2
حتى لو اعتبرتها هلوسة ناتجة عن الجنون، فقد كان قولاً صادمًا للغاية.
وإن كان حقيقة، فذلك أدهى وأمرّ.
تلك الكلمات التي افتقرت إلى الواقعية زادت من تعقيد تفكير إيزابيل.
“قُلتَ عامًا واحدًا.”
دلَّكَت إيزابيل فخذها دون وعي.
لم يكن جرح الفخذ سوى ألم طفيف، لا أكثر.
ومع ذلك، فقد تغلغل السم عبر هذا الجرح نفسه.
– وهكذا سأموت بعد عام واحد. –
لم تشعر بالواقعيةِ مُطلقًا.
في الواقع، منذ لحظة استيقاظها وحتى الآن، شعرت وكأن عقلها يطفو، كما لو كانت غارقةً في حلمٍ عميق.
ولهذا السبب، حتى تشخيص المدة المحدودة للحياة بدا وكأنه مشكلة شخص آخر، وليس مشكلتها، لذا اكتفت إيزابيل بالرمش فقط.
وكان الطبيب هو من استشاط غضبًا من رد فعلها الهادئ غير المنطقي.
“أقسم لكِ! لقد سحبت عينة دم منكِ ليلة أمس، وظهرت فيها استجابة تسمم مشابهة لسم الإفينيا.”
قال الطبيب.
“فقط للتأكد، أعدت فحص نبضك الآن، وهو سمٌ بالفعل.”
“…”
“يبدو أن مادة آخر قد أُضيفت إلى سم الإفينيا… ولكن إذا كانت التأثيرات متشابهة، فمن المحتمل أن تعاني من صداع مستمر أو آلام في البطن. سيتفاقم الألم تدريجيًا، وفي النهاية ستبصقين دمًا.”
“أبصقُ دمًا.”
تمتمت إيزابيل بهدوء.
خطرت في ذهنها صورة المناديل الملطخة بالدماء والسيدات النبيلات المريضات من الروايات الشعبية، فجعلها ذلك تشعر بمتعةٍ أكثر من الخوف.
أن تصبح شخصًا يواجه فترة حياة محدودة، يسعل الدم حتى الموت.
لم يكن ذلك يناسب إيزابيل، الخادمة السابقة، على الإطلاق.
سخرت إيزابيل من نفسها سرًا وسألت الطبيب:
“متى ستبدأ الأعراض بالظهور؟”
“لا أستطيع الجزم بذلك، ولكن من المحتمل أن تبدئي في بصق الدم بعد تسعة أشهر.”
“هكذا إذن.”
أومأت إيزابيل برأسها.
هذا يعني أنها تستطيع إخفاء حالتها الصحية لمدة تسعة أشهر تقريبًا.
“عذرًا… هل لديكِ أي أسئلة أخرى…؟”
“كلا، لا شيء. شكرًا لك.”
كانت إيزابيل حازمة بشكل مبالغ فيه حتى في مواجهة موتها.
بدا الطبيب منزعجًا ونهض من مكانه.
“حـ- حسنًا إذن، سأذهب لأحضر أمتعتكِ، فلتستريحي قليلًا…”
كان وجهه يوحي بوضوح أنه يريد مغادرة هذا المكان بأسرع ما يمكن.
“حسنًا، أشكرك.”
ما أن أومأت إيزابيل برأسها حتى غادر الغرفة مسرعًا.
صمت.
عادت السكينة لتخيم على محيط إيزابيل مرة أخرى.
إحساس طفوها داخل رأسها لا يزال ملازمًا لها.
كانت في حالة غامضة، أشبه بالحلم، ولكنه ليس حلمًا تمامًا.
لم تستطع التمييز ما إذا كان ذلك بسبب الإرهاق الجسدي، أم أنها كانت حقًا في حالة شبيهة بالحلم.
قررت إيزابيل أن تتأمل في المسألة الأكثر إلحاحًا أولًا.
كان عليها أن تميز ما إذا كان هذا واقعًا أم وهمًا.
بدايةً، حرّكت أطرافها واحدًا تلو الآخر واستجاب جسدها لها بشكلٍ مبالغ فيه.
– كفة ترجح جانب الواقع. –
عاد الميزان، الذي كان قد مال نحو الحلم بسبب تصريحات الطبيب غير الواقعية، إلى التوازن.
– ربما أستطيع التمييز بينهما بالألم. –
بينما راودتها الفكرة، ضغطت إيزابيل بقوة براحة يدها على فخذها المصاب.
عندما حفرت أصابعها في الجرح، تدفق عليها ألم حاد.
كان إحساسًا واضحًا، كأن عشرات الإبر تثقب جلدها.
كلما اشتد الألم، شعرت وكأن الضباب في عقلها ينجلي.
كان الألم مبرحًا، ولكن بفضله، مال ميزان قلبها بالكامل إلى أحد الجانبين.
لم يكن هذا حلمًا، ولم تبدُ كالمجانين كذلك.
– هذا يعني… –
لقد دخلت روح إيزابيل جيمنين بالفعل جسد امرأة أخرى.
“جديًا، لقد عُدتُ للحياة.”
عادت إيزابيل للحياة.
ليس في جسدها الأصلي الذي اتُهم بقتل الكونتيسة، بل في جسد امرأة غريبة تمامًا.
فحصت جميع أرجاء جسدها. ورغم أنه كان غريبًا، إلا أنه كان يتمتع بالعديد من المزايا مقارنةً بجسدها السابق.
أولاً، كانت القدرات الجسدية لهذا الجسد متفوقة بكثير على ما كانت عليه من قبل.
– ويبدو أنني في إمبراطورية ماغريث. –
الطبيب الذي تحدثت معه للتو كان يتحدث اللغة الإمبراطورية الماغريثية بلهجة وسطى.
وبما أنه استخدم اللغة الإمبراطورية دون تردد منذ بداية المحادثة، فمن المؤكد أن المكان الذي استيقظت فيه إيزابيل كان داخل الإمبراطورية.
إن صحَّت فرضيتها، فإن الاستيقاظ في جسد آخر كان نعمة من السماء.
لو أنها بُعثت في جسدها الأصلي في ماغريث، لكان الوضع صعبًا للغاية.
لكانت قد اعتقلت فورًا وأُعدمت مرة أخرى، أو التبس الأمر واعتُبرت توأم القاتلة، أو ربما اتُهمت بأنها ساحرة وحُرقت حية.
ولكن ما كان أكثر حظًا لإيزابيل هو أن مارغريتا لن تتعرف على إيزابيل في هذا الجسد المتغير.
سواء سُمّم هذا الجسد، أو أُعدم، أو اغتيل، فإن ابنتها لن تتعرف على إيزابيل أبدًا.
– مارغريتا. –
شعرت بجفنيها يرتخيان، فأغمضت عينيها ببطء.
ارتسم وجه ابنتها بوضوح، وكأنما رُسم بالريشة.
طفلة صغيرة بابتسامةٍ ساطعة، وعيناها الخضراوان كضوء النجوم.
ابنتها البريئة ذات الأعوام العشر، والتي اضطرت لتركها تموت وحيدة.
زفرت إيزابيل بهدوء.
لقد تسارعت الأحداث بوتيرة مفاجئة لدرجة أنها لم تتمكن من إعداد أي أساس لابنتها لتعيش بمفردها.
– إنها طفلة ذكية، لذا ستكون بخير، ولكن مع ذلك. –
عليّ العودة سريعًا.
العودة لأكون وصية عليها، إن لم أكن أمها.
سأوفر لها بيئة تستطيع فيها العيش مستقلة قدر الإمكان قبل أن تتفاقم الأعراض، وإذا أمكن، سأجد لها وصيًا آخر.
بعد ذلك، يمكنني الرحيل إلى مكان لا يعرفه أحد.
بمجرد أن أمنح مارغريتا مستقبلًا آمنًا، سأتمكن من الرحيل بقلبٍ مُطمئن.
– ففي النهاية، أنا لا أمتلكُ شيئًا سوى ريتا. –
فكرت إيزابيل بشرودٍ وهي تنهض. لم يكن أمامها متسعٌ من الوقت.
في تلك اللحظة، طرق الطبيب الباب. وعندما أجابته إيزابيل، فتح الباب ودخل.
“هذا كل ما لديك من أمتعة. أقسم لك، لم ألمس شيئًا واحدًا، فقط أحضرتها كما هي!”
“شكرًا لك.”
تردد واقفًا عند الباب، ثم في النهاية لم يستطع أن يقترب من إيزابيل وألقى الأمتعة من مسافة بعيدة.
عندما انتزعت الأمتعة ورفعتها، شعرت بثقلها الكبير.
“إذًا… سأغادر مجددًا…”
“حضرة الطبيب.”
سارعت إيزابيل إلى الإمساك بالطبيب الذي كان يحاول مغادرة الغرفة.
استدار نحوها بصعوبة.
“نعم؟”
“عذرًا، ولكن ماذا يمثل ذلك الرسم؟”
أشارت إيزابيل إلى زاوية من الجدار.
كانت هناك قطعة ضخمة من الحديد ذات عجلات ضخمة مرسومة.
وبما أنها كانت ذات عجلات، فبدا أنها وسيلة نقل، لكنها كانت غريبة للغاية.
قد تكون مجرد رسمة خيالية، لكنها ولسببٍ ما أزعجتها بشكل غريب منذ أن فتحت عينيها لأول مرة.
“أوه، ذلك الرسم؟ إنه رسم إيضاحي قُطع من صحيفة أثناء حفل افتتاح القطار ووُضع في إطار.”
“قطار…؟”
“أجل، قطار.”
“وما هذا؟”
وما أن نطقت بكلمتها، حتى بدا على وجه الطبيب تعبيرٌ مذهول.
“ألم تغادري قريتك الريفية قط يا ترى…؟”
“…”
“حسنًا، إنه ذلك. وسيلة نقل تغلي الماء وتحرك العجلات بنوع من البخار. لقد مضى عليها ما يقرب من خمس سنوات منذ ظهورها، ألا تعرفينها حقًا؟”
وضعت إيزابيل أمتعتها على السرير بهدوء وسألت:
“في أي عامٍ نحن الآن؟”
“إنه عام 810 بالطبع. تقويم إمبراطورية ماغريث، عام 810.”
“عام 810، وليس 800؟”
“نعم، 810، وليس 800… عفوًا؟”
الطبيب، الذي كان يقف بذهول، لم يعد في ذهن إيزابيل.
تاريخ وفاة إيزابيل جيمنين كان في ديسمبر من عام 800. والآن هي في عام 810.
لقد مرت عشر سنوات على وفاتها.
– كما توقعت. –
في اللحظة التي أدركت فيها أن عشر سنوات قد انقضت، سخرت إيزابيل من نفسها.
كان مستحيلًا أن يحدث في حياتها معجزة خالية من العيوب.
ما السبب الذي يدعو من لم يمد لها يد العون عندما كانت تتوق للمعجزات بيأس شديد، أن يساعدها الآن؟
نظرت إلى يديها المرتكزتين على ركبتيها.
كانت مارغريتا في العاشرة من عمرها، لذا كان عليها أن تحسب كل أصابع يديها العشر، وبما أن عشر سنوات قد مضت، كان عليها أن تضيف أصابع يديها العشر مرة أخرى.
عشرة زائد عشرة تساوي عشرين.
إذاً، مارغريتا أصبحت في العشرين من عمرها.
– عشرون عامًا. –
عبست إيزابيل.
– إن كانت على قيد الحياة، فعشرون. –
هدأت روحها بشهيقٍ بارد، وكأنها غُمست في ماءٍ مُثلَّج.
عشر سنوات كانت فترة طويلة.
كانت أكثر من كافية لتلتهم حياة طفلة في العاشرة من عمرها.
– ماذا لو أصاب مارغريتا مكروه خلال تلك الفترة؟ ماذا لو لم تعد موجودة في هذا العالم… –
حاولت إيزابيل كبح جماح القلق المتصاعد في صدرها.
“هل لي أن أرى صحيفة؟”
“بـ- بالتأكيد. إنها هناك على الطاولة…”
“شكرًا لك.”
فتحت إيزابيل رزمة الصحف على الطاولة.
مررت عينيها بسرعة، فرتبتها حسب التسلسل الزمني.
كانت نحو شهر من الصحف ومجلات الفضائح.
قلبت الصفحات في الصحف، متشبثة بقشة الأمل.
كانت ترجو أن تجد اسمها، حتى لو كان صغيرًا، في مكان ما لتتأكد من حياتها أو موتها.
ومع ذلك، وعلى عكس مخاوفها، ما إن فتحت الصفحة الأولى من صحيفة حديثة، حتى رأت رسمًا إيضاحيًا لمارغريتا.
شعر أسود كثيف، مموج وينسدل حتى الصدر. عيون خضراء تتناقض مع لون فستانها الأحمر، وحتى نقطتين صغيرتين بالقرب من عظم الترقوة الأيسر.
كانت تلك ابنتها، ريتا، بكل تأكيد.
– إنها على قيد الحياة. –
زفرت إيزابيل نفسًا كانت تحبسه دون وعي منها.
لكن نبض قلبها المتوتر بجنون.
كانت مارغريتا على قيد الحياة.
ولم تكتفِ بالنجاة بمفردها لمدة عشر سنوات كاملة، بل أصبحت شخصية مشهورة في العاصمة.
<هل والدة الكونتيسة جراي عبدة سابقة؟>
<أزياء الكونتيسة جراي الشهرية>
<حيثما تجري الأموال والخمور، تجدها هناك: مارغريتا>
من المقالات التي تسخر من نسب ريتا الغامض، إلى المقالات التي تحلل ملابسها، وحتى المقالات التي تنتقد سلوكها المترف.
كانت جميع مجلات الفضائح تتحدث عنها.
“أوه، هذا رسم إيضاحي للكونتيسة جراي. إنها جميلة جدًا، أليست كذلك؟”
تحدث الطبيب الواقف بجانبها، متظاهرًا بالمعرفة، دون أن يدرك الموقف.
“الكونتيسة جراي.”
قلبت إيزابيل الكلمات في فمها.
ضحك الطبيب، غير مدرك لرعشةِ صوتها، وواصل حديثه.
“أجل، إنها الكونتيسة جراي. الرسم الإيضاحي الذي نُشر عندما تزوجت قبل عام تقريبًا كان جميلًا حقًا.”
“لقد مضى عام على زواجها.”
“صحيح، كان الأمر فوضى عارمة آنذاك. أليس من المثير للجدل أن هذا هو الزواج الثالث للكونت جراي وأن عروسه لم تكن نبيلة؟”
“أصحيح ذلك؟”
عندما كررت إيزابيل السؤال بعينين حادتين، أدرك الطبيب حينها الجو وسكت.
مررت يدها على الرسم التوضيحي.
اختفت صورة مارغريتا تحت يد إيزابيل ثم ظهرت مجددًا، مرارًا وتكرارًا.
على الرغم من أنها حاولت جاهدة أن تلزم الصمت، إلا أن إيزابيل وجدت صعوبة في كبح الغضب الذي يتصاعد في صدرها.
– ريتا، تزوجت الكونت جراي. –
لم يكن فارق المكانة مشكلة.
بل أن حقيقة أنه في الخامسة والثلاثين من عمره.
لو كانت ابنتها تحبه حقًا، لكانت قد تنازلت مائة مرة وتغاضت عن ذلك.
لكنه كان الكونت “جراي”.
الشخص الذي لفّق لإيزابيل التهمة ظلمًا ودفعها إلى المشنقة، وهو القاتل الحقيقي لجريمة القتل.
التهمة التي أُعدمت إيزابيل بسببها دون محاكمة كانت “قتل الكونتيسة ديانا جراي”، وكان الكونت جراي وغدًا قتل زوجته الأولى بيده.
– يستحيل أن تكون مارغريتا جاهلة بذلك. –
كان سرًا علنيًا بين جميع النبلاء، وإن تظاهروا بخلاف ذلك.
– ومع ذلك، إذا تزوجت ريتا الكونت جراي، فلا يمكن أن يكون هناك سوى سبب واحد. –
الانتقام
ابنة إيزابيل الوحيدة ألقت بنفسها في وكر العدو للانتقام لوالدتها.
-انتهت-
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - الفصل الخامس 2025-06-23
- 4 - الفصل الرابع 2025-06-23
- 3 - الفصل الثالث 2025-06-23
- 2 - الفصل الثاني 2025-06-20
- 1 - الفصل الأول 2025-06-18
التعليقات لهذا الفصل " 2"