صرّ الباب الخشبي الثقيل لغرفة والدها بصوتٍ خافت عندما دفعته ديليا. انزلقت إلى الداخل، وأغلقته بهدوء خلفها. كانت الغرفة معتمة، وستائرها المخملية السميكة مسدلة بإحكامٍ في مواجهة الشمس، لا تسمح إلا لخيوطٍ رقيقةٍ من الضوء باختراق العتمة. كان الهواء ساكنًا، تفوح منه رائحة دواء خفيفة، رائحةٌ تعلقت بذكرياتها عن والدها.
كان البارون هنري في يوم من الأيام من أبرز الشخصيات في بلاط الملك. أكسبه ذكاؤه الحاد وعمله الدؤوب مكانة مرموقة ونفوذًا لا يضاهيه إلا القليل. كان البارون الوحيد الذي خدم الملك شخصيًا، مستشارًا موثوقًا به وسط حشد كبير من الفيكونتات والكونتات والدوقات. كانت مشورته محل تقدير، وولاؤه أكسبه ود الملك الحقيقي. لكن مرضًا قاسيًا مفاجئًا سرقه من عالم السياسة في البلاط النابض بالحياة، وحاصره بين جدران هذه الغرفة الصامتة.
كان نائمًا، مستلقيًا بلا حراك في وسط سرير كبير مزخرف، بدا وكأنه يبتلع جسده الهزيل. كان تنفسه خافتًا، صوتًا خافتًا إيقاعيًا في الغرفة الهادئة. سارت ديليا نحو السرير، خطواتها مكتومة بسبب السجادة الفارسية السميكة. نظرت إلى وجهه، الذي كان يومًا قويًا وحازمًا، شاحبًا الآن ومحفوفًا بخطوط الألم حتى في نومه. كان شعره الداكن متشابكًا مع شيب أكثر مما تذكرت، ويداه القويتان ترقدان بضعف على الأغطية.
جلست بهدوء على حافة السرير، حريصةً ألا تصدمه. مدت يدها وأمسكت إحدى يديه. شعرت ببرودتها وهشاشتها. بإبهامها، بدأت تفرك ظهر يده برفق، في لفتة مألوفة ومطمئنة من طفولتها.
بدت الحركة الطفيفة وكأنها توقظه من نومه الخفيف. رفرفت جفونه، وأدار رأسه ببطء على الوسادة. ركزت عيناه، رغم غمام التعب، عليها. تسللت إليهما لمحة من التعرّف، ثمّ دفء.
“ديليا،” همس بصوتٍ جافّ. “لم تعد تزورني كثيرًا.” كان هناك لمحةٌ خفيفةٌ من التوبيخ في نبرته، شبح الأب المتسلط الذي كان عليه سابقًا. لكن عندما تأمل تعبيرها الكئيب، اختفى الصرامة، وحل محله القلق. ضغط على يدها برفق. “يا صغيرتي، ما المشكلة؟ تبدين حزينة جدًا.”
خفضت ديليا نظرها إلى أيديهما المتشابكة. شعرت بثقل الكلمات التي تدربت عليها، لكنها كانت ضرورية. “أبي”، بدأت بصوت يملؤه الحزن. “لقد فسخت خطوبتي من اللورد جورج.”
عبس والدها. تحرك قليلاً محاولاً رفع نفسه، حركة صغيرة بدت أنها كلفته جهداً كبيراً. “لماذا؟” سأل بصوت أقوى قليلاً. “ظننتُ أنكِ تحبينه. أوغوستا هي من لفتت انتباهي إلى الأمر. قالت إنكِ مغرمة به بشدة. قبلتُ هذا الزواج لأنني اعتقدتُ أنه ما أردتِه.”
التقت ديليا بنظراته، وهزت رأسها. لا بد أن أوغستا قد نسجت خدعة لتزويجها بسرعة وهدوء. قالت بصوت حازم رغم حزنها المصطنع: “لم أعد أريده يا أبي. لقد كنت مخطئة في مشاعري”.
تأمل البارون هنري وجهها طويلاً، باحثاً في عينيها. لطالما استطاع قراءة كلماتها، وتجاوز بساطتها. رأى فيها عزماً جديداً، شيئاً لم يره من قبل. تنهد بصوتٍ مُنهك، واسترخى جسده على الوسائد. لم يُلحّ في طلب التفاصيل. سعادتها هي كل ما يهم. قال بصوتٍ واضحٍ وحاسم: “إن كان هذا ما تُريدينه، فسأُلغي الأمر. انتهى الأمر.”
ارتسمت ابتسامة صادقة على شفتي ديليا، كشعاع ضوء خافت في الغرفة المعتمة. قالت، وقد غمرها شعورٌ بالراحة: “شكرًا لك يا أبي”. كانت تلك هي العقبة الأولى، وقد كانت سهلةً بشكلٍ مدهش. كان حب والدها لها درعًا منيعًا. توقفت، تستجمع شجاعتها وتُرتب جملها التالية بعناية. كان هذا الجزء التالي بنفس الأهمية.
لم يمرّ ترددها مرور الكرام. سألها والدها، وقد ظلّ إدراكه حادًا رغم مرضه: “ما الخطب؟ أخبريني”.
أخذت ديليا نفسًا عميقًا. قالت: “أحتاج إلى نقود”، وخرجت الكلمات بصوت خافت خجول تقريبًا.
بدا عليه الدهشة. تجعد جبينه في حيرة. “مال؟ ألا يكفيكم أوغوستا؟ لقد وفرتُ ما يكفي لهذا المنزل، لكم جميعًا.”
كان هذا هو الجزء الحساس. فكرت ديليا بسرعة. لو أخبرته الحقيقة – أن أوغستا بالكاد تُعطيها ما يكفيها للعيش، وأنها تُعامل كخادمة في منزلها – لغضب بشدة. سيواجه أوغستا، وسيُنبّه الجدال زوجة أبيها إلى وجود خطب ما. ستزداد أوغستا ريبةً وحذرًا، وستُفشل خطة ديليا لانتزاع الدوق من قبضة آن قبل أن تبدأ. كان عليها أن تحمي سرها.
هزت رأسها، مُتظاهرةً بنظرةٍ مُتفهمة. “لا يا أبي، ليس الأمر كذلك،” كذبت بهدوء. “البارونة تُعطيني مصروفًا. لكنها تخشى أن أُفرط في الإنفاق. إنها فقط تُراعي شؤون العائلة المالية. أنا السبب في رغبتي في شيءٍ مُبذّر.”
ارتسمت ابتسامة واعية متعبة على شفتي البارون هنري. كان يفهم طبيعة زوجته أكثر من أي شخص آخر. كان يعلم أن “حذرها” غالبًا ما يكاد يكون بخيلًا، وخاصةً مع ديليا.
مدّ يده المرتعشة نحو الصندوق الصغير المرصع على طاولة سريره. “في الدرج العلوي،” أمر. “هناك بروش ذهبي مرصع بالياقوت. خذه.”
قفز قلب ديليا. فتحت الدرج. هناك، على فراش من المخمل الداكن، وجدت قطعة مجوهرات رائعة. كانت دبوسًا ذهبيًا ثقيلًا منحوتًا بدقة، يتوسطه ياقوتة زرقاء داكنة تتلألأ. كانت قطعة تليق بنبيل، ومن الواضح أنها ثمينة للغاية.
“بِيعيها”، قال والدها بصوتٍ حازم. “لا أظن أنني سأستخدمها بعد الآن، استخدمي المال لأي شيء تحتاجينه. أما ديليا”، أضاف وعيناه تلتقيان بعينيها، “لا تخبريها. هذا بيننا. لا أملك القوة لشكواها.”
كانت ابتسامة ديليا مليئة بالامتنان. “شكرًا لك يا أبي.” التقطت البروش بحرص، وشعرت بثقله الخفيف كمفتاح في يدها. مفتاح لمستقبلها، مفتاح لانتقامها.
نظرت إلى والدها، الذي كان متكئًا إلى الخلف وعيناه مغمضتان، منهكًا من المحادثة القصيرة. غمرتها موجة من الحب والحزن. لم تره كما هو الآن فحسب، بل كما تذكرته من حياتها الماضية.
في ذلك الخط الزمني الآخر، ساءت حالته منذ تلك اللحظة. تلاشى، وأصبح رجلاً هشًا يعيش على خيط رفيع، حتى انقطع ذلك الخيط أخيرًا، تاركًا إياها وحيدة تمامًا تحت رحمة أوغوستا. هذه المرة ستكون مختلفة. هذه المرة، ستستخدم الموارد التي يمنحها إياها لتغيير كل شيء.
وضعت ديليا يده على خدها، ضاغطةً بشرتها الباردة الجافة. كانت هذه البادرة مفعمةً بحبٍّ شديدٍ وحامي. لن تخذلها. لن تدع أوغوستا وآن تُبددان إرثه.
“استرح قليلاً يا أبي”، همست بهدوء. “أراكم قريبًا.”
ضغط على يدها ضغطة أخيرة خفيفة تعبيرًا عن امتنانه. نهضت ديليا، ممسكةً بدبوس الذهب بإحكام في كفها. ألقت نظرة أخيرة على والدها، متذكرةً حركة صدره الهادئة.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"