كان الصوت هادئًا وباردًا، ويشعّ بسلطة سيطرت على الفور على الغرفة الفوضوية. كان الدوق فيليب. وقف عند مدخل غرفة الجلوس الخاصة، وعلى وجهه تعبير ازدراء متعب. رفعت آن، التي كانت تستعد لهجوم ويستون، رأسها فرأته، وقد نسيت غضبها للحظة، ليحل محله ذهول ودهشة.
استخدم فيليب طرف عصاه الأنيقة ليدفع بقوة صدر ويستون. لم تكن دفعة عنيفة، لكنها كانت حاسمة وثابتة. سقط ويستون، الذي فقد توازنه ولم يكن مستعدًا للتدخل، على السجادة الوثيرة وهو يتأوه من المفاجأة، وارتطم رأسه بالأرض.
سأله فيليب: “هل كنت على وشك ضرب سيدة؟” وبقي السؤال معلقاً في الهواء دون إجابة.
“يا إلهي، ويستون! يا بني. هل أنت بخير؟” هرعت الفيكونتيسة بينيلوبي إلى جانب ابنها، وقد ارتسمت على وجهها ملامح الذعر الأمومي وهي تساعده على الجلوس. “هل أنت مصاب؟”
هز ويستون رأسه مشيراً إلى أنه بخير.
كانت آن لا تزال تنظر إلى فيليب، وعقلها يحاول استيعاب ظهوره المفاجئ. أما فيليب، فلم يكن ينظر إليها. كانت نظراته الباردة مثبتة على والدتها.
قال بصوتٍ جافٍّ خالٍ من الفكاهة: “مرحباً مجدداً يا بارونة”.
أوغستا، التي كانت متجمدة في مقعدها، تمكنت من رسم ابتسامة متوترة وضيقة. “صاحبة السمو. نلتقي مجدداً.”
هل التقيا من قبل؟ فكرت آن في نفسها، وقد غمرتها موجة جديدة من الحيرة. نظرت إلى والدتها، ثم إلى الدوق، ثم عادت بنظرها إلى والدتها. كانت والدتها تدور في حلقات لا تعرف عنها شيئًا.
ابتسم فيليب ابتسامة خفيفة تحمل في طياتها معرفة عميقة. وسأل بنبرة ساخرة: “هل تتبعينني بالصدفة يا بارونة؟ يبدو أننا نتردد على نفس الأماكن.”
أجابت أوغستا بهدوء، وقد استعادت رباطة جأشها: “لا على الإطلاق يا صاحبة السمو. إنها مصادفة سعيدة، أؤكد لكِ ذلك.”
عندها فقط تحوّل نظر فيليب أخيرًا إلى آن. نظر إليها، نظر إليها بتمعن للمرة الأولى. من مكان جلوسها، كشف فستانها القرمزي الجريء عن جزء كبير من بشرتها الشاحبة. رصدت عيناه بشرتها المتوردة، وفتحة صدرها المنخفضة التي أبرزت امتلاء صدرها، وكتفيها، وعنقها، والنظرة المتحدية في عينيها. للحظة وجيزة، لم يرها كإنسانة، بل كمشهد. ثم، وبسرعة خاطفة، صرف نظره، وظهرت على ملامحه لمحة من شيء بدا وكأنه اشمئزاز أو ربما حتى خجل. نظر بعيدًا كما لو أن رؤيتها ابتذال لا يريد أن يكون جزءًا منه.
ويستون، الذي نهض على قدميه بمساعدة والدته، ووجهه محمر من الإذلال والغضب، رأى فرصته.
“أنت!” زمجر، “كيف تجرؤ؟” قال ذلك وهو يستعد للهجوم على فيليب، الرجل الذي دفعه إلى الأرض بكل سهولة.
لكن فيليب لم يرف له جفن. ببساطة مدّ يده داخل معطفه، وبحركة سلسة متقنة، أخرج مسدساً صغيراً مطلياً بالفضة. لم يوجهه نحو الهدف، بل أمسكه بيده فقط، وتألق المعدن المصقول في ضوء غرفة الجلوس الخافت.
سأل فيليب بهدوء، بصوتٍ خافتٍ ينذر بالخطر: “ماذا؟ هل تعرف من أنا؟ هل تريد أن تقاتلني؟ هل نُهيّئ الأمور بمبارزةٍ رسمية؟ لأنني سأكون سعيدًا بذلك. لكن هل تعتقد حقًا أنك ستفوز؟ ماذا لو أخطأتُ الهدف وأصبتُ والدتك؟”
ثم وجه المسدس نحو الفيكونتيسة بينيلوبي التي اتسعت عيناها من الدهشة، ثم عاد بنظره إلى ويستون الذي رفع يديه في إشارة إلى الهزيمة.
كان مشهد السلاح، والوعد البارد بالعنف في عيني فيليب، كافياً. أمسكت بينيلوبي، وهي مرعوبة، بذراع ابنها، وسحبته إلى الوراء.
قالت الفيكونتيسة بصوت يرتجف من الغضب والخوف وهي تستدير لمواجهتها: “يا بارونة أوغستا، هذا التحالف ملغي! كان هذا الاجتماع برمته عارًا! سأرسل رسالة إلى زوجك لأشرح له هذه الإهانة، ولا أريد أن أراكِ أنتِ أو وجه ابنتكِ سيئة الأخلاق مرة أخرى!”
ابتسمت آن. ابتسامة صادقة وراضية. لقد حصلت على ما أرادته بالضبط. تخريب خطة زواجها.
بينيلوبي، وهي تجر ابنها الغاضب الذي أصبح صامتاً الآن، خرجت من غرفة الجلوس غاضبة دون أن تلتفت إلى الوراء.
تلاشت ابتسامة أوغستا، التي كانت مرسومة على وجهها، للحظة. لم تكن تتوقع أن ينهار التحالف بهذه السرعة. فكرت في مدى غضب هنري وكيف سيملأ أذنيها بشكاويه التي لا تنتهي عندما تعود إلى المنزل. نهضت مسرعةً ولحقت بهم.
“انتظري يا فيكونتيسة!” نادت بصوت يائس. “لا تفعلي هذا! يمكننا التحدث في هذا الأمر! يا فيكونتيسة!”
أطلقت آن تنهيدة خفيفة منزعجة وهي تراقب والدتها تطارد النبلاء الغاضبين. “ليس هناك داعٍ لذلك. دعيهم يذهبون. آه… كم هذا مزعج.” تمتمت لنفسها. نهضت عازمةً على اللحاق بهم، لكنها توقفت فجأة. استدارت وراقبت فيليب، الذي كان يعيد مسدسه بهدوء إلى معطفه. بدا غير مكترث تمامًا بالفوضى التي أمر بها للتو. بدأ يمشي نحو المخرج الخاص في مؤخرة غرفة الجلوس، وعصاه تُصدر صوتًا خفيفًا منتظمًا على السجادة السميكة.
انتاب آن شعورٌ غريبٌ جديد. شعورٌ بالفضول. كان قويًا، وسيمًا، ثريًا، خطيرًا، وغير مهتمٍّ إطلاقًا بالألغاز التي كانت تلعبها. لم يكن يشبه الرجال المتملقين والضعفاء الذين اعتادت عليهم.
“شكراً لك يا صاحب السمو”، نادت بصوتٍ أكثر رقةً وصدقاً. “شكراً لك على مساعدتك…”
لكن فيليب لم يُعرها أي اهتمام. لم يُبطئ من سرعته، ولم يلتفت، ولم يُعرها أي اهتمام حتى. واصل سيره، مُركزًا كل انتباهه على طريقه، وكان صوت عصاه إيقاعًا ثابتًا مُتجاهلًا وهو يختفي من الغرفة، تاركًا إياها واقفة وحدها، وعقلها يُخطط لشيء ما.
التعليقات لهذا الفصل " 78"