“أتيتِ مبكرًا.”

“كنت سآتي على أيّ حال.”

“لقد زاد وزنكِ بعض الشيء.”

كان تعليق شارتوس موجهًا بوضوح إلى ملابس روزنتين المنتفخة.

كان عبق الزبدة والكرز يتصاعد منها في آنٍ واحد.

ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجه شارتوس.

كان يراقب ما ستفعله في مكانٍ لا يطيق أحدٌ البقاء فيه، وها هي مغطاة تمامًا برائحة المطبخ.

شكلها كان مفاجئًا، لا يشبه أيّ تصور خطر في ذهنه عنها.

“الحيوانات التي تخزّن طعامها تميل إلى اكتساب بعض الوزن، كما تعلم.”

ردّت روزنتين بخفة، في إشارة إلى أن الظروف أرغمتها على تخزين الطعام.

ابتسم شارتوس أكثر.

أما روزنتين، فكانت تبحث في الأرجاء عن هوستانغ.

صحيح أن لوسين كان وسيمًا بشكل حزين، لكن لا مقارنة بينه وبين شارتوس.

وبما أن هوستانغ لم يكن موجودًا، لم تستطع إلا أن تنظر بازدراء إلى الكرز الذي تمسكه.

تمنت لو أنها أضافت بندًا آخر إلى عقدها… بند يمنع شارتوس من الضحك.

“هل حدث شيء؟”

“يبدو أن شيئًا ما حدث لك أنت، سمو الأمير.”

كان ذلك يعني ضمنًا أنها لن تخبره بما جرى بينها وبين الخادمات.

ثم رفعت عينيها ونظرت إلى شارتوس بنظرة حاسمة، وكأنها تقول: “أنا سأقوم بما جئت من أجله.”

هزّ شارتوس رأسه وأشار بإصبعه على الطاولة أمامه.

كانت هناك رسالة مفتوحة، قد فُك ختمها.

وكان لوسين، الجالس إلى جوار شارتوس، ينظر إلى روزنتين بدهشة.

فلم تكن فقط ترد على شارتوس دون تردد، بل بدا له أن شارتوس مستمتعٌ بذلك أيضًا.

في الحقيقة، كان الأمر يبعث القشعريرة؛

فرغم أن شارتوس لم يبتسم إلا قليلًا، كانت هذه المرة الأولى التي يراه فيها يبتسم لفترة طويلة… رغم مرور 15 عامًا من خدمته له.

“الدليل.”

لم يكن قد مر سوى نصف نهار على وصول روزنتين إلى القصر،

ولم تمضِ ساعتان على خروجها من غرفة الغسيل.

ورغم ذلك، كان شارتوس يطلب منها شيئًا، وكأنها قادرة على إنجازه.

لكنها أومأت برأسها وكأن ذلك طبيعي. 

“اسمح لي أن أرى الرسالة أولًا.”

“اقرئي.”

“ما رأيك فيها؟”

“أفضل أن أسمع رأيك أولًا. ما الذي تعتقدين أنني فكرت فيه؟”

كان ذلك أشبه بسؤال فلسفي.

ثم دفع شارتوس الرسالة باتجاهها باستخدام سكين فضي مخصص لفتح الرسائل.

توقفت الرسالة عند طرف الطاولة أمام روزنتين،

وكان المظروف مفتوحًا، كأنه يقول: “اقرئي الآن.”

ابتسمت روزنتين ابتسامة خفيفة تحمل نفاد صبر.

(ها هو يختبرني علنًا الآن).

بدأت تندم لأنها وُصفت بالذكية،

فالمهنة التي اختارتها طوعًا كانت “محققة”، لكنها تجد نفسها تتلقى أوامر خادمة، وتخضع لاختبارات متتالية، بل من قبل “الفارس الذي لم يُهزم”.

تنفست بعمق، وفتحت المظروف.

المرسل: الكونت المرت.

كان خط يده رفيعًا وحساسًا، كخط التجّار.

بدأت تقرأ ببطء، وكان شارتوس ولوسين يراقبانها.

“إلى سمو الأمير الثاني، أرسل إليكم هذه الرسالة بكل احترام.

أرجو أن تعذروني على تواصلي السري معكم.”

(أكثر تهذيبًا مما توقعت.)

رفعت حاجبيها بدهشة طفيفة، ثم تابعت القراءة.

ظنّت أنها رسالة من خصم سياسي،

تتضمن تهديدًا بالتوسّع أو عرضًا للتحالف السري.

لكن مع تقدّمها في القراءة، بدأ وجهها يتجمّد شيئًا فشيئًا.

كان شارتوس يراقبها باهتمام.

فهو، من جانبه، كان قد استنتج جزءًا من المخطط.

وكانت هذه الرسالة تحديدًا هي السبب في شعوره أن “الكارثة من تدبير البشر”.

“خلال حفلة عيد ميلاد الأميرة أفينتوا القادمة، أرجو ألا ترفع الكأس الذهبية.

أرجوك سامحني، فذلك الكأس مسموم.”

كانت مؤامرة اغتيال معلنة.

شعرت روزنتين بدوار، ولم تستطع الكلام فورًا.

لكنها بدأت تفكر بسرعة، وظهر أمامها سؤالان:

1. هل الكونت المرت هو من يقف خلف مؤامرة الاغتيال التي تعرفها؟

2. هل هذه المؤامرة هي ذاتها التي كانت تعرف عنها؟

نظرت روزنتين إلى شارتوس بوجه بارد، وكان هو الآخر يبتسم ببرود.

“هيا، أخبريني الآن. ما الذي تعتقدين أنني فكرت فيه؟”

لم يكن ذكيًا فحسب.

كان شارتوس يعلم أكثر بكثير مما ظنت.

لو كانت الرسالة قد أتت من شخص عادي، لربما تجاهلها.

لكن الذي أرسلها هو أقوى نبلاء جناح ولي العهد.

وقد أصبح هدفًا للشك بسبب مشعوذة غامضة.

أدركت روزنتين الآن فقط، لماذا قَبِل بها شارتوس بسهولة.

رجل يبدو ضجرًا من الحياة، يقف في وسط معركة سياسية دون أن يُظهر نواياه… لماذا يقبل بها فجأة؟

ضحكت.

بدأت تشك أن هذا الذي دبّر كل شيء، ربما هو نفسه من أرسل هذه الرسالة.

وإن كان كذلك، فهو بارعٌ بالفعل.

“سأتنبأ. في يوم حفلة عيد ميلاد سمو الأميرة أفينتوا، سيكون هناك كأس واحد يحتوي على السم.”

“هل هذا تنبؤ، أم لعنة؟”

“رؤية من الماضي. الكأس المسموم يخص ولي العهد، وأمرت إحدى الخادمات بتبديل الكؤوس.”

(وقحة!) 

كأن صوتًا في الخلفية صاح بذلك.

لو كان هوستانغ هنا، لكان أشهر سيفه فورًا.

عينَا روزنتين كانتا تلمعان بلون أزرق ناري.

وتجمّد وجه شارتوس.

“لن أقول إنك كنتِ وقحة.”

“لأنه لا وجود للوقاحة في مسألة تتعلق بالموت.”

“كيف علمتِ؟”

“رأيت ذلك قبل قليل، قرب برج الساعة… الماضي.”

المعلومة التي حصلت عليها من الأشباح، تحوّلت فجأة إلى “قدرة خارقة”.

تنهد شارتوس بهدوء، لكنه لم يعترض.

فهو من استدعى مشعوذة، مما يعني أنه مستعد لتصديق هذا النوع من الكلام.

وروزنتين كانت تعرف ذلك.

“لكن لا يمكنني معرفة مَن سيحمل الكأس الذهبي.”

“هل هو الكأس الذي يحصل عليه الأمير، أم الكأس الذي يجب تجنبه؟”

“إذًا، فهل الكأس التي عليّ تجنبها هي الكأس المسمومة؟ أم أن الكأس ستعطى لي على أية حال؟”

“إنها معضلة.”

علّق لوسين من جانبه، وبدت عليه الجديّة أيضًا.

لم يتبقَ على الحفلة سوى ثلاثة أيام.

ولو لم يقرأ شارتوس هذه الرسالة، لربما مات بالفعل.

لكن روزنتين أشارت إلى احتمال مختلف:

ربما الكأس الذي عليه تجنبه هو الغير مسموم.

“ما رأيك بالكونت المرت؟”

“رجل يحب المصالح.”

“وإذا توفّيتم، هل تظن أن المصلحة ستكون له؟”

طرحت روزنتين سؤالًا يكاد يكون من المحرّمات،

فهو يشير ضمنًا إلى صراعٍ مع ولي العهد.

ابتسم شارتوس بانحراف،

وبوجه أشبه بإله قديم يقف على حافة الهاوية،

نظر إلى مكتبته، وقال:

“من يدري؟”

وكان هذا نهاية جوابه.

لكن روزنتين فهمت أنه لا يعني بذلك الموافقة التامة.

وفي تلك اللحظة، خطر في بالها شيء:

“عاج مورا”،

ذلك الكنز الأسطوري الذي يقال إنه يشفي جميع الأمراض.

فماذا لو مات شارتوس، واتضح لاحقًا أن عاج مورا حقيقي؟

كيف سيتغيّر كل شيء؟

“هل تعرف عن عاج مورا الذي لدى الكونت هيرمان؟”

حدق بها شارتوس مطولًا. واتسعت عينا لوسين بدهشة.

“تبدين وكأنك تعرفين كل شيء.”

“لأني ذكية.”

“سأقول إنها موهبة روحية.”

ابتسم شارتوس باقتضاب.

وكان لوسين يراقبه بدهشة أيضًا.

“بما أن سموكم تفضّلون الصمت وتستمتعون بالموقف، فسأسأل أنا.”

“لا تتفوهي بتفاهات.”

“أظن أني لم أقل شيئًا خاطئًا.”

وقد بدا على وجه لوسين الجديّ، ذكاء حاد فجأة.

لأول مرة لاحظت روزنتين أن لون عينيه يشبه مستنقعًا عميقًا.

وقد لاحظت الآن فقط أن شارتوس يبدو مستمتعًا بالوضع، رغم أن المؤامرة تدور حول حياته نفسها.

فكّرت: حتى نوّابه يختارهم بعناية… غرباء أطوار.

“قلت إن خادمة أُمرت بتبديل الكؤوس، أليس كذلك؟

أليس من الأفضل القبض عليها اذن؟”

“المشكلة أن الأمر الذي تلقّته كان محدودًا.”

بلع لوسين ريقه.

فهو يعلم أن القبض عليها وحده لن يكشف الجهة التي أصدرت الأمر،

ولا حقيقة هذه الرسالة.

“سؤال، سمو الأمير.”

“ما هو؟”

“لمن سيذهب عاج مورا؟”

نظرت روزنتين مباشرة في عينيه،

وكانتا كجليد لا يمكن بلوغه في أرضٍ ثلجية.

قال ببطء:

“إليّ.”