104
“هذا أمر لا يمكن الجزم به.”
ببطء، سحب ليايموس يده بعيدًا عن يدي.
استدار وأطلق تنهيدة قصيرة، ثم عاد لينظر إليّ.
“آنسة إيفلين، ألم تساعدي كاير أيضًا؟ لا يمكنني تصديق كلامك. وكما ذكرتُ في رسالتي، فإن مساعدتكِ على الهرب هي أقصى ما يمكنني فعله لكِ بصفتي ولي عهد هذا البلد.”
كان صوته باردًا على غير عادته، لكن في عينيه الزرقاوين تجمعت أحزان لا يمكن البوح بها.
“…نعم، لقد ساعدتُ الدوق. لأن أرقه ليس لعنة، بل مرض.”
اتسعت عينا لياموس بدهشة أمام كلماتي القاطعة.
“آنسة إيفلين! كيف لكِ أن تقولي شيئًا بهذا القدر من التجديف…!”
“يمكنني قوله مرارًا وتكرارًا. حتى لو انتهى بي الأمر على منصة الإعدام بجانب الدوق، لن أكذب. الأرق ليس لعنة، مطلقًا.”
في عيني ليموس، اجتاحت عاصفة عارمة.
تقدمت خطوة للأمام، ناظرة إليه بثبات.
“بسبب ذلك الادعاء السخيف بأن الأرق هو علامة اختيار الشيطان، فقد الكثير من الناس حياتهم على منصات الإعدام.”
“آنسة إيفلين…”
“محاكمة نوكتوس استُخدمت كأداة سياسية منذ زمن طويل. الدوق لا يُقتل بسبب صفقة مع الشيطان، بل يتم التخلص منه بأيدي منظمة سنترو. كما حدث مع الحاكم السابق لمنطقة ألفونس.”
تسمرت نظرات لياموس، ثم قال بصوت خافت:
“…كيف عرفتِ هذا؟”
“لأنني كنت أبحث في الأمر. وأنت تعلم، أكثر من أي شخص آخر، أن الدوق كان مخلصًا لهذه الإمبراطورية وشعبها. لا يمكن أن يكون قد عقد صفقة مع الشيطان.”
ساد صمت ثقيل بيننا.
ثم، بعد تنهيدة طويلة، أومأ برأسه.
“إن كنتِ تقولين إن الأرق ليس لعنة بل مرضًا، فعليكِ إثبات ذلك في المحكمة، آنسة إيفلين.”
اتسعت عيناي بدهشة.
“أنت تقبل طلبي؟”
“تقولين إن الأبرياء يموتون بسبب محاكمة نوكتوس، أليس كذلك؟”
“نعم، ولكن…”
ابتسم بخفة وأومأ برأسه.
“ربما كان وقوع قلبي لكِ، وقراري بالعيش كولي عهد بحق… كل ذلك كان من أجل هذا اليوم.”
“ماذا…؟”
لقد وقع في حبي…؟
تجمدت في مكاني، فنظر إليّ بابتسامة دافئة.
“ألم تعرفي؟”
“لا… لم أكن أعلم.”
لكن عندما أعدت التفكير، تذكرت كيف كان ينظر إليّ دائمًا، وكيف كان يتصرف بحذر مع كاير…
“لكنني… أحب الدوق…”
“أعلم ذلك. وأعلم أن كاير يبادلكِ المشاعر ذاتها.”
“…”
“لكنني لن أتركه يموت بدافع الغيرة، لذا لا تقلقي.”
قالها بابتسامة ماكرة.
ثم تابع بصوت صادق:
“أنا أيضًا… لا أريد أن أقضي حياتي نادمًا على فقدانه دون أن أفعل شيئًا.”
كانت كلماته مليئة بالإخلاص.
“إن كانت هذه محاولة مستحيلة، فسأجربها على أي حال. ربما سأُسحق، لكن إن حالفني الحظ، فقد تكون هذه بداية لشيء جديد…”
وقف، ثم نفض ملابسه برفق.
“ربما ستنبت بذرة قوية من هذه المحاولة.”
وقف لياموس من على الأريكة، وربت على سرواله لينفض الغبار.
“وقد نرى برعمًا قويًا ينمو، أليس كذلك؟”
—
في ذلك المساء، أمام المعبد.
توقفت العربة ببطء.
نزلتُ مع لياموس، فهرع إلينا أحد الكهنة.
“صاحب السمو! لو أرسلت إشعارًا مسبقًا، لكنا استعدينا لاستقبالكم…”
“لا حاجة لذلك. مررت بالمعبد وقررت إلقاء التحية. هل كبير الكهنة مشغول؟”
“لقد بدأ للتو صلاته، سيستغرق بعض الوقت… لكن، هذه أول مرة أرى هذه الفتاة؟”
نظر إليّ الكاهن بتساؤل.
“إنه خادم بديل لأن مويدين مشغول.”
“آه، فهمت…”
ربما لم يكن الكاهن يشك في شيء، لكنني شعرت بالقلق من أن يلاحظ تنكري كرجل.
خفضت قبعتي أكثر وانحنيت محاولًا التصرف كخادم حقيقي.
“سأنتظر داخل المعبد إذًا.”
“سيستغرق وقتًا طويلًا، هل أنت متأكد؟”
“لدي متسع من الوقت. إيف… لا، إيفان، يمكنك البقاء في العربة إن شئت.”
غمز لي لياموس سرًا قبل أن يتبع الكاهن إلى المعبد الرئيسي.
بمجرد أن اختفى، نظرت حولي بحذر، ثم تحركت بسرعة نحو المعبد الجانبي.
“قالوا إن السجن الديني في الجهة اليسرى… الطابق السفلي.”
تمتمت بقلق بينما شققت طريقي إلى الداخل.
نزلت إلى القبو، حيث وجدت نفسي في مكان ناصع البياض لا يشبه سجنًا على الإطلاق.
لحسن الحظ، كان الحراس قد غيروا نوباتهم، فلم يعترضني أحد.
حين كنت أبحث بعيني بين الزنازين، رأيته.
“الدوق!”
“…إيفلين؟”
كان جالسًا بجانب القضبان، وجهه شاحب ومنهك.
حبست دموعي بصعوبة، وقبضت على القضبان بشدة.
“إيفلين! قلتُ لك أن تغادري الإمبراطورية فورًا… لماذا أتيتِ؟”
رغم نبرة العتاب، كانت عيناه تراقبان وجهي كما لو كان يخشى أن أختفي.
فقط عندها، شعرت بغصة في حلقي.
“كل هذا خطأي… لو لم أطلب استخدام السجلات الطبية، لما حدث هذا…”
وضع كاير يده فوق يدي الممسكة بالقضبان.
“لا بأس، هذا ليس خطأكِ.”
“…”
“أنا آسف… لأنني لم أستطع الوفاء بوعدي بالعودة.”
كلماته الخافتة جعلتني أنفجر بالبكاء.
مد يده من بين القضبان، محاولًا مسح دموعي، لكن عندها…
“أنت هناك! من أنت؟!”
صرخ الحارس وهو ينزل الدرج، مشيرًا نحوي.
التعليقات لهذا الفصل " 104"