الفصل الأول: سرّها

هناك ركيزتان في القارة، من بينهما الركيزة المسؤولة عن الحكمة والعقل، عائلة “أرجين”.

الابنة الكبرى لعائلة “أرجين” النبيلة “روزنتين”.

الكلمات التي تصفها عادة ما تكون كالتالي

شعر ذهبي مائل للحمرة، وعيون زرقاء نقية. ابنة دوق، نبيلة ذات جمال وأناقة.

سيدة درست وتعلمت رغم كونها أنثى، كما يليق باسم أرجين.

لم يكن غريبًا أن تحيط الأوصاف الفخمة بـ روزنتين.

لو استثنينا فقط ذكريات حياتها السابقة.

«آآااه! أآآااه!»

الكلمة الأولى التي نطقت بها روزنتين في قارة “أكرانا” كانت بكاءً.

في ذلك الوقت، لم تستطع إدراك ما يحدث بسبب الألم والضغط الناتجين عن الولادة الجديدة.

وبعد أن نامت واستيقظت مرارًا وتكرارًا، أدركت أخيرًا أنها بين ذراعي امرأة تنظر إليها بحب.

كانت تلك المرأة هي الدوقة “فيوليتا أرجين”.

في البداية، لم تكن “سورو” (اسمها في حياتها السابقة) تأكل كثيرًا ولم تكن ترغب في النوم، وكأنها تحاول البقاء متيقظة بأي شكل.

فذكريات موتها في حياتها السابقة ــ حيث صدمتها سيارة ــ ظلت تطاردها كصدمة نفسية.

لكن والدتها فيوليتا كانت جميلة، لطيفة، وتنشر السعادة من حولها.

وبعد مرور شهر، وبعد أن بدأت سورو تستوعب وضعها الجديد، هدأت تدريجيًا بفضل تفاني فيوليتا.

الأطفال يبكون كثيرًا بطبيعتهم.

لكن روزنتين كانت تبكي أكثر عندما ترى فيوليتا، وكأنها تستجدي منها أن تحضنها. 

ربما كانت تبكي أكثر لأنها شعرت بحنان الأم لأول مرة.

وهكذا وُلدت “روزنتين أرجين”.

وُلدت في كوريا، وماتت في حادث سيارة، ثم استيقظت في عالم جديد.

لم تكن هناك قارة تُدعى كوريا أو أمريكا.

في البداية، لم تدرك روزنتين هذه الحقيقة.

حتى بلغت الخامسة من عمرها، وعندما أُهديت لها خريطة معلّقة كهدية، صرخت مذعورة لأول مرة حين أدركت الحقيقة.

قبل ذلك، كانت تظن فقط أنها وُلدت في عائلة أجنبية.

لا تعرف لماذا لم تُمحَ ذكريات حياتها السابقة.

لكنها لم تكن تشعر بخيبة أمل كبيرة لأنها وُلدت من جديد.

فقد كان والداها طيبين، وحبهما شفى قلب سورو التي عاشت في حياتها السابقة وحيدة من دون عائلة.

وُلدت كابنة لعائلة أرستقراطية.

في موقع رفيع تابع لدوقية أرجين.

صحيح أن السلطة الملكية أصبحت أقوى وانخفضت مكانة النبلاء، لكن مكانة الدوقية كانت لا تزال مؤثرة في جميع أنحاء القارة.

ومع الوقت، بدأت روزنتين تدرك هذه الحقيقة.

“آه، لقد ربحت اليانصيب.” 

لكن كانت هناك مشكلة أخرى.

روزنتين لا تزال ترى الأرواح.

عندما كانت في الثالثة من عمرها،

كان صبي مات بعد سقوطه من سقف الإسطبل يلوّح لها بجانب مهدها، وكانت سيدة راقية توفيت منذ 70 عامًا تلوّح لها بمروحتها.

شكرتهم بهدوء وأومأت برأسها، ثم أدركت الحقيقة:

قدرة “العين” التي امتلكتها في حياتها السابقة لا تزال معها.

وربما كان من الطبيعي أن تستمر معها طالما بقيت ذكرياتها.

بعض أجزاء أجسام الأرواح كانت سليمة، وأخرى مفقودة، لكن روزنتين لم تشعر بشيء.

الأرواح التي ماتت بطعن أو سقوط لم تكن أكثر رعبًا من شبح حياتها السابقة الذي مات بسبب سيارة.

بل على العكس، بدأت تعتاد حتى على تلك الأرواح.

“هذه الحياة ستكون مختلفة. سأتجاهلكم.”

قررت سورو أن تخفي حقيقة رؤيتها للأرواح وتعيش كـ روزنتين 

فقد وجدت في هذا المكان كل ما كانت تتمناه: أم حنونة، وأب لطيف.

كانوا يختلفون تمامًا عمّن فرّ منها سابقًا قائلًا إنها تثير القشعريرة.

وبما لأنها احتفظت بذكرياتها، لم تكرر روزنتين الأخطاء التي ارتكبتها كرضيعة في كوريا.

أخفت تمامًا حقيقة رؤيتها للأرواح.

لم يكن أحد يعرف سرّها.

وعندما بلغت السادسة من عمرها، وُلدت شقيقتها الأصغر “كورت”، فترسخت عزيمتها أكثر.

حين أمسكت الطفلة الشقراء الصغيرة بأصبعها لأول مرة، شعرت بقلبها يمتلئ.

كانت كورت تضحك في كل مرة ترى فيها روزنتين، حتى لو كانت تبكي قبلها بلحظة.

تلك الطفلة الصغيرة، كورت، أصبحت أول شخص تقرر روزنتين حمايته.

لم تكن تعرف هذا الدفء من قبل.

كانت ذكية بالفطرة… ومع أنها بدأت تعليمها مبكرًا بفضل عقلها السابق، فقد أدركت أنها كانت محظوظة للغاية.

“المشكلة تكمن في الإمبراطورية…”

كانت المشكلة في القوانين: “السحر محظور”، أو “أي سحر غير مصرح به من الدولة ممنوع”.

في كارتاجين، حيث يُضطهد السحرة، لم يكن هناك من يجرؤ على التورط في السحر علنًا.

و روزنتين كانت كذلك.

لم تكن تستطيع ممارسة السحر، ولم تكن تهتم به أصلاً.

أسوأ شيء بالنسبة لها هو الحيوانات اللزجة مثل الضفادع أو الحشرات الكثيرة الأرجل مثل الألفية الأرجل، كانت تمقتها بشدة.

فكيف تهتم إذًا بمجال تكون هذه المخلوقات فيه مواد أساسية؟

لكن القدرة على سماع حديث الموتى والتواصل معهم، كان يُعد سحرًا في عقول الناس.

وهي تكررت مرارًا في حياتها السابقة.

حاولت تحذير الآخرين من خطر الأرواح، لكنهم عاملوها بالاشمئزاز مئات المرات.

حتى أنها لُطمت على وجهها أكثر من مرة بحجة أنها “مزعجة”.

وبصراحة، كانت تفهمهم.

فما مدى الرعب في أن يُخبرك أحدهم بشيء مخيف لا تدركه؟

لهذا السبب، ظلت صامتة طوال الوقت.

وحتى في بيت دوقية أرجين، استمرت هكذا.

كان والدها “هايمت أرجين” رجلًا ذكيًا، يعاون الإمبراطور نفسه، كما يليق بلقب “أرجين صاحب الحكمة”.

وقد نشأ مع الإمبراطور منذ الصغر، فكان يعود كل يوم من الاجتماع الرسمي وهو ممسك برأسه، ويجلس مع زوجته يحتسيان النبيذ سويًا.

“رأيت اليوم من الحمقى ما يكفي، فدعيني أنظر إلى أجمل زهرة في العالم.”

وبعد ولادة روزنتين وكورت، أصبحت الإثنتان من ضمن تلك الزهور.

كانت روزنتين ترى والدتها زهرة حقيقية. بل كانت كذلك بكل معنى الكلمة.

تصرفات راقية، صوت لطيف، وأفكار نبيلة.

حتى عندما شعرت روزنتين بالإحباط خلال دروس الحياة الأرستقراطية مع المعلمة، كانت فيوليتا تُصرّ على أن تفعل ما تؤمن به.

ولطالما راودتها الرغبة في البوح بسرها.

“ربما ستتفهمني.”

لكن السر يُحفظ كلما قلّ عدد من يعرفه.

رغم ذلك، ظلّ إيمانها قائمًا.

حتى عندما شاركت أختها الصغرى بالسر في العام الذي بلغت فيه كورت العاشرة.

كانت سياسات “كارتاجين” المناهضة للسحر شديدة الصرامة.

وعندما درست روزنتين تاريخ الإمبراطورية، فهمت معنى أن يتم تصنيف السحر على أنه “عدو رسمي”.

“إذًا لا يمكن أن أكون عدوًا.”

هكذا فكرت.

إلى وقت قريب فقط!

كانت تظن أنها ستعيش بهدوء إلى الأبد.

وإن بذلت جهدها، ستجد زوجًا مناسبًا وتتزوج وتعيش سعادة لم تعرفها في حياتها السابقة.

رغم وفاة فيوليتا، كانت متأكدة أن هايمت لن يتخلّى عنها أبدًا.

لكنها الآن على وشك كسر السر الذي حافظت عليه طويلًا.

وبدأت القصة منذ ذلك الحين.

قد تكون مضت فترة طويلة، لكن لو أردنا التدقيق، فكل شيء بدأ من هناك.

لو أنها لم تذهب إلى القصر الإمبراطوري في ذلك اليوم، لما كانت روزنتين مضطرة للانخراط في هذه الأحداث.

ربما كانت ستعرف بالنتائج فقط بعد انتهاء كل شيء، وتذرف الدموع حزنًا.