الموسيقى التي كانت تُسمع كانت جميلة لدرجة أن الأمر أسعدها كذلك. روزنتين ردّدت في نفسها مرارًا أنه يجب أن تستعيد تركيزها.
وهي تتبع خطوات شارتوس، خطت برجليها لتدور إلى اليسار. وحين رفع يدها فوق رأسها ممسكًا بها، كان ذلك إشارة إلى أن عليها الدوران. لقد كان يتحرك فعلًا وكأنه يعلّمها، بدقة وبكل التفاصيل، حتى شعرت بجسدها بأكمله يراعيها.
وكما قال شارتوس، فإن مثل هذا الرقص يستحق فعلًا أن يُستمتع به في حفلة. لقد كان وفيًّا لما قاله، بوجه يشي بأنه هو نفسه مستمتع.
لكن روزنتين، بسبب غموض تصرفاته، لم تستطع إلا أن تفكر: “أهكذا كان يُغوي جميع السيدات اللواتي اقتربن منه؟”
نسيم الحديقة تسرّب إلى ابتسامة شارتوس، فجعل وجهه يبدو وكأنه تحرّر من كل قيد. بوجه كهذا، لم يكن يسهل عليها أن تصدق أنه سيمد يده حتى إلى حفيدة عرّافة جوّالة.
تلاقت عينا شارتوس وروزنتين عن قرب.
وكانت ذروة المقطوعة الموسيقية تقترب. وبعد أن أرسل إليها نظرة بعينيه، أحاط بخصرها ورفعها عاليًا.
“آآه!”
ومع دوران المشهد حولها، نسيت روزنتين كل ما كانت تفكر فيه، وانفجرت ضاحكة.
وشارتوس، وهو يحملها بقوة، كان يدور بها مرارًا ليزيّن ختام الرقصة.
ولمّا أنزلها، كانت قد استمتعت بنسمات الهواء إلى أقصى حد.
الموسيقى انتقلت إلى المقطوعة التالية. روزنتين، وقد داهمها الدوار، تمايلت فاستندت إلى شارتوس، وظلّت في وضعية الرقص كما هي.
التقطت أنفاسها قليلًا. كان هناك سؤال أرادت طرحه منذ لحظات، وانتهزت الآن الفرصة:
“هل تحاول إغرائي؟”
لم تظن أن شارتوس يتصرف هكذا فقط لأنها كادت تموت من أجله. لم يكن من الممكن أن تكون قيمتها عنده عالية إلى هذا الحد.
فحتى لو كانت خادمة مخلصة، فهي في النهاية مجرّد موظفة بعقد، شخص يحتاج ولاءها لتكسب ثقته.
صحيح أن روزنتين كانت مستعدة لأن تستخدم كل ما لديها عند الضرورة، لكن إن كان تعامل شارتوس معها بدافع نوايا خبيثة، فالأكيد أنها ستتأذى.
ابتسم شارتوس ابتسامة مُرّة. كان في ابتسامته شيء يلسع في الداخل. ثم قال بصوت قصير، عميق، صادق:
“……لن أقترف فعلًا يُهين عزمك.”
كان يعني بذلك أنه لن يعاملها كمجرّد نزوة عابرة لليلة واحدة.
حفيدة عرّاف جوّال. امرأة بمثل هذا الأصل، لم يكن أي نبيل ليتكلف عناء إغوائها، بل يكفي أن يستخدم مكانته وقوته ليفرض عليها ما يشاء.
وللأسف، كان ذلك واقع هذا العالم، مهما بدا جائرًا. وهو بالتحديد ما جعل روزنتين تشك في الأمر: لماذا يفعل أشياء ليست ضرورية، وكأنه فعلًا يكنّ لها اهتمامًا؟
ولذلك لم تستطع أن تفهم ما الذي يراه فيها.
لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا: شارتوس احترم كل ما أظهرته من قدرة، وكل ما بذلته من جهد في سبيله.
“أتعلمين…”
قال شارتوس وهو يتركها من بين ذراعيه. يده أعادت بمهارة طرف ثوبها الذي ارتفع قليلًا.
لم يكن كاذبًا حين قال إنه أراد أن يراها ترقص. أراد أن يعرف وجهها الآخر، غير ذاك الذي يحارب من أجل البقاء. الوجه الذي قد يظهر تحت ضوء القمر.
“لم يحدث قط أن ورط أحدهم حياته لحمايتي. حتى أنا نفسي لم أفعل ذلك.”
لماذا يغامر أحدٌ بنفسه لينقذ حياته هو؟
شارتوس تذكّر روزنتين وهي تقف أمامه حاملة الخنجر، لتقول إنها من ستتقدم.
وجه لم يتراجع قيد أنملة، وعيون مشتعلة.
لم يتذكر أنه رأى شيئًا بهذه القوة من قبل.
“لقد كان أداءً مؤثِرًا. سأنتظر ما تبقى منه.”
كان ذلك إعلانًا بأن مهمة قد أُنجزت بنجاح.
—
“…بما أن سموّك كنت هناك، فقد ظننت أن لا داعي للقلق.”
“لوسين!”
“بينما كنت أعمل بجد، كنتم تلهّون؟”
“أنقذت حياة ثم تقول أننا نلهو؟”
عند مدخل الحديقة كان لوسين يقف بوجه متصلّب.
فلما رأى على كتف وليّ العهد جسد جاسوس فاقد الوعي، وإلى جانبه روزنتين المتعبة، أسرع إليهما. كان قد وصل إلى الحديقة ورأى الاثنين يرقصان، فتراجع قليلًا بانتظار الفرصة.
لقد كان تصرفه في سبيل سيده، لكن أن يغوي إمرأة في مثل هذه اللحظة، كان أمرًا يثير الدهشة. منذ البداية، لم يكن ممكنًا أن يتوقع المرء ما قد يفعله سيده هذا.
ابتسم شارتوس ابتسامة هادئة.
ثم طرح الجاسوس أرضًا. خرج من فم الرجل أنين مؤلم. كان قد ضرب عنقه بقوة جعلته غير قادر على أن يفيق.
“عليك أن تحذري سموّه، يا روزنتين. فكم من سيدات كانت لهن نهايات تعيسة بسببه.”
“كفّ عن الكلام الفارغ.”
روزنتين لم تفعل إلا أن هزّت كتفيها وهي تفكر بما كان شارتوس قد قاله قبل قليل. كأن حديثه عن “الحياة” لم يكن عن حياتها بالضبط، بل عن أمر بعيد. كالوجه الذي أظهره وهو يفكر بوليّ العهد في المكتبة.
شارتوس كان يُبدي اهتمامًا بها، أو على الأقل فضولًا. كان ذلك واضحًا من كونه يعطيها فرصة تلو الأخرى لتثبت ما قالت له.
حتى لو كان الثمن حياتها.
وإن تذكرت، فإن شارتوس منذ البداية لم يُظهر أي اشمئزاز من كونها مشعوذة.
وهذا ما كان غريبًا. الوحيد الذي حاول أن يقطع رأسها على الفور كان هوستانغ، أمّا لوسين فكان موقفه مشابهًا لموقف شارتوس.
“سأحبس الجاسوس. وأمّا مصيره، فسنناقشه بعد انتهاء الحفل.”
كان يقصد أنه لا يستطيع أن يبتعد طويلًا عن الحفل.
ومن يعرف بأمر هذه الفوضى حتى الآن هم الأربعة المقرّبون من شارتوس، والكونت المرت، والجهة الغامضة التي تقف وراء الأمر.
هزّت روزنتين رأسها موافقة، وهمّت بالعودة إلى موقعها كخادمة. فما زالت لها أدوار كثيرة تؤديها في الحفل.
كانت متعبة جسديًا، لكنها رفضت اقتراح شارتوس أن تذهب للراحة. لو عوملت معاملة خاصة أكثر من اللازم، فستصبح موضع شك.
فاليوم وحده، لم يكن بإمكانها أن تبدّل الكأس المسمومة لو لم تكن مجرد خادمة عادية.
«عليك أن تعالجي جراحك. وأعني بالعلاج غير التقليدي.»
قال شارتوس مشيرًا إلى ظاهر يدها.
تذكّرت ما حدث قبل قليل، فهزّت رأسها بخفة. التفكير فيه مجددًا لم يكن صحيًا لقلبها.
أما لوسين فأومأ برأسه، وكأنه فهم.
“ادخلي. سأزورك لاحقًا.”
“سآتي أنا. لا يبدو لائقًا أن يأتي فارس إليّ.”
قالت ذلك بإيجاز، ثم استدارت. كانت قد أنجزت مهمة، لكن في الحقيقة، كان التحقيق في الأمر يبدأ الآن فقط.
من الجاسوس، إلى كأس النبيذ المسموم الذي حصلت عليه.
كانت لديها خيوط كافية لتبدأ العمل.
ورأس روزنتين كان يعمل بكامل طاقته.
نهاية المجلد الثالث
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 19"
اخخخخخ ما توقعت شخصيه شارتوس بالروايه كذا توقعته يكون باررد مره بس طلع لا😂، حيييل حبييت شخصيته😆😆
شكررررا على الترجمه ❤️❤️