تردد صدى صوت تحطم المزهرية في غرفة القياس التي سادها الصمت فجأة. نظرت ديليا إلى جورج، وكان تعبير وجهها غامضاً لا يمكن قراءة دلالته.
قالت بصوت منخفض من شدة المفاجأة: “جورج”. وفكرت في نفسها: “ماذا يفعل هنا؟”
حدّق بها، وعيناه مثبتتان عليها، مستمتعاً بجمالها في فستان الزفاف الرائع. انحنت البائعة التي كانت تقوده، وارتجفت يداها بعصبية وهي تبدأ في جمع قطع الزجاج المكسور.
تجاهلها جورج تماماً. دخل الغرفة، وعيناه لم تفارق ديليا لحظة.
قال البائع محاولاً منعه: “سيدي… سيدي، لا يمكنك الدخول إلى هنا، إنه مكان محظور”.
سار ببطء، وكأنه في غيبوبة، يرى ديليا تبدو أجمل وأكثر رقة مما كان يتخيل. توقف على بعد خطوات قليلة منها، وتجولت نظراته في الغرفة الفخمة، والفستان الباهظ الثمن، والمجوهرات التي لا تقدر بثمن.
“إذن، لم يكن كافياً لكِ أن تتزوجي رجلاً آخر؟” بدأ حديثه بصوت منخفض وحاد. نظر حول الغرفة بابتسامة ساخرة مريرة. “لم تكلفي نفسكِ عناء إخباري حتى.”
ألقت ديليا عليه نظرة باردة لا مبالية. “لا شيء…” بدأت تقول، لكنه قاطعها.
“أعذار، أعذار، أعذار!” بصق بصوتٍ يملؤه الغضب الممزوج بالشفقة على الذات. “لا داعي لمزيد من الأعذار يا ديليا. الحقيقة واضحة أمامي.” واصل التحديق بها، وقد تحولت ملامحه إلى شيءٍ قبيح. “بصراحة، عندما رأيتكِ الآن بهذا الفستان، كرهتكِ. كرهتكِ لدرجة أنكِ خنتني.”
وقف إريك بجانب ديليا، وتقدم خطوةً للأمام في محاولةٍ لحمايته، وقد تجهم وجهه غضبًا. أراد التدخل، أن يطرد هذا الرجل، لكن ديليا، دون أن تنظر إليه، هزت رأسها هزّةً خفيفةً تكاد لا تُرى، في إشارةٍ له بعدم فعل ذلك. أرادت أن تسمع ما سيقوله.
اعتبر جورج هذا دعوةً لمواصلة كلامه الماكر. قال ضاحكًا ضحكةً خاليةً من المرح: “يا للعجب! هل تفعل هذا بي حقًا؟ هل ستسخر مني بهذه القسوة؟” ثم بدأ صوته يرتفع: “طوال هذا الوقت، كنت أعتقد أنه لا ينبغي أن أكون أنا الغاضب. كنت أعتقد أنني لست بحاجة للشعور بالأسف تجاهها بعد الآن.”
لمعت عيناه بغضبٍ عنيفٍ مفاجئ وهو يخطو خطوةً أخرى نحو ديليا. ولكن قبل أن يتمكن من الاقتراب أكثر، تحرك إريك ودفعه بقوةٍ وحزم.
قال إريك بصوت منخفض آمر وهو يقف أمام ديليا لحمايتها: “ابتعد يا جورج”.
تراجع جورج متعثرًا، لكنه لم ينتهِ بعد. نظر من فوق إريك، مثبتًا عينيه على وجه ديليا الجامد. “لكنني لستُ مضطرًا للغضب، أليس كذلك؟” سخر منها. “لأنكِ لا تبدين سعيدة كما كنتِ عندما كنتِ تستعدين للزواج مني. أتتذكرين ذلك يا ديليا؟ كنتِ في غاية الحماس حينها. كنتِ متألقة. الآن…” نظر إليها من أعلى إلى أسفل بنظرة ازدراء. “الآن أنتِ تقفين هناك فقط، كدمية ترتدي فستانًا جميلًا، كما لو كنتِ تُباعين في مكان ما.”
كان ذلك القشة التي قصمت ظهر البعير. الإهانة، القاسية والشخصية للغاية، جعلت شيئًا ما ينفجر داخل إريك. اندفع للأمام، وبسرعة مرعبة، لكم جورج في وجهه مباشرة.
أطاحت قوة الضربة بجورج أرضًا. وقبل أن يتمكن أحد من الرد، كان إريك فوقه، ووجهه يعكس غضبًا عارمًا لا يمكن كبته. بدأ ينهال عليه باللكمات مرارًا وتكرارًا، كل لكمة منها تُحدث دويًا مروعًا. ملأت أصوات العراك، وأنين جورج من الألم، وغضب إريك الجامح، الغرفة التي كانت أنيقة في يوم من الأيام.
تمكن جورج، ووجهه ملطخ بالدماء والكدمات، من الابتسام للرجل الذي كان يضربه. قال وهو يسعل ويبصق كمية من الدم: “رائع. اقتلني. تمامًا كما كنت تنوي أن تفعل بأخيك.”
بدت الكلمات، اتهامًا مباشرًا لاذعًا، وكأنها اخترقت غضب إريك. اندفعت ديليا، التي كانت متجمدة من الصدمة، إلى الأمام. أمسكت بذراع إريك، وسحبته بعيدًا عن جورج بكل قوتها. صرخت قائلة: “إريك، توقف! توقف! إنه لا يستحق كل هذا العناء.”
نظر إليها، وصدره يرتفع وينخفض، وعيناه لا تزالان تشتعلان غضباً. لكن لمستها، وصوتها، بدا وكأنهما الشيء الوحيد الذي يمكن أن يصل إليه. سمح لها أن تهدئه، وأن تعيده إلى رشده.
نهض جورج ببطء وألم من على الأرض. مسح الدم الذي كان يسيل من أنفه وشفته المتشققة بظهر يده، ثم لطخ به خده. بدأ وجهه ينتفخ بالفعل.
نظر إليهما وهما يقفان معًا، وأطلق ضحكة قصيرة مريرة. قال بصوت أجشّ ومتلعثم من جراء إصاباته: “أتمنى لكما كل التوفيق”. ثم نظر مباشرة إلى ديليا، التي ردّت عليه بنظرة باردة مقلقة. لم تعد تشعر تجاهه بشيء. لا شفقة، ولا غضب، ولا حتى كراهية. لا شيء على الإطلاق.
قال: “ديليا!”، وكان اسمها بمثابة مناشدة أخيرة يائسة للحصول على رد فعل. “أتمنى لكِ السعادة حقًا.” ثم توقف، وتحول وجهه الملطخ بالدماء إلى ابتسامة ساخرة بائسة. “مع أنني لا أعرف إن كنتِ ستتمكنين يومًا من أن تكوني سعيدة حقًا.”
لم تُجبه ديليا. بالنسبة لها، كانت كلماته مجرد أصوات جوفاء، ضجيجًا لا معنى له لرجل لم تعد تعرفه. لم تؤثر فيها. لم يكن لها أي معنى بالنسبة لها. ولذلك، لم تستدعِ ردًا.
ألقى جورج نظرة أخيرة طويلة ومؤلمة عليها وهي ترتدي الفستان الأبيض الجميل، وهو فستان كان من المفترض أن يكون له. ثم استدار وغادر، تاركاً وراءه أثراً من الدماء والزجاج المكسور.
التعليقات لهذا الفصل " 74"