– السيدة التي تعيد ضبط العالم. 

الفصل 4

أول شخص خطر ببالها كان إيزيلا. بصفتها خطيبة ريموند، كانت منافسة كارين، وتذكرت المرات التي حاولت فيها إيزيلا إذلالها في الماضي.

قلقةً على ريموند، أزعجت إيزيلا كارين بشدة. في الواقع، كانت لدى إيزيلا نقاط ضعف كثيرة. والأهم من ذلك، أنها ستكون ضحية سهلة نسبيًا، إذ قد تقترب منها كارين كخادمة لها لاحقًا.

“…ولكنه سيتم القبض عليّ على أية حال.”

إلى جانب كونها منافستها في الحب، كانت كارين أيضًا خادمة إيزيلا. من سيكون المشتبه به الرئيسي إن لم تكن هي؟ من الأفضل لو استطاعت الصمود طويلًا دون أن يُقبض عليها.

لم تكن تخشى عقوبة الإعدام. لو ماتت، لبدأت من جديد. وماذا لو ماتت حقًا دون عودة؟ هذا ما أرادته في النهاية.

لكن إن فشلت في البداية، فسيتلاشى حماسها. أرادت قتل أكبر عدد ممكن من الناس وجعل الأمر أكثر متعة.

لقد مرت بكل أنواع الصعوبات في تلك التكرارات، ولكن إذا تمكنت من القيام بذلك، فسوف تغمرها الكثير من الفخر.

فكرت في أسهل شخص يمكن قتله. ربما يكون ريموند هو الأصعب. ريموند رجلٌ مُنح لقب “سير” في النهاية.

رأته كارين ذات مرة يتعامل بسهولة مع ستة شبان أقوياء. لكن، إن كان معجبًا بها، فقد يكون مستعدًا لشرب أي شيء تقدمه له.

مع هذا القطار من الأفكار، فقدت القليل من قوتها.

لطالما تمنت الاستمتاع بوقتها. ربما خلال موعدٍ لركوب الخيل في منتصف الصيف، تستطيع أن تأخذه إلى مكانٍ منعزلٍ وتدفعه عن حصانه. إن حالفها الحظ، سيكسر رقبته.

كانت كارين تعرف رايموند جيدًا.

لا، لقد عرفت جميع الشخصيات جيدًا.

لهذا السبب، كان جسدها الضعيف قادرًا على إضفاء المزيد من المتعة على هذا التحدي. قبضت كارين يدها وهي تفكر في هذا، لكنها أرختها مجددًا بابتسامة وهي تضع إكسسوارًا على شعرها.

ستؤجل الحديث عن ريموند إلى وقت لاحق. قبل لقائه، كان على كارين مقابلة خطيبته الحالية، إيزيلا إيفانز.

كان اسمها “كارين هاير”. وإذا تعرضت كارين لأي خطر، فسيكون ريموند سندًا لها. وكما كان الحال حتى الآن، كان هذا هو التطور الطبيعي للقصة – قصة حب مبتذلة.

لكن هذه المرة، سيكون الأمر مختلفًا بعض الشيء. نظرت كارين في المرآة بقلب يخفق بشدة. بخدودها المحمرّة وعينيها المتألقتين بالترقب، بدا انعكاسها كفتاة مغرمة.

بعد عقود طويلة، انطلقت أخيرًا في مغامرة جديدة. تذكرت كارين اليوم الذي التقت فيه بريموند لأول مرة قبل أكثر من قرن.

حلم فتاة.

فارسٌ بشعرٍ ذهبيّ فاتن. غنيّ، وسيم، مثاليّ، ومع ذلك باردٌ تجاه النساء الأخريات. ابتسمت كارين وهي تُسرّح شعرها. ما تحلم به كل فتاة، في الواقع، ليس رجلاً لطيفاً مع جميع النساء، بل رجلاً لطيفاً معها فقط. لهذا السبب كان مثالياً.

لقد كان فارسًا موجودًا فقط من أجل كارين.

لطالما رغبت كارين في رؤية ما سيؤول إليه هذا العام، لكن أحد المستقبلات التي رغبت برؤيته تحديدًا هو كيف سيتصرف ريموند بعد وفاتها. — ماذا فعلت بعد وفاتي؟ يا فارسي، هل انتقمتَ ممن قتلوني؟ هل ذرفتَ الدموع، هل يئستَ؟ أم نسيتني ومضيتَ مع شخص آخر؟.

كانت كارين مقتنعة بأن الاحتمال الأوضح والأكثر ترجيحًا هو افتراضها الأول. حتى قبل وفاتها، لم يكن ليقبل بتورط كارين. وإذا ماتت كارين، فماذا سيحدث حينها؟ يا للأسف. أرادت أن ترى ذلك، لكنها لم تستطع.

ماتت كارين عدة مرات على يد فيرديك في غرفة ريموند. كان فيرديك والد إيزيلا، وفي ظل ظروف معينة، نجح في قتل كارين يوم زفافها على ريموند.

عند التفكير في فيرديك، شعرت كارين بلسعة خفيفة في حلقها. من بين المرات القليلة التي انقطعت فيها أنفاس كارين بسببه، لا بد أن ريموند أمسك فيرديك في بعض الأحيان. ماذا فعل ريموند بفيرديك؟ أو، ما الذي تعتقد أنه فعله؟ أرادت كارين أن ترى رد فعل ريموند.

خلال تراجعتها الأولى، فكرت كارين أن الحل يكمن في “نهاية سعيدة” مع ريموند. كانت خائفة للغاية آنذاك، لكن الآن، كان الأمر سهلاً بما يكفي لتفكر بهدوء في قتل الناس.

كان فيرديك قد قطع عنق كارين ذات مرة بفأس يدوي، وكان نصل الفأس غير حاد. هاه هاه… لم يكن أمامها سوى أن تلهث، واستغرق موتها وقتًا طويلًا – لم يكن ذلك إلا بعد أن سُحق حلقها وكُسر عنقها.

عندما تنبأت كارين لاحقًا بأفعال فيرديك، حرصت شخصيًا على تغيير فأسه إلى فأس حاد. كما أمالت رأسها استباقيًا، على أمل أن تموت بضربة واحدة.

“لقد قُتلت بالفعل من خلال أساليب مختلفة، أليس كذلك؟”.

لكنها لم تكن الوحيدة التي ستموت هذه المرة.

ضحكت كارين. ارتسمت على وجهها ابتسامة مشرقة، كأنها شمت وردة ذات رائحة عطرة.

* * *

“…ولهذا السبب يجب ألا تخطئ أبدًا. من يرتكب الخطايا سيُلقى في جهنم الأبدية دون أي فرصة للنجاة. كن طاهرًا كالروح القدس…”.

حاولت كارين ألا تغمض عينيها، مانعةً التثاؤب الذي كادت أن ينفجر. لم يكن هناك منوم أفضل من عظة مملة. كانت هذه عظة سمعتها مرارًا وتكرارًا.

حاولت أن تُصلي. وانتظرت. صوت إله، وهم، ظهور غامض لعرّاف – أي شيء.

لكن لم يكن هناك جواب. لم تستطع سماع الصوت الذي تمنت سماعه بشدة. أرادت فقط أن تفهم سبب حدوث ذلك.

لكن مع مرورها بتراجعات أخرى، استسلمت في النهاية. متى ستعود حياتها؟ متى سينتهي هذا الحلم؟ متى ستخرج من هذا الجحيم؟ أرجوك، أرني إشارة. أخبرني لماذا أعاني هكذا. لماذا يجب أن أعاني هكذا.

“ل-لا تهيني هذه الساعة المقدسة، كارين هاير.”

أليس من المهين أكثر أن يكون هو الواقف على تلك المنصة؟ فكّروا في مَن يُضطرّون لتحمل عظةٍ مُتلعثمة. حاولت كارين توبيخ دولان، لكنها تراجعت عن ذلك عندما رأت امرأةً تقترب من الخلف. انحنت كارين قليلاً، وانحنت إيزيلا بدورها.

أهلاً. أجل، أنا بخير. أوهوهو. تبادلنا التحيات والضحكات غير الصادقة. ابتسمت كارين لفستان إيزيلا الفضي الملون الذي لم يكن يناسب الكنيسة إطلاقاً.

أنتِ أيضًا لا تُحرزين أي تقدم، همم؟ بما أن كارين قررت أن تُمضي هذا العام في ارتكاب جريمة قتل، فقد فكرت في إيزيلا، مرتدية هذا الفستان الفضي القصير.

بدت كجرس. لو أُمسكت من ساقيها وهززتها في الهواء، هل ستصرخ كالجرس؟ تساءلت كارين.

“سيدة هاير، هل تعجبك قلادتي؟”

“نعم. لا بد أن والدك اشتراه لك. ما أجمله…”.

سيبدو جيد لو كانت تتدلى كالحبل.

“فوفو، لم يكن أبي هو من أهداني هذا. هذه هدية من خطيبي. سمعتُ أنكِ ستتزوجين قريبًا يا سيدة هاير. هل تلقيتِ هدية أيضًا؟”.

“……”

هيا، لا تيأس. تنهدت كارين وهي تشاهد وجه دولان يزداد احمرارًا. كيف يُمكن لصهر سيد إقطاعي ريفي – والذي سيتزوج من العائلة بالمناسبة – أن يُحضّر هديةً باهظة الثمن تُضاهي أرستقراطيًا أو مليونيرًا؟. 

ولكن بما أن هذا كان أمراً كان الجميع على علم به بالفعل، فقد أصبح الجو بارداً بشكل متزايد.

“يا إلهي، أعتذر. كنتُ غير لبقة. أرجوك سامحني.”

“ماذا تقولين، لا داعي للندم. إنها قلادة جميلة في النهاية. أرجوكِ أريني إياها لاحقًا.”

على أية حال، الرجل الذي أهداكِ أياه سيتقرب من كارين لاحقًا.

“ثم أنا سعيدة.”

أوه، إيزيلا، إيزيلا. لهذا السبب لا يمكن أن تكوني أنتِ.

حتى لو حاولتَ التنمر عليّ، فلا يُمكن أن تكون أنتِ. أنتِ غنية بالتأكيد، لكنك لستَ بنفس مستواي. انظر حولكِ – الجميع يتعاطف معي بدلًا من أن يساندك.

ذهبت كارين مع التدفق وأسقطت بعض الدموع قليلا.

“إن الاهتمام الكبير بالرغبات المادية ليس صحيحًا.”

“……”

آه، لماذا يجب عليك أن تصب الماء البارد على جهودي؟. 

ناضل دولان لمواصلة الحديث، محاولاً انتقاد إيزيلا، لكن كلما فعل ذلك أكثر، أصبحت الأجواء أكثر برودة.

عقدت كارين حاجبيها. لماذا يزعجها؟ لم تُرد أن تُحبط فرصتها في دخول قصر إيزيلا ومقابلة ريموند هناك.

“سأذهب الآن.”

بينما كانت كارين تحدق في شخصية إيزيلا المتراجعة، حاول دولان أن ينادي ب كارين، ولكن دون جدوى.

وتساءلت عما إذا كان سيكون من الأسهل إغواء ريموند لو كانت أرملة.

* * *

من رأى كارين لأول مرة سيظن أنها فاتنة. حزن الجميع على وفاة السيدة هاير الطيبة القلب، لكنهم شعروا بحزن أكبر على كارين، التي كانت تزداد جمالًا يومًا بعد يوم، وهي تبكي عليها. ورغم أنها خطبت في سن مبكرة، إلا أن الفضوليين عنها استمروا في المجيء.

ومع ذلك، كان سيد الإقطاعية هاير يحمي كارين من أعينهم المتطفلة في كل مرة. ورغم اعتقاد الجميع أنهما لا يناسبان بعضهما البعض، إلا أن الخطوبة كانت لا تزال في طريقها. وساد استياء خفي داخل الإقطاعية.

وكل من رأى كارين، وسط أزهار الربيع المشرقة، وهي تبتسم لدولان، شعر كيف كان دمه يغلي.

كان شعرها الأحمر الزاهي يُذكر بباقة وردٍ في أوج ازدهارها. وبينما كانت تركض بحماس، لم تكن ضحكتها التي انفجرت من شفتيها لطفًا، بل صدقًا.

خطواتها الرشيقة جعلتها تبدو كإلهة الربيع، وكأنها ترقص – لقد حلّ الربيع نفسه. كانت خفيفةً جدًا على قدميها لدرجة أنها بدت وكأنها لا تستطيع سحق بتلة واحدة.

توقف الجميع عن فعل أي شيء، لاهثين. كانت كصورة مبهجة متلألئة لسماء الصيف القادم. كم سنة مضت منذ أن ضحكت هكذا؟.

كان يومًا يستحق الاحتفال. حلّ الربيع، وعبق عبير الزهور في الهواء. كانت السماء صافية وزرقاء، وكانت الفتاة الجميلة تبتسم بفرح كبير.

.

.

.

كانت جريمة القتل الأولى التي ارتكبتها كارين ناجحة.

~~~

لا تنسوا كومنتاتكم الحلوة يلي تخليني استمتع بالتنزيل

حسابي انستا:  roxana_roxcell

حسابي واتباد: black_dwarf_37_