“ديليا!!!” دوى صوتٌ يخترق أجواء ما بعد الظهر الهادئة. استدارت البارونة أوغوستا وآن، اللتان بقيتا في الحديقة، فجأةً. كان جورج يخطو نحو أبواب القصر، وجهه أحمر من الغضب والإحباط. كان حارسان من القصر، يبدو أنهما يلاحقانه، يحاولان كبح جماحه، وأيديهما على ذراعيه.
“ديليا، من فضلك استمعي لي!” صرخ جورج، وكان صوته يتردد عبر الفناء.
أشارت البارونة أوغوستا للحراس بحركة خفية من معصمها. أدرك الحراس أمرها الضمني، فأطلقوا سراح جورج فورًا وتراجعوا، واختفوا في ظلال مدخل القصر.
كان وجه أوغستا مُغطّىً ببراءةٍ زائفةٍ وهي تُخاطب جورج. “ما معنى هذا يا جورج؟ ما الذي يحدث بينكما؟ ماذا حدث؟” كانت نبرتها مُشبّعةً بطلبٍ مُبطّنٍ لإجابات، لكنّها صُمّمت بعنايةٍ لتبدو قلقةً.
جورج، الذي لا يزال منزعجًا، مرر يده في شعره. “هل يمكننا تأجيل الزفاف يا بارونة؟ أعتقد أنها منهكة. لا بد أن الزفاف قد أثر عليها سلبًا.” كان يحاول بوضوح تهدئة الأمور، وحفظ ماء الوجه، وربما تجنب الظهور العلني.
في تلك اللحظة، فُتح باب القصر، وخرجت ديليا، بوجهٍ باردٍ حازم. رأت جورج، وعيناه واسعتان بمزيجٍ من الصدمة واليأس. بحركةٍ سريعةٍ وحاسمة، مدت ديليا يدها اليسرى. خلعت خاتم الخطوبة، الذي كان يتلألأ بسخريةٍ في ضوء الشمس. بكل قوتها، ألقت به عليه.
طارت الخاتم في الهواء وضربت جورج مباشرةً على صدره. ارتدّت عنه بصوتٍ مكتومٍ وسقطت على الأرض، وسقطت بصمتٍ على الحصى عند قدميه. بدا الصوت وكأنه يخترق الصمت المفاجئ الذي خيّم على الفناء.
“ما الذي نؤجله؟ يبدو أنكم لم تسمعوا ما قلته؟!” صرخت ديليا بصوت مرتجف قليلاً، لكنه حازم. انتقلت نظرتها من جورج إلى البارونة أوغوستا وآن، اللتين كانتا الآن تحدقان فيّ.
التقط جورج الخاتم، ونظر إلى ديليا، وعيناه متسعتان من عدم التصديق. “عادت أمي من الموديست قائلةً إنكِ ستفسخين الخطوبة ولن تُكملي الزواج.” توقف، ونظر إليها نظرةً حادة. “ما سببكِ؟”
سخرت ديليا بصوتٍ مريرٍ بلا حسٍّ فكاهي. “أتريدني أن أقولها هنا أن امرأةً أخرى تسكن—”
لم تستطع إكمال جملتها. جورج، وقد ارتسم الذعر على وجهه فجأة، تحرك بسرعة. أمسك بذراعها، قبضته قوية بشكل مفاجئ، وسحبها بعيدًا عن الفناء، بعيدًا عن أعين وآذان البارونة أوغوستا وآن وأي خادم قد يراقبها. كاد يجرها إلى الجزء الخلفي من القصر، نحو الطريق المنعزل، النادر الاستخدام، المؤدي إلى الإسطبلات القديمة.
وصلا إلى مسافة آمنة، مختبئين خلف سياج كثيف وجدار الإسطبل المهيب. سحبت ديليا يدها بقوة من يده، وعيناها تشتعلان. “اتركني! لا تلمسني مرة أخرى!”
نظرت إليه مباشرةً، بنظرة ثابتة. عيناه، الواثقتان عادةً، امتلأتا الآن بالصدمة ولمسة من الخوف.
أطلقت ديليا ضحكة ساخرة، صوتًا أجشًا مكسورًا لا يحمل أي فرح. “أتظن أنني لا أعرف؟”
وقف جورج صامتًا، كتفاه منحنيتان، وخاتم الخطوبة لا يزال ممسكًا بيده. لم يقل شيئًا، اكتفى بمراقبتها، ووجهه مُثقل بالذنب.
تابعت ديليا، ودموعها تنهمر أخيرًا على وجهها، حارة ولاذعة. “في قلبك امرأة أخرى. لم تُحبني قط.” كانت كلماتها جرحًا غائرًا، ممزقًا ليراه.
تكلم جورج أخيرًا بصوت منخفض وأجش. “ديليا، أنا—”
لكن ديليا قاطعته، وارتفع صوتها مجددًا، مُغذّيًا بسنوات من الألم والخيانة المُكبوتة. “وهناك شخص لا يستطيع أن يُبادلك الحب.” ضحكت ضحكة مكتومة، مُدمعة، وهي تمسح خديها المُبلّلين بعنف. “تريد الزواج بي للتقرّب منها، أليس كذلك؟ أعلم أنك تُحب آن.”
أراد جورج أن يقول شيئًا، أن يشرح، أن ينكر، لكن ديليا لم تنتهِ. انفتحت أبواب الفيضان، وتدفقت سنوات من الألم المكبوت. “أم بسبب ما ستكسبه؟ لم توافق والدتك حتى على زواجك من طفل غير شرعي، لكنها وافقت لأن عائلتك ستستفيد من التحالف مع عائلتي، أليس كذلك؟” كان صوتها حادًا، متهمًا، يصدمه بالحقيقة التي لا يستطيع إنكارها.
نظرت إليه مباشرة في عينيه، بنظرة ثاقبة. “أم هو شفقة على الذات؟ تشعر أننا في نفس المكانة. تريد من يشعرك بأهميتك، أليس كذلك؟ يا له من ثنائي رائع: الابن غير الشرعي لعائلة إلينغتون وابن تاجر أصبح سيدًا بأعجوبة.”
ثم أدركت حقيقة جديدة، أوضح وأبرد من أي شيء سابق. غطت فمها بيدها، وخرجت من شفتيها عبارة “آه!”. “لهذا السبب. أنت تعلم أنك دونها! لهذا السبب لا يمكنك حتى الاعتراف لها بمشاعرك!”
ضحكت مرة أخرى. “أم هو شفقة؟ أنت تعلم أنني أحببتك وسأفعل أي شيء من أجلك، لذا تريد الزواج بي من باب الشفقة.” صرخت. “كيف تجرؤ على الشفقة علي؟”
أصبح تعبيرها جادًا. غضبٌ يشتعل في قزحيتها الزرقاء. “أم هذا كل ما ذكرته؟”
وظل جورج صامتا.
أطلقت ديليا ضحكة جافة خالية من الفكاهة. “كنت أعرف الإجابة مسبقًا، وصمتك أكدها.”
جورج، بوجهٍ شاحب، جثا على ركبتيه في التراب، والخاتم لا يزال ممسكًا بيده. «ديليا، أنا-» بدأ يتوسل، بصوتٍ يملؤه اليأس.
لكن ديليا سمعت ما يكفي. لقد منحته أكثر من ما يكفي من وقتها، ودموعها، وحقيقتها. “انتظر”، قاطعته بصوت حازم وحاسم. “لقد أعطيتك ما يكفي من الأسباب. لذا لا تقترب مني في المستقبل.”
أدارت ظهرها له، تاركةً إياه راكعًا هناك. عادت إلى القصر. هذه المرة، فرغت من جورج. فرغت من آل بيمبروك. فرغت من كونها مُستغلة. ولن تنظر إلى الوراء.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"