2
‘أنا ممتنة للسماء لأنها منحتني كورت. لم أشك في هذه الحقيقة ولو للحظة.’
حتى في موقف متوتر قد يُقضى فيه عليها، لم تتوقف روزنتين عن تذكر وجهي كورت وفيوليتا. حتى ضحكة هايمت أيضًا.
كل إنسان يريد أن يحمي ما هو عزيز عليه.
ولكن ليس هناك من يعرف الجوع الجسدي والروحي أكثر من روزنتين، كان عليها أن تحمي ما هو ثمين عندها بجهد يائس أكثر من أي شخص آخر.
حدث ذلك عندما كانت كورت في العاشرة من عمرها. ومن المرجح أن كل شيء بدأ ينحرف من هذه النقطة. وربما كان من حسن الحظ أنها علمت بالأمر مسبقًا.
“هاااام.”
تثاؤب خرج منها تلقائيًا، باعثًا شعورًا بالخمول. كان الجو هادئًا.
في الحديقة التي تفتحت فيها الورود والكوبية بشكل جميل، كانت روزنتين تقطف حبة عنب وتأكلها. لطالما أحبت كيف ينفجر عصيرها الحلو في فمها، وتنتشر الرائحة العطرة حتى أنفها.
حقًا، حياة النبلاء كانت مريحة بلا حدود. هل نالت هذه الحياة تعويضًا عن معاناتها الكبيرة في حياتها السابقة؟
بوجه خامل مثل قطة شبعى، أمسكت روزنتين بشوكة الحلوى وقطعت قطعة من الكعكة.
كانت الحلويات التي يصنعها خباز القصر الملكي لا تضاهى لذتها في أي مكان في العالم. ولذلك، بالطبع، هو “خباز القصر الملكي”.
“أوني! أوني!”
“همم؟ كورت.”
تجاوزت روزنتين مرحلة الطفولة، وبدأت تظهر عليها علامات الأنوثة شيئًا فشيئًا، وكان جمالها يتفتح كالزهرة.
وسماع الناس يقولون إنها تشبه أمها فيوليتا وهي تنمو، كان يسعدها كثيرًا. وكانت أشعة الغروب تضيء شعرها الذهبي المتدفق.
كانت كورت تقول ذلك أثناء تمشيطها لشعر روزنتين، الذي يحمل لونًا أكثر إشراقًا من شعرها.
الآنسة الصغيرة، التي لم تخض بعد أول ظهور رسمي لها، بدأت تُعرف تدريجيًا داخل القصر الإمبراطوري.
لذلك، انتشرت أيضًا الأحاديث بأن ابنة عائلة أرجين كانت ذكية ومثقفة منذ صغرها.
“أريد أن أرى القصر الإمبراطوري.”
كان من اللطيف جدًا سماعها تقول ذلك بشفاهها الوردية المتحركة. أحبت كورت روزنتين أكثر من أي شخص في العالم.
منذ اللحظة التي التقت فيها أعينهما بعد ولادة كورت، شعرت روزنتين أن حياتها ستتغير في اتجاه مختلف. لقد واجهت لأول مرة شخصًا تريد حمايته.
الرضيعة الصغيرة، التي لم تكن تتوقف عن البكاء حتى عندما تحملها فيوليتا، كانت دائمًا تهدأ وتبتسم عندما تلوّح لها روزنتين بلعبة.
كان لها شعر أشقر باهت وعيون زرقاء داكنة جميلة. يا له من فرق عن الوقت الذي كانت تبكي فيه وحدها في غرفة باردة في كوريا. في ذلك الوقت، لم يكن هناك حتى من يستمع لبكائها.
“الأسرة… شيء رائع حقًا.”
هكذا فكّرت روزنتين، وبسبب شعورها الجميل ذاك، عانقت كورت بقوة. وتعالى صوت نقي “كياا!” في الأرجاء.
كانت أشعة الشمس تسطع على الطاولة الخارجية التي كانت تجلس عندها.
—
الآن، هما داخل القصر الإمبراطوري. في الأصل، لم تكن روزنتين تود القدوم إلى القصر، لكنها لم تستطع مقاومة طلب كورت بعينيها المُشرقتين.
ومثلها، بدأ والدها هايمت يأخذ كورت إلى القصر منذ أن بلغت التاسعة من عمرها. كان الهدف تعريفها برجال السياسة وجعلها تتعرف على القصر الباهر.
وبالرغم من أنهما فتاتان، وكان من المستبعد أن تشغلا مناصب، فإن هايمت، وفقًا لرغبة فيوليتا، استمر في تعليمهما. كان ذلك ضربة حظ بالنسبة لروزنتين.
“إلى أين في القصر؟”
“هممم… أممم…”
فكّرت كورت الصغيرة قليلًا، ثم ضحكت وقامت بعناق روزنتين. ومع وزن الطفلة المتعلقة عند خصرها، تمايلت روزنتين وابتسمت.
“لا أعلم! سأذهب إلى المكان الذي تريدينه، أوني!”
“هل نذهب إلى الحديقة؟”
“هممم… رأيت الحديقة من قبل، أريد أن أرى الداخل.”
– اختيار ممتاز.
– الداخل أجمل بكثير من الخارج.
نعم، لولا الأرواح الثرثارة التي تهمس بجانبها، لكان كل شيء مثاليًا تمامًا.
تظاهرت روزنتين بأنها لا تسمع الأرواح، ومالت برأسها على شعر كورت الأشقر، ثم همست في الهواء وهي تسدّ أذني كورت:
“اصمتوا.”
منذ أن اكتشف أحد الأرواح قدرتها عندما كانت في التاسعة، كانوا يتجمعون حولها دائمًا عندما تدخل القصر.
ربما لأنهم أرادوا إيصال أصواتهم إلى الأحياء؟ كانوا يزعجونها كثيرًا، حتى أن روزنتين، التي كانت تكره هذه القدرة أصلًا، بدأت تتردد في زيارة القصر.
“أوني؟”
“هم؟ كورت؟”
“ماذا قلتِ للتو؟”
“لا شيء، كنت أفكر أن نذهب إلى المكتبة.”
“المكتبة…؟ مكـ…تـ…بة…”
همهمت كورت وهي تدفن وجهها في صدر روزنتين، ولأنها لم ترد بسرعة، ابتسمت روزنتين.
اقترحت المكتبة لأنها ستكون مكانًا هادئًا وخاليًا من الناس، لكنها فكرت كم أن المكتبة قد تكون مملة لطفلة.
حتى هي لم تكن تقصدها كثيرًا. صحيح أن تاريخ هذا العالم الجديد مثير للاهتمام قليلًا، لكنه…
“لا تريدين، أليس كذلك؟”
“لا! طالما أنتِ معي، فأنا أحبها! أريد أن أذهب!”
رفعت رأسها فجأة. ومع تطاير شعر كورت، لم تستطع روزنتين أن تمنع نفسها من الضحك. كان رد فعلها المتوقع لطيفًا للغاية.
بوجه مبتسم، انحنت روزنتين وفركت خدها بخد كورت. وأظهرت كورت تعبيرًا يشبه وجه جرو سعيد، ثم عانقتها بقوة، وكأن هذه اللحظة هي قمة السعادة بالنسبة لها.
“إذن، بدلًا من المكتبة، هل نذهب لرؤية قاعة الحفلات؟”
“قاعة الحفلات؟”
“نعم. هذا هو المكان الذي سترتدين فيه فستانًا جميلًا في المستقبل. وسنطلب كعكة فواكه في طريق العودة.”
“نعم، أحبها! الأفضل على الإطلاق!”
– قاعة الحفلات في القصر جميلة جدًا.
– أنا من أمرت ببنائها.
– بأفضل تصميم، نفذه أفضل حرفي. وكان ذلك قبل 200 عام…
القول إن الموتى لا يتحدثون هو محض هراء. أظهرت روزنتين تعبيرًا ساخرًا وهي تستمع إلى الثرثرة من حولها.
تراجعت الأرواح قليلاً عندما رأوا على وجهها علامات اللامبالاة والاستهزاء.
يا لهم من مزعجين. كل ما يريدونه هو التحدث مع الأحياء، وكانوا مجرد نبلاء مدللين في حياتهم السابقة.
ولذلك، فهم لا يعلمون كم الشتائم التي تعلمتها روزنتين أثناء عيشها في كوريا.
أمسكت روزنتين بيد كورت، وتركت خلفها الحلوى التي أكلت منها بضع لقيمات، وسارت نحو القصر.
وقبل أن تدير ظهرها، لم تنسَ أن تهمس للأرواح بحركة شفاه فقط:
“ثرثارون.”
– كخ!
– كم أنتِ وقحة…
—
“أوني! روزنتين أوني! أنا خائفة!”
“كورت! كورت!”
تدور الكلمات في رأسها وسط الدوخة. لم تستطع روزنتين حتى الصراخ، فبدأت تخبط بقدميها مثل طفلة صغيرة.
لا يمكن أن يحدث هذا. في الحقيقة، لم تكن تعرف حتى ما الذي يجري.
رأت عيني كورت تتحولان إلى السواد، ولم تعرف ماذا تفعل، فشعرت أن صدرها يحترق.
حدث ذلك في لحظة.
كانتا تتجولان في قاعة الحفلات، وهناك، دخلت كورت من خلال باب مغلق كأنها مسحورة.
ورغم أنها نادتها مرارًا، كانت ترد بـ”هممم”، إلا أن من فتحت الباب لها كانت روزنتين.
ربما كان من الأفضل لو أمسكت بها وهربت بعيدًا.
داخل الغرفة، رأت شبحًا بلا ملامح، متجمّدًا في مكانه.
كان من نوع الأشباح التي لا تؤذي عادة. لم تكن تتكلم أو تتفاعل، بل تتجول فقط.
لكن الأمر كان مختلفًا بالنسبة لكورت.
الطفلة ذات العشر سنوات، حدّقت في مكان وجود الشبح بلا حراك، والشبح، وكأنه أسد شَمّ رائحة دم، انقضّ عليها.
لم تستطع إيقافه. حتى لو كان بطيء، فكيف يمكنها إيقاف شيء بلا جسد؟
صرخت، ثم غطّت فمها لتمنع نفسها من التنفس.
كان الشبح يدخل إلى جسد كورت. وفي اللحظة نفسها، بدأ طرف شعرها الأشقر يتحوّل إلى اللون الأسود.
فتحت روزنتين عينيها على وسعهما وأدركت الأمر:
لو دخل أحد الآن، سيظن أن كورت ساحرة.
لا يمكنها إخبار أحد. فهي الوحيدة التي تعرف بوجود الأشباح في القصر.
كيف يمكنها شرح ذلك؟
هل تقول إن كورت ترتجف لأن شبحًا دخل جسدها؟
وجه كورت أصبح شاحبًا في لحظة.
حتى محيط عينيها تحوّل إلى السواد، وجسدها بدأ يلتوي وكأنها تتألم.
“أو…ني… أ… أوني…”
كانت كورت تنادي روزنتين. مدّت يديها في الهواء كأنها لا ترى، تبحث عن روزنتين الواقفة أمامها مباشرة.
أصبح وجه روزنتين شاحبًا هي الأخرى.
رغم أنها رأت العديد من الأرواح من قبل، لكنها لم ترَ أحدًا يتلبسه شبح من قبل.
لم تكن كاهنة، فلا تستطيع إجراء طقوس الطرد.
أدركت روزنتين، لأول مرة، كم تندم على عدم تعلمها طقوس الطرد، رغم أن هذه القدرة كانت لعنة حاولت الهروب منها طوال حياتها.
“كورت، أنا هنا. أنا بجانبك.”
“أ…نـ… كـ… رر… أونـ… هييك… مؤلم…”
“فقط، فقط اصبري قليلًا. كورت. حسنًا؟ سأفعل شيئًا، سأجد حلاً! سأفعل أي شيء!”
يجب أن أفعل شيئًا. خرجت روزنتين من الغرفة وهي تعض شفتيها.
كاهن؟ ساحر؟ لم تكن تعرف من الذي عليها أن تحضره.
لكن ربما يكون من الأفضل إخبار شخص ما، بدلاً من أن تبقى وحدها.
بدأت تومض في رأسها صور وسائل إعدام الساحرات التي قرأت عنها في الرسوم التوضيحية ذات يوم.
سيكون ذلك مروعًا بالنسبة لكورت.
ربما يمكنها أن تتحمل المسؤولية وتقول إنها السبب في ما حدث لكورت.
قد يؤدي ذلك إلى إنقاذ كورت، حتى لو أصابها مكروه.
تمسكت روزنتين بهذه الفكرة وبدأت بالجري. كان سلوكًا غير لائق لسيدة في السادسة عشرة، لكنها لم تهتم.
كان الممر طويلاً. وكان الطريق الذي سلكته للوصول إلى كورت أطول مما ظنت.
وفي نهايته، رأت شبحًا ذو شعر بلاتيني يلمع.
بدا وكأنه كان ينتظرها.
عند مدخل الممر القديم للقصر الذي لا يدخله أحد، أوقفها الشبح بجسده الشفاف، وكأنه من الأحياء.
للحظة، ظنّت روزنتين أنه حي.
وجه هادئ وابتسامة لطيفة. تلك الهالة هدّأت روزنتين للحظة، لكنها عبست فور إدراكها أنه شبح.
“ابتعد. لا وقت لدي.”
– عمن تبحثين؟ كاهن؟ ساحر؟ سيموتان كلاهما.
“هل تعتقد أنك تدرك الوضع؟ ها؟ تبًا! إذًا من عليّ أن أبحث عنه؟!”
– سواء تركتها، أو لم تفعلِ، شقيقتك ستموت.
“كورت لن تموت!”
صرخت روزنتين. لم تعد تهتم بمن سيأتي أو يسمعها. كانت على استعداد لتحمل العواقب وحدها.
دار الشبح حولها ببطء. بدا وكأنه يحاول تهدئتها، لكن ما قاله لاحقًا كان أكثر تأثيرًا من أفعاله.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"