تألّق خنجر شارتوس ببريق حاد. كان الرجل، رغم نزيفه، يحمل وجهًا محمرًّا من الغضب.
انخفض بجسده واقترب خطوة نحو روزنتين، ملوّحًا بالخنجر.
تفادت روزنتين بسرعة إلى الجانب، لكن ظهر يدها احتكّ بالأرض وانخدش، ليتناثر الدم على طول الحوض المجاور للزهور.
وأثناء تراجعها للخلف، وجدت نفسها محاصرة بشجيرات الورد، بدا أنّه لم يعد هناك مجال للهروب، فارتسمت على وجه الرجل ابتسامة باهتة.
بدا وكأنه يفكر: إن قتلتُ هذه المرأة، فسأتمكّن من النجاة.
‘أرجوك دعني أذهب.’
‘روان! سمو الأمير، هذا غير معقول.’
‘إن لم أكن أنا، فهل هناك شخص آخر يمكنه فعلها؟’
‘الأمر خطير.’
‘سأعلّمك طريقة استخدام الخنجر.’
‘سموك!’
الشخص الوحيد القادر على تحديد هوية هذا الرجل والتحدّث مع رانـون كان روزنتين، ولذلك اعتبرت أنّ هذا هو الصواب، رغم شعورها بالقلق.
مرّ الخنجر أمام عينيها، قاطعًا الهواء بحدة.
شعرت وكأن بضع خصلات من شعرها الأمامي قد قُصّت. لكنها بدل أن تغمض عينيها بقوّة، راحت تبحث حولها، فالتقطت غصنًا غليظًا.
لم يكن حادًّا، لكنه على الأقل قد يصلح كأداة ضرب.
‘لا تفكّري في شيء آخر. الطعن والضرب، هذا فقط.’
حين علّمها شارتوس استخدام الخنجر، قدّم عرضًا مثاليًّا للحركة، وكان من المستحيل عليها مجاراته.
ورغم أنّ الحركات لم تكن سوى طعن وضرب بسيطَين، إلا أنّه بثّ منها هالة قاتلة متفجّرة، وكأنها فريسة ألقيت أمام وحش.
وبالمقارنة مع شارتوس، لم يكن هذا الرجل النازف مخيفًا أبدًا.
عضّت روزنتين على أسنانها.
بعد أن قدّم شارتوس المثال مرة أخرى، عدّل وضعيتها بيده. مرة واحدة فقط.
كان المكان ضيقًا، لا يسمح حتى باستخدام الغصن للضرب، فوجدت نفسها في زاوية مسدودة.
لم يبقَ سوى الطعن، فحتى الغصن السميك قد يفتح فجوة ولو صغيرة.
شدّت على أسنانها. لم يكن عليها أن تجرّ شخصًا آخر إلى هذا، فقد تفقد هذه الفرصة للإمساك به.
سحبت نفسًا ضيقًا، وحاولت استعادة هدوئها، مستحضرةً الوضعية التي تعلمتها.
قال الرجل، ممتزجًا بالغضب:
“يؤسفني أن الخطة فشلت، لكن إن قتلتك فلن يبقى أحد ليعيقني بعد الآن.”
فرّجت ساقيها قليلًا لتوفير توازن يمكّنها من صدّ الارتداد عند الطعن بالغصن.
اقترب الرجل بحذر وهو يترقّب اللحظة المناسبة، فهي امرأة وفي زاوية، وسيكون إنهاؤها سريعًا أياً كان الاتجاه.
بل إنه اعتبر حصوله على سلاح جيد كهذا حظًا مفرطًا.
اندفع نحوها، وفي اللحظة الحاسمة تفادت ضربته، ثم طعنت مباشرة.
“آخ!”
ارتجّ جسده مع صوت الاختراق، لكنه لم يكن الوحيد الذي اهتز، فقد اهتزت روزنتين أيضًا، إذ لم يحتمل معصمها الضعيف قوة الصدمة، فانفلت الغصن من يدها.
أغمضت عينيها بقوة، وفكرت: لقد فشلت.
لكن قبل أن تسقط فوق شجيرات الشوك، التقطها أحدهم برفق.
“وضعيتك جيدة.”
كان شارتوس.
انسكب صوته العميق والهادئ عند أذنها، ففتحت عينيها باتساع وهي ترى وجهه قريبًا منها، وجه لم تتوقع ظهوره هنا.
“س… سموك؟”
“يبدو أنك تملكين الموهبة.”
“ماذا عن مراسم الاحتفال؟”
“انتهيت منها. وتركت الباقي لـلوسين.”
أجاب بسرعة وهو يتفحصها بعينيه، متوقفًا عند أطراف ثوبها الممزّقة وظهر يدها المخدوش.
شعرت في لحظة أن ملامحه تجمّدت، لكن قبل أن تتأكد، كان قد أنزلها برفق.
كان إخضاع الرجل المذعور مسألة لحظات، وشارتوس أطلق من هالته القاتلة أكثر من المعتاد.
أما روزنتين، فبقيت تحدق فيه بذهول، وجسدها المنهك بالكاد يتحرك.
وبينما كان يخنق الرجل، تمتم بصوت منخفض:
“لو لوّحت بسكينك مرة أخرى، لتمزقت أطرافك.”
كان صوته باردًا لدرجة مخيفة. الرجل، الذي بدأ وجهه يشحب من انقطاع النفس، أطلق أصوات ألم مكتومة.
زاد شارتوس الضغط ببطء، وهو يملي عليه ببرود ما يجب أن يفعله:
“على الأرجح، سيُتخلّى عنك. لأنك لم تُنجز ما أمرك به سيدك. لذا، اذهب وتوسّل إليه، واطلب فرصة أخيرة، وعده بأنك ستنجح في المرتين المتبقيتين من اتفاقكم.”
“ك… كخ…”
“ثم أحضر إليّ تلك المعلومات.”
كان هذا سبب إصرار روزنتين على الإمساك بالرجل، فهي كانت تنوي استخدامه لكشف بقية الخطة وهوية من يقف وراءها.
“تذكّر، أينما كنت ومهما كان، أنك لم تُعدم اليوم إلا لتبقى على قيد الحياة حتى ذلك اليوم. وتذكّر من أنا.”
قالها شارتوس في أذنه بصدق مزلزل جعل روزنتين ترتجف قليلًا.
ورغم أنها لم تكن في مواجهة عدوها مباشرة، إلا أنها أدركت فجأة مدى القوة التي يمتلكها الأمير الثاني، وارتجف كتفها بخفة.
“هذا ليس سيفًا يليق بك أن تمسكه.”
قالها قبل أن يفقد الرجل وعيه.
كان خنجر يلمع بحدة في يد شارتوس، نفخ عنه الغبار، ثم تقدم نحو روزنتين.
“كيف كان أداء الخنجر؟”
“خفيف جدًا وحاد، يا سيدي.”
أجابت وهي تحاول أن تمنع نفسها من الارتجاف.
ألقى نظرة عليها بصمت، ثم أسقط الخنجر على الأرض.
“بفضله استطعت أن أستعمله أ… آه!”
لم تكمل جملتها، فقد أمسك بيدها فجأة وجذبها، لتجد نفسها بين ذراعيه، محاطة بحرارة حضنه.
التعليقات لهذا الفصل " 16"