الحلقة 111
بعد انتهاء محاكمة نوكتوس الخاصة بكاير، مرَّ شهرٌ كلمح البصر.
نظرًا لأن العرش الإمبراطوري أصبح شاغرًا فجأة، تولّى لياموس منصب الإمبراطور بالإنابة حتى موعد حفل تتويجه رسميًا.
اتفقت الكنيسة العظمى والعائلة الإمبراطورية على إعادة صياغة القوانين المتعلقة بمحاكمة نوكتوس، مما أدى إلى تأجيل محاكمة كاير إلى أجل غير مسمى.
بفضل ذلك، بدأت إمبراطورية فرانفينيا تستعيد استقرارها تدريجيًا تحت قيادة كلٍّ من لياموس وكاير.
لكن المشكلة كانت في مقاطعة ألفونس.
إذ تعرّض عدد كبير من السكان هناك لتأثير “سينترو”، وكان نقص الإمدادات أمرًا بالغ الأهمية بسبب استمرار الوضع لفترة طويلة.
لكن لحسن الحظ، اتحدت العائلة الإمبراطورية، الكنيسة العظمى، وبعض العائلات النبيلة لإعادة بناء المنطقة.
بفضل التعاون المشترك وتقديم كمية كبيرة من الأحجار السحرية العلاجية، تحسنت الأوضاع بشكل ملحوظ.
انخفض معدل انتشار الأمراض النادرة بشكل واضح، وبدأ المرضى يستعيدون صحتهم تدريجيًا.
إضافة إلى ذلك، وبفضل قيام الإمبراطور السابق بجمع أعضاء المنظمة في العاصمة قبل وفاته، تم القضاء على بقاياهم بسهولة.
وهكذا، عادت “سينترو”، التي كانت مصدر جميع هذه الأحداث، بسلام إلى عائلة ميليربان.
“من المؤسف التخلص منها هكذا، فهي على الأقل حجر سحري أثري، أليس كذلك؟”
نظر كاير ببرود إلى لياموس الذي كان يمزح بنبرة خفيفة.
“رجلٌ سيصبح إمبراطورًا غدًا وسيتزوج في اليوم نفسه، ومع ذلك لا يزال يطلق مثل هذه التعليقات التافهة.”
“إنها مجرد مزحة، يا لك من شخصٍ يفتقر إلى حس الفكاهة…”
غمز لياموس مبتسمًا عندما التقت عيناه بعيني سيرينا، لكن الأخيرة، رغم مظهرها الجاد، لم تستطع إلا أن تضحك بخفة بعد لحظات.
قال كاير بصوت هادئ: “بما أن هذه هي أول مرة نستقبل فيها الإمبراطورة المستقبلية في قصر الدوقية، فقد حرصنا على إعداد وجبة الغداء بأفضل طريقة ممكنة. آمل أن تناسب ذوقك، جلالتك.”
هزّت سيرينا رأسها بابتسامة طفيفة.
“لا داعي لهذا اللقب بعد، ليس قبل الغد على الأقل.”
“أرى أنكِ مصرّة على إبقائي متوترًا حتى اللحظة الأخيرة.”
تمتم لياموس بشيء غير مفهوم بينما كان يقطع شريحة اللحم، مما جعله يبدو لطيفًا، فابتسمتُ وأنا أرتشف كأس النبيذ.
عندها، شعرت بيد سيرينا توضع برفق على يدي.
“الآنسة إيفلين.”
“…نعم؟”
“حتى لو أصبحتُ إمبراطورة غدًا، سنظل دائمًا صديقتين.”
في البداية، بدت لي سيرينا باردة ومتعجرفة، لكنني أدركت الآن أنها شخص طيب ودافئ القلب أكثر من أي شخص آخر.
لم تتردد في الوقوف إلى جانب من يحتاج المساعدة، حتى في أصعب الأوقات.
مجرد التفكير في أنها ستصبح الإمبراطورة غدًا، وأنها صديقتي، جعلني أشعر بالامتنان الشديد.
“بالطبع.”
عندما ابتسمت لها برقة، أومأت سيرينا برضا.
“يجب أن تزوريني في القصر الإمبراطوري كثيرًا، مفهوم؟”
نظر لياموس إليها بعينين مليئتين بالدفء، لكنه بعد لحظة، التفت بخفة ليرمق كاير بنظرة جانبية مريبة.
“همم…”
كان من الواضح أنه يستعد لقول شيء قد يجلب له تعليقات لاذعة من كاير، مما جعلني أراقب الموقف بفضول بينما أواصل تناول طعامي.
ماذا سيقول هذه المرة؟
كنتُ أستمع باهتمام عندما نطق أخيرًا.
“حسنًا إذن…”
“…؟”
“كاير، ماذا تنوي أن تفعل مع الآنسة إيفلين من الآن فصاعدًا؟”
في تلك اللحظة، توقفت يدي التي كانت تمسك بالسكين عن الحركة.
رمشت بعيني ونظرت إلى كاير.
كان الأمر نفسه بالنسبة لسيرينا ولياموس.
“ماذا تقصد بسؤالك هذا؟ لماذا هذا السؤال…؟”
رغم هذه الأفكار التي راودتني، شعرت في داخلي بتوقع خفي.
قبل أن نفترق في مقاطعة ألفونس، قال كاير إنه لديه شيء ليقوله لي عندما نلتقي مجددًا.
لكن بسبب محاكمة نوكتوس، ومن ثم انشغاله بحل تداعيات تلك القضية، كان كاير يقضي أيامًا مزدحمة للغاية.
وبالتالي، خلال الشهر الماضي بالكاد قضيت وقتًا منفردًا معه.
هل نسي الأمر الذي أراد إخباري به؟ أم أنه، ربما… غير رأيه؟
كنت قد بدأت أشعر بعدم الارتياح شيئًا فشيئًا.
“ربما، بفضل لياموس، سأتمكن من سماع ذلك الآن.”
نظرت إلى كاير بطرف عيني، وأنا أتوقع بصمت.
“في الواقع، كان لدي ما أقوله لإيفلين.”
قال كاير بصوت هادئ بينما كان يضع كأس النبيذ جانبًا.
رغم أنني كنت أشعر بالابتهاج داخليًا، إلا أنني أبديت مظهرًا هادئًا وأنا ألتفت نحوه ببطء.
أخيرًا، بعد شهر كامل، سأسمع ما كان يود قوله لي.
ما الذي سيقوله؟ شعرت بالإثارة تملؤني شيئًا فشيئًا.
“إيفلين، نحن…”
بدا وكأن حركة شفتيه تباطأت في نظري، كما لو كنت أشاهد مشهدًا بطيئًا.
كلما تحركت شفتاه، بدأ قلبي ينبض بقوة أكبر.
“نحن…؟”
“هل تعلمين أن مدة عقدنا شارفت على الانتهاء؟”
فجأة، ارتخت يداي، وسقط مرفقي الذي كنت أرتكز عليه على الطاولة.
“آه… كان يقصد العقد فقط.”
حاولت جاهدة إخفاء خيبة أملي بينما أومأت برأسي ببطء.
نظر لياموس وسيرينا إلى كاير بصدمة.
“أعلم.”
رغم محاولتي إخفاء مشاعري، إلا أن صوتي خرج جافًا بوضوح.
“على أي حال، بما أن أرقك قد زال تمامًا، فما الحاجة للحديث عن العقد…”
تمتمت بضيق بينما بدأت أقطع شريحة اللحم من جديد.
بلا وعي، شعرت بيدي تضغط بقوة على السكين.
“تعالي إلى مكتبي بعد العشاء، لدينا ما نناقشه بخصوص العقد.”
“آه، حسنًا…”
أجبت بصوت خافت دون أن أنظر إلى عينيه.
بعد انتهاء العشاء، خرجنا لوداع لياموس وسيرينا.
كان النسيم الخريفي البارد يمر برفق بين خصلات شعري.
ومع الرياح، تناثرت بتلات بيضاء في أرجاء القلعة.
“أراكِ غدًا، يا آنسة إيفلين.”
“نعم، أتطلع لرؤية مدى جمالك غدًا.”
احتضنتني سيرينا بلطف قبل أن تصعد إلى العربة.
“أراك غدًا، كاير. وأنت أيضًا، آنسة إيفلين…”
“نعم؟”
اقترب لياموس وهمس في أذني.
“أعلم أنكِ تشعرين بخيبة أمل، لكن تحلّي بالصبر…”
نظر إليّ بعينين مليئتين بالأسف.
فهمت ما يقصده، مما أثار استيائي.
“…إنه اليوم الأخير قبل أن يصبح إمبراطورًا، هل يجب أن أدوس على قدمه اليوم؟”
نظرت إليه بغضب طفيف، لكنه ضحك بهدوء.
“أنا أمزح فقط، على أي حال، كاير سيتولى الأمر بنفسه.”
ترك لياموس هذه الكلمات الغامضة قبل أن يصعد إلى عربته.
وبعد رحيلهم، تُركت وحدي مع كاير في الحديقة الواسعة.
ساد صمت محرج للحظات.
“الطقس أصبح باردًا جدًا.”
“…نعم، صحيح.”
وكأنه لا يعرف ما أشعر به، بدأ يتحدث عن الطقس بكل برود.
رددت عليه ببرود أشد من هواء الخريف.
شعرت بنظرته تراقبني، لكنني تجاهلته عمدًا.
…لماذا أشعر بخيبة أمل؟
ركلت حجرًا صغيرًا بلا سبب.
“فلندخل.”
خلال طريقنا إلى المكتب، لم يتبادل أحد منا أي كلمة.
ربما أنا صامتة بسبب شعوري بالإحباط، لكن لماذا كاير صامت هكذا؟
أصبحت كلماته القليلة تثير فضولي شيئًا فشيئًا حتى وصلنا إلى أمام المكتب.
“أخيرًا، فتحت جميع ستائر المكتب؟ هذا جيد…”
من خلال النافذة المفتوحة، دخل ضوء الشمس المتأخر مع بعض البتلات البيضاء المتطايرة.
لم يكن أمرًا مفاجئًا، فقد أُزيلت جميع الستائر في القلعة بالفعل.
لكن رؤية المكتب الذي التقيت فيه به لأول مرة مضيئًا بهذا الشكل جعلتني أشعر بشيء غريب.
“في البداية، كان المكان مخيفًا بسبب الظلام الدامس…”
تذكرت أول لقاء لنا، حيث كانت أجواء القلعة موحشة، وكان المكتب مغمورًا بالظلام.
وعيناه الباردتان اللتان ثبتتا عليّ حينها.
ابتسمت لا إراديًا عند استعادة تلك الذكرى.
“لم أكن لأتخيل أبدًا أن الأمور ستصل إلى هذا الحد.”
رغم أنني كنت أحدث نفسي، إلا أنه فهم ما أعنيه وأجاب بهدوء.
“ولا أنا.”
توجه نحو المكتب وفتح أحد الأدراج بحثًا عن شيء ما.
“العقد، ربما؟”
وقفت أمام مكتبه أراقبه.
لكن بينما كنت أتذكر لقاءنا الأول، سألني فجأة.
“لماذا تبتسمين؟”
“لا سبب محدد.”
كان حينها باردًا كالثلج، أما الآن فقد أصبح يبتسم لي برقة.
“إن استمر الوضع هكذا، فلا بأس.”
شعرت بكل خيبتي تتلاشى كما يذوب الجليد.
لكن في تلك اللحظة، سمعت صوته يناديني.
“إيفلين جيرواي.”
بصوته العميق، نطق باسمي ببطء.
“أريد أن أبرم معك عقدًا جديدًا.”
نظر إليّ بنظرة دافئة لم تتغير.
وهذا وحده كان كافيًا.
أخفيت مشاعري بابتسامة ماكرة.
“إذن، عليك تقديم العقد. أنا صارمة جدًا في هذه الأمور.”
أشرت إلى مكتبه المرتب بإصبع ضاحكة.
لكن بدلًا من إخراج العقد، وقف من مكانه.
وبخطوات هادئة، دار حول المكتب واقترب مني.
“…؟”
نظرت إليه بحيرة، حتى أخرج من جيب سترته صندوقًا صغيرًا.
“لقد أعددت عقدًا مميزًا هذه المرة.”
فتح الصندوق بابتسامة لطيفة.
“مدة هذا العقد… مدى الحياة.”
داخل الصندوق، كانت هناك خاتم مرصع بحجر زمرد يشبه لون عينيّ.
وسط تناثر البتلات، تلاقت أعيننا.
ثم ركع على ركبة واحدة ونظر إليّ.
في تلك اللحظة، شعرت وكأن الزمن توقف.
بصوت حالِم، نطق باسمي.
“إيفلين جيرواي.”
“…”
“”هل تقبلين الزواج بي، أنا كاير ميليربان؟”
تسمرتُ في مكاني، أحدق في عينيه الذهبيتين الساحرتين، كأنني مسحورة بنورهما الدافئ.
كان قلبي على وشك الانفجار من شدّة المشاعر المتدفقة، وشعرت أن دموعي قد تنهمر في أي لحظة.
ببطء، حركت رأسي وأومأت له.
“… نعم.”
في اللحظة ذاتها، ارتسمت على شفتيه ابتسامة مشرقة، كأن العالم كله أشرق معه.
انحنى برفق وأدخل الخاتم في إصبعي، ثم نهض ببطء، متمعنًا في وجهي.
زفر نفسًا طويلاً، وكأنه كان يحبس أنفاسه طوال الوقت، ثم عض شفتيه بخفة، كأن مشاعره هو الآخر كانت على وشك الانفجار.
وفجأة، ومن دون أي مقدمات، عانقني بقوة، وكأن لا شيء في هذا العالم يهم سوى هذه اللحظة.
في دفء ذراعيه الواسعتين، انفجرتُ ضاحكة بسعادة غامرة.
“ذلك اليوم… وعدتني أنك ستقولها عندما تعود، لكنك لم تفعل بعد.”
رفع يده، ولطّف بملامسته الرقيقة خطوط وجهي، وعيناه تنظران إليّ بحنان يغرقني.
“لقد قبلتِ عرضي بالزواج… وما زلتِ تريدين سماعها؟”
“حتى وإن كنت أعرفها، إلا أن سماعها منك مباشرة أمر مختلف تمامًا…”
كنت أعلم أنه يتلاعب بي عمدًا، متعمدًا إطالة انتظاري، فحدجته بنظرة عتاب خفيفة.
لكن شفتيه لم تفعل سوى أن ترتسم عليهما ابتسامة هادئة، وكأنه يستمتع برؤيتي بهذه الحال.
ساد الصمت للحظات قصيرة، قبل أن تهمس كلماته الدافئة في أذني، ببطء شديد، كأنها وعد خالد.
“أحبكِ، إيفلين.”
ثم انحنى برفق، وطبع قبلة ناعمة على وجنتي اليسرى.
تلاقت أعيننا، وعبر عينيه الذهبيتين، رأيت موجات من الدفء تتحرك برقة، كما لو كانت أمواجًا ذهبية في بحر هادئ.
“أنتِ الوحيدة… التي أنقذتني، والتي جعلتني أعيش.”
ثم مرة أخرى، اقتربت شفتيه ولمست وجنتي الأخرى، ثم عيني، ثم جبيني…
“وأنا أحبكِ… بكل ما في قلبي.”
ومع همسته الأخيرة، التقت شفاهنا في قبلة دافئة، ممتلئة بكل المشاعر التي لا تستطيع الكلمات وصفها.
وبينما كانت بتلات الأزهار تتطاير حولنا، كان ضوء الشمس المتلألئ يعكس بريق حبنا الأبدي.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ──
واخيرا كملت نشر الرواية عهيزو بالمناسبة اكتملت منذ اشهر في قناة التيلغرام للحصول على الرابط تجدونه مثبت في التعليقات او على حساب الاستغرام مثبت في الهايلات 🤎
التعليقات لهذا الفصل " 111"