بعد أن أوكلوا مهمة الفحص إلى أحد الخيميائيين الذين يعرفهم لوسين، تبيّن أن السم الموجود في النبيذ ليس شيئًا يسهل على عامة الناس الحصول عليه.
تذكرت روزنتين ما قاله لوسين آنذاك:
“أمر مدهش حقًا. لقد قال إنه لم يره إلا لأول مرة، وكان قد سمع به فقط من قبل. يسمّى سم فيروتسا.”
“فيروتسا؟”
“هو معروف أكثر باسم سم عين الشيطان.”
سم عين الشيطان. عند سماع تلك الكلمة التوى فم شارتوس بحدة. كان متكئًا بزاوية على مسند الكرسي، يرمقهم بعينان باردتان. على غير العادة، كان وجهه متصلبًا قاسيًا يكشف عن غضب مكبوت. وكذلك بدا لوسين.
هوستانغ بدوره عقد حاجبيه بعد أن ظهر على ملامحه تردد وحيرة، ثم بدا أنه أدرك خطورة الأمر. أما روزنتين، فعلى الرغم من أنها سمعت باسم “فيروتسا” لأول مرة، إلا أن لقب “سم عين الشيطان” لم يكن مجهولًا لديها.
فأي شخص نشأ في آكرانا يعرف الحكاية جيدًا: السم الذي يُقال إنه قتل ثلاثة من الآلهة في عصر الأساطير.
‘لا بد أنهم كانوا يائسين للغاية…’
“لم أكن لأصدق، لكن… لو كان هذا السم قد شُرب فعلًا لما كان هناك أي أمل للنجاة.”
“هل يمكن أن يكون حقًا ذلك الـ فيروتسا؟”
“نعم، هوستانغ. إنه السم الذي يقال إنه قتل الإلهات الثلاث: آروند، فيتشا، ودودراتون.”
شارتوس عقّب بتهكم لاذع:
“بمجرد أن يدخل الجسد، يدخل المرء في غيبوبة خلال أيام معدودة. يستطيع أن يتنقل بشكل طبيعي، فلا أحد يدرك متى تسرّب السم إلى جسده. وما إن يدخل في الغيبوبة حتى يتعفن الجسد ويموت خلال ثلاثة أيام. حينها كان موتي سيُعتبر عقوبة إلهية.”
رسمت كلماته لوحة قاتمة في الأذهان، وكان يتحدث بابتسامة ساخرة. بدا أن ما أغضبه أكثر من محاولة اغتياله هو أن خصومه تمكنوا من الحصول على سم كهذا، سم عين الشيطان.
روزنتين شعرت بالشيء ذاته. لم تصدّق حتى الآن أنها هي نفسها من بدّلت النبيذ الذي احتوى على ذلك السم.
‘يا له من أمر مروع…’
فلا عجب أن هناك قولًا مأثورًا: لا تذهب إلى أووروجا إلا وأنت مستعد لمواجهة الموت.
فالسم لا يُستخرج إلا من صحراء أووروجا في شمال القارة. مكان تهب فيه عواصف رملية بلا إنذار، مجرد التوجه إليها مغامرة قاتلة، فما بالك بالحصول على مواده.
وزيادة على ذلك، فإن سم “فيروتسا” تحديدًا يحتاج إلى جمع حراشف ثعبان نادر في تلك الصحراء وطحنها لمدة تسعين يومًا متواصلة لصناعته. لهذا لم يكن يظهر إلا في الحكايات والأساطير.
“لكن على الأقل، هذا يسهل علينا تتبع مصدره.”
قالت روزنتين فجأة وهي تراقب الثلاثة وقد بدت عليهم الجدية. كانت تدرك بدورها خطورة الوضع: من يملك المال والقوة والمعلومات للحصول على سم لا يوجد إلا في الأساطير، ومع ذلك يمتلك عزيمة صلبة لقتل شارتوس. حتى أنها شعرت أن الحقد نفسه يتجسد في تلك المحاولة.
شارتوس قال ببرود:
“لا بد أن يكون شخصًا فريدًا في نوعه… مختبئًا في الظلال.”
وكانت روزنتين متفقة معه، لكنها لم ترَ أن البقاء مكتوفي الأيدي خيار ممكن.
فقالت وهي تنظر مباشرة إليه:
“التحقيق السري من نصيبي، يا سمو الأمير.”
***
وبعد ذلك، خفّ التوتر بعض الشيء.
شارتوس التفت نحوها وأطلق ضحكة قصيرة أشبه بزفير منهك. أما هوستانغ فظلّ وجهه متجهّمًا مستاءً، لكنه لم يضف كلمة أخرى.
كانت روزنتين قد أحبطت بالفعل محاولة تسميم واحدة. حتى هوستانغ كان يدرك أنه لولاها لما عرفوا أصلًا باسم “سم عين الشيطان”.
نظرت إليه بشيء من الاعتذار. لقد مازحته وسخرت منه لتخفف عن نفسها قلق التفكير المستمر.
ارتسمت ابتسامة دافئة على وجهها، فاتسعت عينا هوستانغ دهشة. رمش مرارًا وكأنه لا يصدق ما سمعه. ولم يكن ذلك غريبًا، فهو نفسه لم يفكر من قبل أن موقفه العدائي تجاهها ربما لم يكن إلا نفورًا فطريًا بلا وعي.
ابتلعت روزنتين ضحكتها، لكنها وجدت ملامحه المندهشة طريفة بحق. ثم التفتت بعينيها فالتقت بنظرات شارتوس.
كان يحدّق بها مطولًا، وبملامح غامضة لا يسهل فهمها. وحين بدا عليها التساؤل، نطق بصوت خافت دون أن يحول بصره عنها:
“كيف تسير الأمور؟”
‘كأنه يتعمد تغيير الموضوع…’
فكرت روزنتين، لكنها أومأت نافية.
عيناه ظلّتا معلقتين بها، وهو ما أجبرها على مواجهة نظرته مباشرة. كان الأمر مرهقًا قليلًا بالنسبة لها. لحسن الحظ أنه لم يكن يبتسم، وإلا لكان من المستحيل أن تركز في تقريرها.
عادت بذاكرتها إلى “أَرولنيه”، تلك الشابة النبيلة التي لا شك ستظل تلاحق شارتوس أينما ذهب. مجرد التفكير بوجهها أعاد إلى قلبها بعض الارتياح.
قالت:
“لقد طلبت مني إحدى بنات النبلاء أن أكون مرشدتها. ابتداءً من الغد، سأتمكن من التجول في القصر بأريحية أكبر.”
فقاطعها هوستانغ بحدة:
“ابنة نبيل؟ من المؤكد أن آدابك المتواضعة لا ترقى لمرافقة مثيلاتها، أية مهانة تحاولين جرّ نفسك إليها؟”
لكنه ما إن قال ذلك حتى بدا على وجهه ندم.
فردّت روزنتين بابتسامة ماكرة:
“المفاجأة أن تلك النبيلة أُعجبت كثيرًا بآدابي. لعلها أكثر لباقة من آداب الفارس هوستانغ؟”
فانكمش وجهه حتى بدا أشبه بكيس بسكويت فارغ.
عندها تدخّل شارتوس ليقطع التوتر، وسأل ببرود:
“من تكون؟ اسمها.”
أجابت روزنتين:
“الآنسة أَرولنيه.”
وفجأة تغيّر الجو قليلًا.
“أَرولنيه….” تمتم شارتوس.
لوسين قفز فجأة وقال:
“آرول… لا تقل لي أنها أَرولنيه مولد؟!”
لاحظت روزنتين أن لوسين يعرفها، وكان على وشك التحذير. بدا عليه الارتباك وكأنه يحاول كبت كلماته.
ابتسمت له ببراءة مصطنعة وسألته:
“آه، إذن تعرفها؟”
كانت تعلم ما يريد قوله. فقد كانت الشائعات عن أَرولنيه منتشرة بين النساء في مجتمع النبلاء، ومن يعرف أسرار الصالونات مثل روزنتين لا يمكن أن يجهلها.
لكن لوسين لم يكن ليتخيل أنها على دراية بتلك الأحاديث. فماذا يمكن لامرأة تبدو مجرد خادمة أن تعرف عن مجتمع النبلاء؟
على الأرجح كان يريد أن يحذرها. في نظرها، لم يكن ذلك إلا دليلًا على أن لوسين رجل يحمل قلبًا رحيمًا.
في تلك الأثناء، كان شارتوس متكئًا بيده على ذقنه، يراقب المشهد بصمت.
عينيه لم تبتعدا عنها، ثم أطلق ضحكة قصيرة خافتة، بابتسامة جعلتها تكاد تعض لسانها من شدة الوسامة. لم يقل شيئًا، لكنه بدا وكأنه فهم الرسالة الصامتة في موقفها.
“آه، لا… لا شيء. فقط، آنسة روآن، هناك أمر يجدر بك الحذر منه…”
فقاطعته روزنتين بجملة قاطعة:
“إنها شابة جميلة ورقيقة للغاية.”
فصمت لوسين عاجزًا. فقد فهم أنها لا تريد أي تحذيرات إضافية. كان ذلك إعلانًا منها بأنها تلقت التلميح، وستتعامل مع أَرولنيه وحدها.
فأطلق لوسين تنهيدة مكتومة، مدركًا أنها تستعد لخوض مواجهة مع تلك النبيلة. وبدا له أنها ليست مجرد ساحرة متنكرة، بل مقاتلة أيضًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 22"