1
كانت إيزابيل مُدركةً وواعيةً بمكانتها جيدًا.
كانت خادمة في قصر الكونت، ومن بين جميع الخادمات، كانت تُعد الأدنى منزلة.
هكذا كان حالها منذ مولدها.
وُلدت إيزابيل في أحياء العاصمة الفقيرة. وطوال فترة طفولتها، تعلّمت الطفلة فن التسول على يديّ والديها.
وإن لم تتمكن من جمع المبلغ المطلوب، جاعت، وأحيانًا ما طُردت من المنزل لتقضي الليل وحيدة، تفترش الأرصفة والطرقات.
اليد التي مَدّتها طلبًا للرحمة دائمًا ما دُهست.
واستمر الحال دائمًا حتى بعد أن حالفها الحظ وأصبحت خادمة في أسرة جراي.
معظم الخادمات ذوات الرتب الدنيا في قصر الكونت كنّ إما بنات خادمات، أو تربطهن صلة ما بعائلة السيد.
حتى لو وصلت القرابة إلى مستوى كلب تربيه عائلة الكونت، فتم اعتبار ذلك نوعًا من الصلة.
لكن إيزابيل لم تمتلك شيئًا.
فقد حصلت على الوظيفة لأن إحدى الخادمات العاملات لدى عائلة جراي قدمتها على أنها إحدى قريباتها، لكن لم يصدق أحد قولها بصدقٍ.
كانوا يقولون فقط أنه مهما حُسّن غسلها، فإن القذارة لم تزُل عنها قط.
ومع ذلك، اكتفت بابتسامة خافتة.
حتى في تلك السن الغضة، أدركت أن هذا هو ما يجب عليها فعله.
فهم كانوا يعلون منزلة إيزابيل، وكانوا قادرين على سحقها في أي لحظة.
بدلاً من التمرد على المعاملة الجائرة، عملت بجدٍ مضنٍ.
وبعد عدة سنوات من ذلك، لم يجرؤ أحد على تجاهل إيزابيل أو التقليل منها لمجرد كونها من أحياء الفقراء.
ذات يوم، سألتها إحدى الخادمات اللواتي عملن معها:
“لماذا تبالغين إلى هذا الحد؟”
كان ذلك عندما سهرت أسبوعًا كاملاً استعدادًا لحفلٍ راقص، حتى وإن لم يُطلب منها ذلك.
إيزابيل، وهي تتلقى نظرة الخادمة التي ارتجفت اشمئزازًا، أجابت:
“فقط، لأنني على قيد الحياة.”
لم يكن لديها منصب تطمح إليه. ولم يكن لديها شيء تتوق لحمايته أو امتلاكه.
لقد سعت ببساطة لعيش حياة أفضل ما دام النفس يتردد في صدرها.
لذا، لم يكن لجهود إيزابيل غاية. كان الاندفاع الأعمى نحو الحياةِ هو مُحرِّكُها.
اجتهدت لأنها كانت حيةً تُرزَق.
اندفعت بلا كللٍ، حتى وهي لا تدري إلى أين تَقُودها وِجهتُها.
شعرت أنه إذا استمرت في التقدم، فستجد شيئًا بانتظارها.
وقد صدقت، فلم تكن جهودها بلا ثمار.
أُقرِّت كفاءة إيزابيل، وأصبحت الخادمة الشخصية الوحيدة للكونتيسة ديانا.
لكن حتى عندما بلغت أعلى منصب قد تصله خادمة، فلم تشعر بلذَّة إنجازها.
ظل معنى الحياة غامضًا، وازداد الفراغ عمقًا.
في أحد الأيام، بينما كانت تركض إلى الأمام، لا تنظر إلا أمامها.
أنجبت إيزابيل مارغريتا.
الطفلة التي جاءت إليها فجأة بكت، وعيناها المتطابقتان لعيني إيزابيل، يعتصرها الضيق.
عندما رأت دموع الطفلة، المتدفقة زرقةً، للمرة الأولى، لم تتذكر إيزابيل بوضوح ما فكرت فيه.
وجدت نفسها تحتضن الطفلة غريزيًا، وعندما استعادت وعيها، كانت تبكي بصوتٍ يعلو بكاء طفلتها.
كانت تلك اللحظة التي بدأت فيها الألوان تنتثر في حياتها الرمادية.
بعد ذلك، أظهرت إيزابيل تواضعًا أكثر بكثير مما كانت عليه قبلًا.
اعتقدت أنها إذا لم تنسَ مكانتها وعاشت في هدوء، فبإمكانها حماية ابنتها بسلام.
لكن كان هناك شيء واحد لم تكن إيزابيل تعلمه…
وهو أن الموت غير المبرر قد يباغت الخادمة بأي لحظةٍ، كما لو كانت كارثة طبيعية.
فسواء انحنت الشجرة أو رفعت رأسها، لم يكن ذلك ليهم الإعصار.
أدركت ذلك متأخرة جدًا، وهذا كان ذنب إيزابيل.
***
“آه…”
فتحت إيزابيل جيمنين عينيها فجأة.
لم يكن السوط ينهال عليها.
كان من المفترض أنها قد قُتلت ضربًا في الساحة، لكن لم يوجد أثر لقطرة دم واحدة على جسدها.
نظرت إيزابيل حول الغرفة بتعبير مذهول.
رأت ورق حائط باهت، وساعة حائط قديمة، ومرآة حائط متسخة، وصورًا غريبة معلقة على الجدار.
بشكل لا يصدق، كانت مُستلقيةً على سريرٍ في غرفةٍ غير مألوفة.
– من أنقذني وأحضرني إلى هنا؟ –
حاولت إيزابيل أن تتذكر اللحظات التي سبقت موتها مباشرة.
لقد جُرَّت قسرًا إلى ساحة العاصمة، واتُّهمت بقتل الكونتيسة، وجُلدِت.
استمر الجلد حتى ماتت، ولقيت إيزابيل حتفها في عذابٍ أليم.
نعم، لقد كان موتها جليًا. كانت لحظة توقف أنفاسها حيةً في ذاكرتها.
– فكيف ما أزالُ على قيدِ الحياة الآن؟ –
مهما فكرت في الأمر، تستحيل السُبُل أمامها للبقاء على قيد الحياة.
حدقت إيزابيل في يديها بذهول، ثم عبست.
كان هناك شيء غريب.
بدا أن يديها تختلفان عن المعتاد. بعد أن حدقت في كلتا يديها للحظة، أدركت إيزابيل.
كان جلدها شاحبًا، شديد البياض.
لم يكن شحوبًا قد ينتج عن البقاء في الأماكن المغلقة لبضعة أيام.
– ما الـ… –
لم تستطع إيزابيل إخفاء دهشتها وانتفضت من السرير.
“آه…!”
بمجرد أن ضغطت على ساقيها، انتابها ألمٌ لاذع. جلست إيزابيل على الفور على السرير ونظرت إلى ساقيها.
كان فخذها ملفوفًا عدة مرات بضمادات طبية، وتغلغل الدم الأحمر من خلالها.
كان أمرًا غريبًا. فبالنظر إلى الوضع قبيل موتها مباشرة، لو كانت هناك جروح في جميع أنحاء جسدها، لما كان هناك أي سبب لوجود جرح في فخذها فقط.
تحملت إيزابيل الألم المزعج وتحاملت على ساقيها لتحريك جسدها، ثم اتجهت نحو المرآة المعلقة على الحائط.
مرت اللحظة الوجيزة التي انعكس فيها وجهها في المرآة كأنها دهر.
“آه.”
قابلت في المرآةِ امرأةً بوجهٍ غريب تمامًا.
امرأة بشعر بني يصل إلى الكتفين وعينين خضراوين وبشرة بيضاء، ذات ملامح عادية.
كان قوامها نحيلاً، لكن عضلات دقيقة ومنظمة كانت لافتة للنظر.
لكن ذلك لم يهمها بتاتًا.
المرأة في المرآة لم تكن تُشبه إيزابييل في شيء، باستثناء عينيها الخضراوين.
“هل أنا مجنونة…؟”
رفعت إيزابيل يدها.
فرفعت المرأة في المرآة يدها بالمثل.
إذًا، كانت هناك نتيجتان فقط يمكن لإيزابيل أن تستخلصهما الآن.
إما أنها جنّت وترى هلوسات، أو أنها دخلت جسدًا آخر.
في تلك اللحظة، فُتح الباب بعنف ودخل شخص ما.
اندفعت يد إيزابيل إلى الأمام فورًا، وما أمسكت به كان رقبة ذلك الشخص.
“هل استيقظتِ… هاه…”
كفاح الرجل الذي قبضت إيزابيل رقبته فور دخوله الغرفة يائسًا.
كان نفسه قد انقطع فلم يتمكن حتى من التوسل.
انسابت الدموع على وجه الرجل.
لمس سائل ظهر يدها، فارتعدت إيزابيل دهشةً.
“لماذا قُمتُ بـ…”
وفي الحال، أرخت إيزابيل قبضتها عن رقبته وتراجعت خطوة.
رغم أنها من دفعت يدها وأحكمت قبضتها حول رقبته، إلا أن إيزابيل لم تكن ترغب في ذلك على الإطلاق.
لقد اندفع جسدها غريزيًا.
تماماً كالمقاتلين المدربين منذ زمن طويل.
حدقت إيزابيل في يديها بنظرة غريبة، ثم اقتربت من الرجل بتردد.
عندما أقامت الرجل، تنفس بصعوبة وهو يكافح للنهوض.
ورغم أنه لم يتمكن من الوقوف بثبات، إلا أنه عندما اقتربت إيزابيل، لوّح بذراعه لإبعادها.
“هل أنت بخير؟”
“آه هاه، هاه…”
كان وجهه شاحبًا من الخوف، ملتصقًا بالحائط، ويصارع لالتقاط أنفاسه.
برؤية وجهه المرتعد، انتاب إيزابيل ذات القدر من الارتباك.
ساد صمت رقيق.
وجدت إيزابيل صعوبة في تحديد ما يجب أن تقوله.
هل تعتذر عن خنقها له عن طريق الخطأ، أم تشرح له بأن هذا الجسد ليس جسدها في الواقع.
في كلتا الحالتين، بدا الأمر وكأنه ذريعة سخيفة، ومناسبة تمامًا لتلقي صفعة.
وبينما كانت إيزابيل مستغرقة في التفكير، كان الرجل هو من بادر بالكلام.
أغمض عينيه وصرخ فجأة:
“أ- أنا مجرد طبيب! لقد وجدتُكِ فاقدة للوعي في الزقاق وجلبتُكِ إلى هنا قبل يومين لكي أعالجكِ فقط!”
– طبيب؟ زقاق؟ –
أومأت إيزابيل رأسها ببطء.
رد فعل جسدها المفاجئ عندما حدث الموقف الطارئ، بمد يدها فورًا وخنق خصمها، وشرحه بأنها كانت ساقطة في زقاق.
تطابقت الأجزاء.
يبدو أن مالكة هذا الجسد كانت شخصًا يقوم بأعمال خطرة للغاية.
شكرت إيزابيل الطبيب الذي شرح الموقف أولًا، وحنت رأسها.
“أنا آسفة… لم أستطع أن أرخي حذري.”
“لـ- لن تفعلي ذلك مجددًا، أليس كذلك؟”
“بالتأكيد.”
اقترب الطبيب ببطء، بعد أن نظر عدة مرات إلى وجه إيزابيل ويديها بعينين مليئتين بالشك.
ثم، ومُعتبرًا الخوف شيء والعمل آخر، قال بشجاعة:
“إذن، إن سمحتِ لي… سأفحص نبضكِ…”
عندما مدت يدها، أمسك الطبيب حذرًا بمعصم إيزابيل من مسافة بعيدة.
على عكس وضعيته المتجهمة، تحول وجه الطبيب إلى تعبير جاد وبدأ بفحص نبض إيزابيل. ولكن أثناء فحص حالتها، تزايد عبوس وجهه لحظة بعد الأخرى.
“همم… إن نبضك… امم…”
ثم سحب يده على الفور وسأل مترددًا:
“المعذرة، هل لديكِ أي معلومات عن أعراضكِ؟”
“لا، لا شيء على الإطلاق.”
“آه… هكذا إذن.”
مسح الطبيب وجهه.
“أولاً، رأيتِ إصابة الرصاص في فخذك، أليس كذلك؟”
“رأيتها.”
“إنها خدش بسيط، والجرح نفسه لن يتفاقم.”
“هكذا إذن. شكرًا لك.”
عندما أجابت ببلادةٍ، ازداد عبوس وجه الطبيب.
كان وجهه يوحي بأنه يفكر -ليس هذا ما توقعته-، فأمالت إيزابيل رأسها.
هل كان عليها أن تبدي ارتياحًا كبيرًا أو ربما أن تهرع لتشكره؟
“ما الخطب؟”
“حسنًا، الأمر فحسب.”
“أجل.”
تردد الطبيب طويلاً قبل أن يواصل كلامه.
“في الواقع… أنتِ مسمومة. وبما أن السم تسرب عبر جرح الرصاصة، فمن المرجح أن الرصاصة كانت مسمومة بسم خاص.”
“هكذا إذن…؟”
“أجل! سم، أقول لكِ، سم!”
أومأت إيزابيل برأسها.
بدا كل ما حدث منذ استيقاظها غريبًا.
فمن الواضح أنها ماتت ولكنها فتحت عينيها، وعندما نظرت في المرآة وجدت جسدها قد تغير.
والآن، حتى ذلك الجسد مسموم.
لقد عاشت حياة حافلة بالأحداث الصاخبة حتى الآن، لكنها لم تمر بكل هذه الأمور في يوم واحد قط.
إيزابيل، التي كانت تميل إلى احتمالية أن هذا قد يكون حقيقة أثناء حديثها مع الطبيب، وضعت الآن ثقلاً على الجانب الآخر.
– لعلي جننت من شدة الضرب. –
ومع ذلك، قررت إيزابيل أن تلتزم بالدور الذي أُسند إليها حاليًا.
بما أن الطبيب كان أمامها، فإن توجيه الكلمات المناسبة إليه كان أفضل ما يمكنها فعله في تلك اللحظة.
“ما نوع السم؟”
عندما سألت إيزابيل، أجاب الطبيب وهو مرتبك:
“آسف، إنه سم شديد الندرة لم أره في حياتي قط. لكن إذا كان هناك شيء واحد يمكنني قوله فهو…”
“أكمل من فضلك.”
نظر الطبيب إلى إيزابيل، ثم بدا أنه عاجز عن الكلام، فهرب من ملاقاة عينيها.
وبعد فترة طويلة من التردد، قال أخيرًا:
والتصريح الذي تبعه كان بالفعل يستحق كل ذلك التردد.
“بقي لكِ عام تقريبًا من الأيام المتبقية لكِ في الحياة.”
-انتهت-
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 5 - الفصل الخامس 2025-06-23
- 4 - الفصل الرابع 2025-06-23
- 3 - الفصل الثالث 2025-06-23
- 2 - الفصل الثاني 2025-06-20
- 1 - الفصل الأول 2025-06-18
التعليقات لهذا الفصل " 1"