد أن طلب الزواج من أَرولنيه، تقول إنه ارتكب علاقة غير شرعية مع عشيقة والدها.
روزنتين كانت قد سمعت تلك القصة من الأشباح خلال تجوالها في أرجاء الإمبراطورية، لكنها فوجئت لسماعها تُقال بصراحة أمام الجميع، فرفعت نظرها إلى السقف متظاهرةً باللامبالاة.
‘يا إلهي… لقد حوصرت الآن.’
لا بدّ أنّ وقع الضربة كان قاسيًا على أَرولنيه.
امرأةٌ بهذه الكبرياء، تُختزل إلى مجرّد أداة لتغطية فضيحة خيانة؟
كلّ المجد الذي اكتسبته في حفلة الشاي السابقة، والذي جعلها محطّ الأنظار، تحوّل في لحظة إلى طين داكن.
ومن الطبيعي بعدها أن تتعلّق بشارتوس أكثر من ذي قبل.
كانت تسعى ببساطة لغسل عارها واستعادة كرامتها.
أغلقت أَرولنيه مروحتها بحركة حادّة وحرّكت شفتيها.
أما روزنتين، فقد رأت أن الوقت قد حان لتتدخّل.
“آنسة أَرولنيه…؟”
فتحت روزنتين فمها ببراءة.
رغم أن الجميع كانت أنظارهم لا تزال على أَرولنيه، إلا أن اهتمامهم تحوّل الآن إليها.
العيون كلّها متّجهة نحوها، لكنها لم ترفع صوتها؛ لم يكن هناك داعٍ لذلك.
فهي تعرف أن لعب دور الوصيفة البريئة والبلهاء كافٍ لتحقيق الغرض.
“متى يجب أن أقدّم هذا؟ إنه غالٍ جدًا بالنسبة لي، وأودّ أن أسلّمه إلى مالكته الحقيقية في أسرع وقت.”
تلألأت عينا أَرولنيه على الفور.
رفعت مروحتها مجددًا.
بدت علامات التوتّر على وجوه مجموعة مارييت، وحتى السيدات الراقيات تبادلن نظراتٍ فضوليّة نحو روزنتين.
وصيفة الأمير الثاني… حين تتحدث عن “شيءٍ ثمين”، لا بدّ أن يثير ذلك اهتمام الجميع.
“أوه، صحيح. لقد نسيتُ أمره تمامًا بسبب الارتباك بعد وصولي. أعذريني.”
“ليس هناك ما يدعو للاعتذار، يا سيدتي. كنتُ قلقة فحسب أن أُقصّر في واجبي.”
احمرّ وجه روزنتين، مجسّدةً تمامًا مظهر الوصيفة الجديدة الخجولة.
بدت تيريز مارغوس، سيّدة الصالون، وقد فقدت اهتمامها بالمشهد، ملامحها لا تظهر أيّ دهشة مما يجري.
لكن ذلك تغيّر في اللحظة التي أخرجت فيها روزنتين صندوق المجوهرات.
“الآنسة أَرولنيه مولد، هذا هديةٌ من صاحب السموّ شارتوس كارتاجين.”
انفرج الصندوق في اتجاه أَرولنيه كصدفةٍ تفتح عن لؤلؤتها.
وفي داخله، كان هناك ما يفوق قيمة أيّ لؤلؤة في هذا المكان — هدية الأمير الثاني نفسه.
بروشٌ يُعرف باسم “بركة الأبدية”.
“يا إلهي!”
“هل هذا ممكن؟!”
تعالت الصيحات من كلّ جانب، حتى أنّ بعضها بدا كصرخات صغيرة.
ورأت روزنتين بوضوح نظرة أَرولنيه نحو مارييت في اللحظة التي رأت فيها البروش.
اتسعت أعين الجميع بدهشةٍ خالصة، وكأنهم لا يصدّقون ما يرونه أمامهم.
شارتوس كارتاجين — ذاك الرجل الذي لم يُعرف عنه يومًا أنه يهدي المجوهرات لامرأة — فعلها الآن؟
صحيحٌ أنّه قدّم هداياً من قبل، لكن ضمن المناسبات الرسميّة فحسب.
أما أن يُرسل عبر وصيفته مجوهرات إلى امرأة في صالون نسائيّ؟ فذلك أمرٌ مختلف تمامًا.
ابتسمت أَرولنيه ابتسامة المنتصرة.
“ما أجمل هذا… حقًّا لا يُصدَّق.”
كانت كلماتها الأخيرة دراميةً إلى أقصى حد.
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"