كان ذلك كلام لوسين بعد أن أودعوا الجاسوس في سجن القصر الملحق، ثم وصلوا إلى مكتب العمل ليتبادل الرأي مع شارتوس.
كان لوسين، في الحقيقة، مندهشاً من الموقف.
لا يزال مشهدها وهي تتطوع بنفسها للإمساك بالجاسوس عالقاً في ذهنه بكل وضوح.
شَعرٌ أسود وعينان زرقاوان. روان بثوب الخادمات لم تكن تحمل ابتسامتها الوقحة المعتادة، بل كانت بملامح باردة.
حتى هو لم يسعه إلا أن يعترف: هذا كان الحل الوحيد.
لم يكن ينبغي أن يُكشف هذا التآمر أمام الآخرين. على الأقل، حتى يكتشفوا من يقف وراء المؤامرة، كان يجب منع التفات الناس إليهم.
وكما أن المؤامرة جرت في الخفاء، فكذلك كان لزاماً على من يكشفها أن يتحرك في الخفاء. ولهذا لم يكن في وسع لوسين ولا هوستانغ الظهور.
أما بقية الأشخاص، فلم يكن من الممكن الوثوق بهم. فلا أحد يعرف من قد يكون عميلاً مدسوساً تم شراؤه.
“هل تعرفين استخدام السيف؟”
“لم أمسكه في حياتي.”
“إذن ربما القتال بالأيدي؟”
“أما السحر، فقد مارسته قليلاً فحسب.”
ورغم أن كلماتها كانت مثيرة للدهشة، إلا أن ملامح روان بقيت صارمة. أكدت أنها، إن كانت قشة، فهي قشة فولاذية.
لن يشك أحد فيها، والهجوم سيكون مباغتاً، لذا ما لم يكن الخصم مقاتلاً متمرّساً فلن يسعه إلا الانصياع لمخططها.
رفض لوسين عرضها بصرامة، مؤكداً أنه خطر. ليس حرصاً على روان وحدها، بل لأن موتها في الحال سيشكل معضلة كبيرة، فهي التي كانت تستخلص أكبر قدر من المعلومات.
ولم يفهم لوسين سبب إصرار روان على تحمل مثل هذا الخطر. كان يعرف أنها أبرمت عقداً مع شارتوس لتأمين حياتها، ولهذا كان تعجبُه أكبر.
ومع ذلك، فقد أذِن لها شارتوس. نظر مباشرة إلى عينيها المشتعلتين، وكأنه يقابل ناراً تتحدى الموت.
***
“ألا تشبهك؟”
“……”
“لقد شعرتَ بذلك، أليس كذلك؟ عرفتُ من تصرفك يا لوسين.”
ارتسمت ابتسامة مريرة على وجه لوسين. منذ أن بلغه الخبر عبر هوستانغ، كان قلبه يخفق — لا شوقاً ولا حماساً، بل قلقاً.
السحرة… أولئك الذين صار العثور عليهم في كارتاجين نادراً جداً. بل إنه لم يكن يعلم إن بقي منهم أحد هناك.
لم يكن يتوق للقائهم. بل على العكس، كان يتمنى ألا يلتقيهم ما عاش.
فكل من صادفهم لم يكونوا إلا جثثاً مشوّهة، إما حُكم عليهم بالحرق كالساحرات، أو شنقوا في الساحات.
ولهذا، كانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها ساحراً حيّاً.
وقد أدرك لوسين السبب وراء عقد شارتوس معها.
فالمؤامرة ضد سيده بدت ظرفاً مثالياً. لكن هذا وحده لم يكن كافياً ليجعل شارتوس يتخذ أحداً تابعاً له.
وربما روان لا تعلم أن هذه هي المرة الأولى منذ سبع سنوات التي يُبقي فيها شارتوس شخصاً بجواره. بل وهذه أول مرة يراه يبتسم باستمرار.
“اهتمام”… اهتمام لا يُقاوَم قد اجتذب نظره. كما اجتذب نظر لوسين نفسه.
حين قال شارتوس إنه بحاجة إلى عقد اجتماع، ذهب لوسين بنفسه إلى البوابة الشرقية للبحث عن روان. كان ذلك تكليفاً تطوع به.
كانت تشبهه.
هم أيضاً كانوا قد اضطروا لكبت أنفاسهم والعيش مقيدين بالظروف والخلفيات التي خنقت حياتهم.
عندها، تذكّر لوسين كيف صار مساعداً لشارتوس، وتذكّر عزوف سيده عن تقريب الناس منه كلما كبر، وكذلك لقاءاته المتكررة بنساء شتى. لقد اختلفت أهدافهم، لكنهم تشابهوا في الطريق.
أما الفرق بين روان وبينهم، فكان شيئاً واحداً:
هي لم تختبئ لتكبت نفسها، بل شقت بأظافرها فجوة في الجدار لتصنع لنفسها طريق نجاة.
“لا تقلق.”
أخرج شارتوس سلاحه من غمده. ومع صرير معدني، أطلق المعدن المصقول بريقاً فضياً.
وعلى وجهه تعبير بارد لا يشبه البشر، حدّق في الفراغ. في المكان نفسه حيث مدت روان عقدها.
“ما تفكر فيه لن يحدث. لن أمد يدي أكثر من هذا.”
كانت عيناها المشتعلة تشبثًا بالحياة مشهداً عالقاً في ذهنه. شخص لم يكن له وجود في حياته من قبل، ومع ذلك كان حاضراً بقوة.
ولهذا، من الطبيعي أن يهتم بها. وكان شارتوس يفهم قصد لوسين. فقد كان أحياناً يجد نفسه يُلقي نظرة على روان الواقفة أمامه.
لا شك أن لوسين كان يعرف ما شعر به سيده.
عندها، مرّت في ذهن شارتوس وجوه والده، و”أفانتوا”، وأفراد العائلة الإمبراطورية الذين ماتوا في صغره، وأخيراً استحضر صورة إسوار. فارتسمت ابتسامة جليدية على فمه.
“لا يمكن أن تحبس طائراً يغامر بحياته لأجل الحرية داخل قفص.”
بهذا القدر يمكن اعتبار ما يفعله محض عطف صادق.
لكن رغم ذلك، استمر شارتوس يفكر بالساحرة التي شدت بصره. وضحك ساخرًا. لم يكن يعرف كم سيدوم عزمه هذا.
فالبشر لطالما أسرهم التحديق في النار منذ الأزل.
وكأنه يخفي اضطراب مشاعره، أضاف بجملة قصيرة:
“أليست هذه العائلة الإمبراطورية الملعونة؟”
أغمض لوسين عينيه بثقل.
***
“انهضي!”
سُكِب ماء بارد على وجهها. تفاجأت روزنتين ونهضت مذعورة.
“هل كان كابوساً؟”
كما لو أنها في حلم، أخذت ترمش بعينيها مرات عدة.
وإذا أمامها مورين واقفة بتعجرف، وفي يدها كوب ماء. من الواضح أنها هي من سكبت الماء على روزنتين.
كانت روزنتين مدهوشة لدرجة أن شفتيها تحركتا دون أن تخرج كلمة.
‘انها المرة الأولى التي استيقظ فيها بهذه الطريقة أيضاً…’
خطر لها ذلك سريعاً.
منذ لقائهما الأول وحتى الآن، بدت حياتها مع مورين سلسلة من الوقائع غير الواقعية.
“ما هذا الذي تفعلينه؟”
قالت روزنتين وهي تمسح الماء عن وجهها بذهول. شيئاً فشيئاً عادت إليها حواسها، وبدأ الغضب يتصاعد.
رشّ الماء على نائمة؟ أيعقل هذا؟ لم يخطر ببالها يوماً أن وجه مورين سيكون أول ما تراه عند استيقاظها.
كانت غرفتهما في سكن الوصيفات متباعدة قليلاً. صحيح أن مكان نوم المستجدات لم يكن بعيداً، لكنه لم يكن متوقعاً أن مورين ستأتي لتراها في الصباح الباكر.
تذكرت روزنتين ذلك اليوم — اليوم الذي التقت فيه بلوسين وعادت — حين واجهتها مورين مباشرة وبنظرة لا تخيب التوقعات.
كان واضحاً أن مشرفتها في العمل قد أنبتها بشدة يومها.
ولحسن الحظ، كانت مشرفة مورين مشهورة بين الخادمات بسوء الطبع، ومع ذلك، فهي دقيقة في عملها، حتى أن الكل كره أن تكون رئيسة لهم.
وقد سمعت روزنتين ذلك بنفسها في المطبخ.
“لن تري طعاماً بعد اليوم!”
هكذا صرخت مورين، بعينين حمراوين من كثرة البكاء، في وجه روزنتين يومها. لكن حتى قسوتها بدت الآن بلا قيمة.
وبفضلها، كان المطبخ المكان الذي تزوره روزنتين أكثر من غيره خلال الأيام الثلاثة التي قضتها في تتبع أخبار الكأس المسموم. وكانت تفخر بنفسها لكثرة ما اجتهدت.
وكان من أسباب سهرها طوال الليل أيضاً مكائد مورين. فقد شغلت وقتها بين استجواب الأشباح، والتردد على المطبخ، وإرضاء العاملين فيه، والتعامل مع مضايقات مورين وردها عليها بين الحين والآخر.
ولأجل ذلك، سكبت روزنتين مياه غسل الخرق على ثيابها وانتهى بها الأمر إلى تغييرها، ثم جعلتها تبحة عن وسادتها في دلو الماء القذر. وكانت تلك المرة التي انفجرت فيها باكيةً.
لقد عاشت روزنتين عشرين عاماً كفتاة “مسكونة بالأرواح”، فلم يكن هذا كله بالنسبة لها أكثر من لعبة طفولية. وإن كان في الحقيقة، أقرب إلى شجار قذر بلا قيمة.
مسحت وجهها ببرود، ونظرت إليها نظرة مباشرة جعلت مورين ترتبك قليلاً قبل أن تضع يديها على خصرها بتكلف.
“للأسف، ما فعلته كان بأمر من كبيرة الوصيفات! قالت إن الأمر عاجل، وإن لم تستيقظ، فارشقيها بالماء على وجهها!”
‘كان الأجدر أن تعترفي أنك تبغضينني!’
فكرت روزنتين، غير قادرة على كبح ضحكة ساخرة.
فإن كان مجرد استفزاز، لكان مفهوماً. أما أن تختبئ خلف أوامر الآخرين وتتشبّث بها كأنها قوة لها… كان الخوف من انتقامها واضحاً للجميع.
وأمام ردة فعل روزنتين المليئة بالتهكم، احمرّ وجه مورين خجلاً.
“ع… عموماً! لقد أوصلت الرسالة، فانزلي حالاً. إن تباطأتِ، قد تُطرَدين فوراً!”
زفرت روزنتين تنهيدة، فيما هرعت مورين خارج الغرفة مسرعة.
‘السرير الجيد لا يُقدّر بثمن…’
سيطرت روزنتين على انزعاجها، وفكرت بشرود.
لقد كان إحباط مؤامرة الكأس المسمومة بالأمس فقط.
ومع ذلك، عادت بعدها إلى المطبخ لتؤدي مهامها كوصيفة. ولحسن الحظ، كان الجميع مشغولون كثيراً لدرجة أن غيابها لم يلاحظه سوى قليلين.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 20"