هطل المطر بغزارة، مائلاً، محولاً الفناء إلى بحيرة موحلة. رفع السيد راي، وقد تبلل معطفه، جسد الدوق الثقيل فاقد الوعي بحرص. حمل إريك إلى العربة المنتظرة، ووجهه متجهم من القلق. تبعته ديليا عن كثب، فستانها البسيط ملتصق بها، وجسدها يرتجف من البرد، لكن ذهنها كان منصباً كلياً على الرجل بين ذراعي السيد راي.
عندما وصلوا إلى العربة، خلع راي معطفه الجاف. قال وهو يُقدّمه لها: “سيدتي، من فضلكِ. أنتِ تتجمدين من البرد. يجب أن تُبقي نفسكِ دافئة.”
أخذت ديليا المعطف الصوفي الثقيل، لكنها فعلت شيئًا فاجأه. لم تلفّه حول كتفيها المرتعشين، بل لفّته بحرص على جسد إريك الجامد بعد أن أجلسه السيد راي على المقعد. لفّته حوله، ثم أمسكت بيديه الباردتين المرتخيتين، فركتهما بقوة، ونفخت أنفاسها الدافئة على جلده.
بعد لحظاتٍ مُرهقة، وصلوا إلى منزل الدوق الخاص. حمل السيد راي، بقوةٍ تُناقض سنه، إريك إلى الداخل وصعد الدرج الكبير إلى غرفة نومه. وبينما وضع الدوق على السرير الكبير، أعطته ديليا أمرًا حازمًا وواضحًا، وقد نسيت تمامًا انزعاجها.
“استدعي الطبيب”، قالت بصوتٍ لا يترك مجالًا للنقاش. “حالًا”.
غادر راي على الفور، ووقعت خطواته مسرعةً في الردهة. تُركت ديليا وحدها في الغرفة الهادئة المعتمة مع إريك. كانت ملابسه مبللة، وكانت تعلم أنه إذا بقي فيها، سيُصاب بنزلة برد شديدة، بالإضافة إلى أي علة أخرى يعاني منها. غمرها التردد. كان هذا تصرفًا غير لائق. لكن فكرة تفاقم مرضه كانت أسوأ بكثير من أي خرق للآداب.
أدارت ظهرها، وخدودها تحمرّ، ووعدت نفسها ألا تنظر. يداها ترتجفان، عملت بسرعة، ففتحت أزرار قميصه وسرواله المبلل، وغيّرت ملابسه بعناية إلى ملابس يومية نظيفة وجافة وجدتها في خزانته. عندما انتهت، رفعت اللحاف الثقيل حتى ذقنه.
بقيت معه جالسةً على كرسيٍّ بجانب سريره، تراقب صدره وهو يرتفع وينخفض بشكلٍ غير منتظم. كان تنفسه لا يزال سريعًا جدًا، وقطرات العرق تتكوّن على جبينه مجددًا، رغم برودة جلده.
“ألهذا ترى كوابيس كل ليلة؟” همست للرجل فاقد الوعي. “ألهذا السبب قالت والدتك إنك لم تنم جيدًا منذ سنوات؟ ما الذي يزعجك إلى هذا الحد، يا صاحب الجلالة؟”
كانت غارقة في أفكارها المقلقة لدرجة أنها قفزت من مكانها عندما فُتح الباب. عندما رأت الطبيب عند الباب، هرعت لجره إلى الداخل. قالت بصوت مذعور: “يا دكتور، أرجوك، ساعده. إنه يتنفس بشكل متقطع. أخشى أن يتوقف عن التنفس في أي لحظة”.
ألقى الطبيب حقيبته الطبية ونظر إلى ديليا. تأمل مظهرها – شعرها المبلل الأشعث، الذي أصبح الآن أشعثًا، وفستانها البسيط لا يزال رطبًا ومتسخًا عند أطرافه، وقدميها العاريتين المرتعشتين على الأرض الباردة. بدت في حالة يرثى لها، امرأة تركض بدافع الأدرينالين والخوف.
“يمكنكِ الذهاب والاعتناء بنفسكِ الآن يا سيدتي،” قال الطبيب بصوتٍ لطيفٍ لكن حازم. “سأبقى مع جلالته. أعدكِ أن كل شيء سيكون على ما يرام. لن يفيدكِ إذا مرضتِ أنتِ أيضًا.”
حينها فقط أدركت ديليا ما كان يقوله. نظرت إلى حالتها وأومأت برأسها بخدر. ذهبت إلى غرفتها، استحمت بماء ساخن، وتركت الدفء يمتص برودة عظامها. غيرت ملابسها إلى ثوب نوم دافئ ورداء، وظلت شاردة الذهن على الرجل في الغرفة المجاورة.
عندما خرجت، كان الطبيب بانتظارها. قال مطمئنًا: “حالته مستقرة الآن يا سيدتي. تنفسه منتظم، ونبضات قلبه عادت إلى طبيعتها. إنه ينام بعمق.” ناولها زجاجة صغيرة. “هذا لكِ. مُقوٍّ لمنع إصابتكِ بنزلة برد.”
“ماذا عن دواء جلالته؟” سألت وهي تأخذ الزجاجة.
هزّ الطبيب رأسه ببطء، وظهرت على عينيه نظرة حزن. قال بلطف: “سيدتي، ما يمر به جلالته لا يُشفى بالدواء. إنه جرحٌ في النفس لا في الجسد”.
شكرته ديليا ورافقته إلى الباب. بعد أن غادر، وقفت عند مدخل المنزل طويلًا، تنظر إلى السماء المظلمة المبللة بالمطر. قالت في نفسها وهي تشدّ رداءها بقوة، وشعرت بقشعريرة لا علاقة لها بالبرد: “يا له من مطرٍ غزير”.
دخلت أخيرًا وأغلقت الباب. كان أول ما خطر ببالها هو الاطمئنان على إريك. تسللت بحذر إلى غرفته وألقت نظرة خاطفة. كان السرير فارغًا.
سيطر عليها خوفٌ باردٌ وحاد. أين كان؟ لم يكن بإمكانه الرحيل هكذا.
“جلالتك؟” نادت بصوتٍ خافتٍ مرتجف. “جلالتك؟”
بدأت تبحث، وقلبها يخفق بشدة. تفقّدت غرفته مجددًا، ثم المطبخ، ثم غرفة الرسم المظلمة والصامتة. لا شيء.
كانت في الردهة الرئيسية، تلك المؤدية إلى غرفتها، عندما أمسكت يدٌ فجأةً بمعصمها وسحبتها للأمام. تعثرت، وأطلقت صرخةً خفيفةً وهي تهبط على صدرٍ صلبٍ دافئ. رفعت رأسها فرأت إريك.
كان يمسك خصرها بيده، والأخرى معصمها. بدا شاحبًا ومريضًا في الضوء الخافت، لكنه كان واقفًا. كان مستيقظًا. دموع الارتياح تتجمع في زوايا عينيها.
رأى تعبير وجهها، فتركها بهدوء، وتراجع خطوة إلى الوراء. قال بهدوء: “كنت أبحث عنكِ”.
“هل أنت بخير؟” سألت بصوتٍ مُفعم بالقلق. مدت يدها، تُريد أن تلمس وجهه، أن تتحسس جلده، وتطمئن نفسها أنه بخير وليس مُصابًا بالحمى، لكنها ترددت وأعادت يدها إلى جانبها.
أومأ برأسه، مع أنه بدا عليه عدم الاستقرار. قال وهو ينظر إلى عينيها الزرقاوين الحزينتين: “أنا بخير الآن. أنا آسف لإخافتك.”
لم تقتنع ديليا. “هل أنت متأكد؟ هل أتصل بالطبيب مرة أخرى؟ حدث كل شيء فجأة. لا بد أن هناك سببًا لـ…” لم تكن تعلم متى فعلت ذلك، لكن يديها كانتا تمسكان بذراعه، متمسكتين به بيأس كما لو كانت تخشى اختفائه.
عندما أدركت ما تفعله، أرادت التراجع، مُحرجةً من جرأتها. لكن إريك لم يُضيّع فرصة لمسها له. غطّى يديها برفق بيديه، مُمسكًا بهما على ذراعه.
“أعرف هذا المرض،” قال بصوت هادئ وحزين. “لا يستطيع الطبيب فعل شيء. هذا كل ما أعرفه.” أمسك يديها للحظة، ولمس إبهامه بشرتها برفق، قبل أن يتركها أخيرًا.
نظر إليها، وعيناه مليئتان بضعف عميق متعب لم تره من قبل. “هل يمكنكِ إرجاعي إلى غرفتي؟” سأل بصوت ناعم ومتعب. “أنا… أريد أن أرتاح قليلًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 66"