1 - الفصل 1
كان ذلك المشهد…
مشهدًا لا يمكن محوه مهما حاولت.
سماء الإمبراطورية دي أليان الشرقية كانت مغطاة بضبابٍ ثقيل، يميل لونه إلى البرتقالي الداكن، كما لو أن الغروب نفسه ينعى ما سيحدث.
في ساحة القصر الإمبراطوري الواسعة، احتشد الناس من كل الطبقات، أصواتهم تختلط كأمواجٍ هائجة، لا رحمة فيها ولا تعاطف.
فرسانٌ مدججون بالدروع وقفوا في صفوفٍ منتظمة، رماحهم تلمع تحت الضوء الخافت، وعيونهم جامدة، بلا مشاعر.
وفي منتصف الساحة…
كانت هناك فتاة.
شعرها مبعثر، وجهها شاحب، ثوبها ممزق، ويداها مقيدتان بقسوة.
جسدها كان ضعيفًا، بالكاد يقاوم، وركبتاها ترتجفان وهي تُجبر على الجلوس على الأرض الباردة.
ثم ارتفع صوت أحد الفرسان، حادًا، رسميًا، لا يحمل أي تردد:
“الأميرة فيولا ڤلين…
ستُعدم اليوم بتهمة خيانة الإمبراطورية.”
ضجّت الساحة.
“خائنة!”
“اقتلـوها!”
“الموت لها!”
أمامها وقف رجل واحد…
ولي العهد.
ماكس دي أليان.
وقف شامخًا بملابسه الملكية، عيناه الخضراء شعره الاشقر الذهبي القصير، وإلى جانبه القديسة لورا مين، التي بدت كرمزٍ للنقاء في أعين الجميع.
رفع ماكس يده ببطء، وأشار إلى الفرسان.
“اقبضوا عليها.”
ثم قال بصوتٍ واضح، لا يقبل النقاش:
“لقد حاولت قتل القديسة.
هي خائنة للإمبراطورية.”
رفعت فيولا رأسها بصعوبة.
كانت تبكي.
“أرجوك… صاحب السمو، ولي العهد…
لا تقتلني…”
لكن صراخ الناس غطّى صوتها.
“اقضوا عليها!”
“الآن!”
عندها نطق ماكس بالكلمات التي أنهت كل شيء:
“الآن… الإعدام.”
وسقط السيف.
*****
بدأ صباحٌ جديد.
قصر فلينغا العظيم، في أقصى شمال الإمبراطورية.
الشتاء كان في ذروته.
الجبال المحيطة بالقصر مغطاة بطبقاتٍ كثيفة من الثلج الأبيض، والسماء رمادية، والبرد قاسٍ إلى حدٍ يخترق العظام.
في الخارج، كانت الحديقة غارقة في الثلوج.
أما في الداخل…
فكان الدفء يسود.
داخل غرفة نومٍ واسعة، استلقت فتاة صغيرة على سريرٍ فخم.
جسدٌ صغير، شعرٌ أسود قصير، ووجهٌ طفولي هادئ.
لكن…
كان الحلم مرعبًا.
وفجأة—
فتحت عينيها.
عينان ذهبيتان، اتسعتا بذعر.
“لا… لا تقتلني!”
نهضت جالسة، تتنفس بسرعة، قلبها يخفق بعنف.
نظرت حولها…
الغرفة لم تكن ساحة الإعدام.
ثوب نومٍ أبيض، ستائر ثقيلة، رائحة خشبٍ دافئ.
اقتربت من المرآة.
شعرٌ أسود قصير.
عينان ذهبيتان.
وضعت يدها على خديها، ثم تجمدت.
“…؟!”
جسدٌ صغير.
طفلة.
“أنا…؟“
عمرها… ثماني سنوات.
تراجعت خطوة، ثم انفجرت ضاحكة بذهول.
“لقد عدت…؟
حقًا عدت؟!”
ذاكرتها عادت كاملة.
هي فيولا ڤلين.
الشريرة الطاغية في القصة الأصلية.
قائدة فرسان الأسود، التي حاولت قتل القديسة لورا، وانتهت بالموت على يد ولي العهد.
“كيف حدث هذا…؟“
قبل أن تكمل أفكارها، جاء صوت طرقٍ على الباب.
“يا أميرة!
لقد تأخر الوقت، يجب أن تأتي لتناول الإفطار!”
أجابت بهدوء مصطنع:
“حسنًا، سآتي الآن.”
ثم أضافت الخادمة:
“صاحبة السمو الدوقة الكبرى شارلين في انتظارك.”
بعد أن غادر الصوت، بقيت فيولا وحدها.
شدّت قبضتها.
“هذه فرصتي الثانية…
لن أكون تلك الشريرة مرة أخرى.”
رفعت رأسها، وعيناها تلمعان بعزم.
“سأحمي الشمال…
وسأنقذ أرشيدوق أسلان دي ألين.”
تذكرت القصة الأصلية.
أسلان… البطل الفرعي الذي مات في حملة قمع الوحوش، ولم يعد أبدًا.
بدلت ملابسها، وارتدت فستانًا أزرق أنيقًا، ثم خرجت.
الممرات طويلة، صامتة.
وعلى الجدار…
لوحات.
توقفت أمام إحداها.
الدوق الأكبر راينارد ڤلين.
رجلٌ مهيب، شعره أسود قصير، عيناه زرقاوان حادتان، نظرة سيد الشمال.
“أبي…”
قالت بصوتٍ منخفض.
“العائلة ڤلين…
أقوى عائلة في الإمبراطورية.
عائلة بلا مشاعر… تقاتل الوحوش.”
تنفست بعمق.
“لكني… ابنته.”
دخلت قاعة الطعام.
كانت والدتها، الدوقة الكبرى شارلين ڤلين، جالسة تنتظرها.
شعرها الأحمر الطويل ينسدل على كتفيها، وعيناها الذهبيتان دافئتان.
“صباح الخير، أمي.”
“صباح النور يا ابنتي.”
بعد الحديث، علمت أن والدها سيعود اليوم.
قلبها انقبض.
“سأراه… للمرة الأولى.”
خرجت من القاعة، واتجهت إلى ساحة التدريب.
كانت خالية.
صامتة.
وفي المنتصف…
سيف.
نظرت إليه.
“هذا السيف…
سأحمله مرة أخرى.”
عيناها تلألأتا.
وفجأة—
صوت خطوات.
ظلٌ ضخم.
التفتت.
رجلٌ طويل، جسده مغطى بدرعٍ ثقيل رمادي، عباءة زرقاء على كتفه، سيف معلق عند خاصرته.
شعرٌ أسود قصير، وعينان زرقاوان حادتان.
الدوق الأكبر…
راينارد ڤلين.
قال بصوتٍ ثقيل:
“ماذا تفعلين في ساحة التدريب؟“
ثم—
تغيرت ملامحه.
ابتسم.
للمرة الأولى.
حملها بين ذراعيه.
“ابنتي…
لقد اشتقت إليكِ.”
“أبي…!”
“سأغير ملابسي، ثم أعلمك دروس السيف.”
غادر.
وبقيت فيولا وحدها.
تنظر إلى السيف.
. بعد أن غادر الدوق الأكبر راينارد ڤلين ساحة التدريب، عادت الساحة إلى صمتها المعتاد.
الثلج المتراكم على أطراف الأرض كان يذوب ببطء تحت آثار الأقدام الثقيلة التي غادرت منذ لحظات.
بقيت فيولا وحدها للحظة، تنظر إلى المكان الذي وقف فيه والدها.
*****
ثم استدارت.
سارت عبر ممرات القصر الطويلة، خطواتها الصغيرة تُحدث صدىً خافتًا فوق الأرضية الحجرية المصقولة.
الستائر الثقيلة، الجدران العالية، والشمعدانات المعلقة…
كل شيء كان مألوفًا، ومع ذلك غريبًا.
كأنها تسير داخل عالمٍ تعرفه… لكنها لم تعشه حقًا.
وصلت إلى غرفة نومها.
رفعت يدها الصغيرة، فتحت الباب، ثم أغلقته خلفها بهدوء.
اتجهت نحو الكرسي القريب من الطاولة الخشبية، جلست، وأسندت يديها فوق السطح البارد.
أصابعها قصيرة، طفولية، لا تشبه اليدين اللتين حملتا السيف يومًا.
أغمضت عينيها الذهبيتين.
ثم فتحتهما ببطء.
“لماذا أفكر كثيرًا…؟“
قالتها لنفسها بصوتٍ خافت.
تذكرت.
أبي…
راينارد ڤلين.
عاد من حملة قمع الوحوش.
قبل عام.
“كنت في السابعة حين غادر…”
تمتمت.
أمها كانت دائمًا بجانبها.
الدوقة الكبرى شارلين، بابتسامتها الدافئة، واهتمامها الذي لم ينقطع.
أما والدها…
كان الرجل الذي يخافه الجميع.
صارم، قاسٍ، لا يُظهر مشاعره.
لكن…
“حين ينظر إليّ… تتغير ملامحه.”
وضعت يدها على رأسها، وضحكت بخفة.
“أليس هذا مضحكًا؟“
ساد الصمت.
ثم تسللت فكرة أخرى.
العمل الأصلي.
“أرشيدوق أسلان دي ألين…”
ذلك الاسم.
الشخص الذي كان يعرف معنى المشاعر، رغم وجوده في بلاط الإمبراطورية الشرقية البارد.
الأمير الرابع.
حفيد الإمبراطور.
لا تعرف لماذا…
لكنها تذكرت.
حياتها السابقة.
ليلٌ هادئ في مدينةٍ كبيرة.
داخل شقة صغيرة، فتاة تجلس على السرير، كتاب بين يديها.
كانت تقرأ.
صفحة بعد صفحة.
الرواية.
البطلة الأصلية:
القديسة لورا مين.
البطل الأصلي:
ولي العهد ماكس دي أليان.
كان ماكس يحب القديسة، يهتم بها، ويقف إلى جانبها حتى النهاية.
وكانت هي… من أنقذت الإمبراطورية.
أما الشريرة…
“أنا.”
أميرة الشمال، فيولا ڤلين.
التي خدعت الجميع.
التي حاولت استخدام ولي العهد للسيطرة على الإمبراطورية.
التي فشلت.
وسقط الشمال بسببها.
لكن شخصيتها المفضلة لم تكن أيًا منهما.
“أسلان دي ألين…”
عيناه الزرقاوان كالكريستال الجليدي.
الشجاعة الهادئة.
الإخلاص الذي لم يطلب مقابلًا.
حامي الشرق.
دوقه.
ثم جاء الأمر الإمبراطوري.
مواجهة الوحوش.
ذهب.
ولم يعد.
“أُعلن موته…”
جسده وُجد تحت الثلج.
تضحية صامتة.
وبعد موته…
أُعدمَت فيولا.
وأُغلقت القصة.
أغلقت الكتاب.
خرجت إلى الشارع.
ثم…
“السيارة…”
ضحكة قصيرة، بلا روح.
“انتهى كل شيء هناك.”
فتحت عينيها.
نهضت من الكرسي، واتجهت نحو النافذة.
فتحتها قليلًا.
الثلج يتساقط بهدوء.
الحديقة البيضاء تمتد أمامها.
الهواء بارد.
“الشتاء بدأ في الشمال…”
ابتسمت بخفة.
“لكن… ماذا عليّ أن أفعل الآن؟“
ثم تصلبت.
“هل أسلان حي؟“
أغمضت عينيها.
ثم فتحتهما بقوة.
“نعم.”
قالتها بثقة.
“طالما أنا حية الآن…
فهو أيضًا حي.”
ابتسمت.
“سأنقذ كل شيء.”
قبضت يدها.
“لن أسمح بتكرار الماضي. أبدًا.”
وفجأة—
طرقٌ خفيف على الباب.
“من هناك؟“
“أنا.”
فتحت الباب.
دخل صبي صغير، شعره أحمر قصير، عيناه زرقاوان جليديتان.
عمره ست سنوات فقط.
“أودليت!”
ابتسمت.
كان الأخ الأكبر لها.
هادئ، قليل الكلام.
“أختي… أين أوسكار؟“
“لا أعلم، ربما مع أمي. سيعود.”
أومأ أودليت، ثم غادر.
بعدها، بدّلت فيولا ملابسها.
ارتدت زي التدريب، رتبت شعرها الأسود القصير، وأمسكت بالسيف الخشبي.
خرجت.
الممرات طويلة.
وأخيرًا…
ساحة التدريب.
الحراس فتحوا الأبواب.
الفرسان يتدربون.
وقفت فيولا في المنتصف.
“لماذا لم يأتِ أبي بعد…؟“
ثم—
“لقد دخل صاحب السمو الدوق الأكبر!”
التفتت.
دخل راينارد ڤلين، مرتديًا ملابس التدريب، قفازات سوداء، سيف خشبي في يده.
“أبي!”
“نعم. سنبدأ الآن.”
بدأ التدريب.
ضربة…
وصدة.
حركات فيولا كانت خفيفة، سريعة.
حركات والدها قوية، ثابتة.
“أنت قوي جدًا…”
“ركزي.”
استمر الصوت الخشبي يتردد.
حتى انتهى التدريب.
“كيف كنتُ؟“
نظر إليها.
“تحتاجين الكثير من التدريب.”
ثم—
“غدًا نكمل.”
جاءت الخادمة.
“سيدي، لقد أتى الدوق السابق.”
تجمدت فيولا.
“جدي…؟“
“نعم.”
خرجوا معًا.
غرفة الاستقبال.
رجلٌ مسن، شعره رمادي، عيناه زرقاوان.
أرماند ڤلين.
“راينارد.”
“أبي.”
تقدمت فيولا.
“مرحبًا جدي.”
نهض أرماند.
وضع يده على رأسها.
ابتسم.
“لقد كبرتِ كثيرًا.”
عانقها.
“اشتقتُ إليك يا جدي.” “. ملاحظة مهمة جدا: نشر هذا العمل وممنوع هذا عمل هو محمي
Chapters
Comments
- 1 - الفصل 1 منذ 21 ساعة
- 0 - المقدمة وصف الشخصيات 2025-12-23
التعليقات لهذا الفصل " 1"