أُغلق باب غرفة الرسم الثقيل خلف آن بقوة، لكنها لم تتراجع. واصلت سيرها البطيء والمتأني على الدرج الكبير، وزجاجة النبيذ نصف الفارغة في يدها كسلاح. كانت كل خطوة تحديًا لأمها، ولمصيرها.
“آن!”
سمعت صوت جورج ينادي باسمها من قاعة المدخل حيث يبدو أنه كان يتسكع، لكنها لم تتوقف. لم تلتفت حتى. كان هو سبب كل هذا، رجل ضعيف لا قيمة له، كلّفها تردده كل شيء. مرت به مباشرة، ودفعت الأبواب الفرنسية، وخرجت إلى الحديقة الباردة المظلمة.
تبعها، خطواته مترددة على الممر الحجري. قادته إلى جناح صغير أبيض اللون، مُحاط بشجيرات الورد، مبنى شبكي رقيق، اعتادت والدتها إقامة حفلات شاي فيه مع سيدات نبيلات. في ضوء القمر، بدا كقفص جميل أشبه بظلال من الأشباح.
أسقطت آن الزجاجة وكأس النبيذ الوحيد على الطاولة الحديدية الصغيرة، محدثةً صوتًا مكتومًا تردد صداه في هدوء الليل. كان الصوت غاضبًا ونهائيًا. سحبت أحد الكراسي المزخرفة، التي يُصدر صوت صرير المعدن على الحجر، وجلست، وسكبت لنفسها كأسًا من النبيذ الأحمر الداكن على الفور.
جلس جورج مقابلها، وملامح وجهه مزيج من القلق والارتباك. سأل بصوت خافت: “آن، الأمر يتعلق بإريك كارسون، أليس كذلك؟”
لم تُجبه. اكتفت بجرعة طويلة من النبيذ، فلم يُخَدِّر السائل المُرُّ ألم قلبها.
“سأتحدث مع ديليا في الأمر،” عرض، وبدت كلماته ساذجة وحمقاء حتى في أذنيه. “أنا متأكد أنها لا تفكر بوضوح. لا بد أنها فكرت في الأمر أيضًا، الآن، في كيفية إساءة معاملتها لأختها.”
انطلقت ضحكة قصيرة، مُرهقة، خالية من الفكاهة من شفتي آن. كان غباؤه مُثيرًا للإعجاب تقريبًا. هزت رأسها، ولم تُبدِ أي رد، وسكبت لنفسها كأسًا آخر، بيدها المُرتعشة قليلًا.
مدّ جورج يده عبر الطاولة وأخذ الزجاجة الثقيلة من يدها برفق. قال بصوت حازم لكن لطيف: “توقفي يا آن. لقد شبعتِ.” خلع معطفه الرسمي، ووقف، وألقى به على كتفيها النحيفتين. كان دفء الصوف مصدر راحة طفيفة.
“لماذا ترتدي ملابس خفيفة جدًا عند خروجك؟ ستصاب بالبرد.”
وقع نظره على قدميها. كانت حافية القدمين، بعد أن تركت نعالها في مكان ما بالمنزل. ركع أمامها دون تردد. أمسك قدميها الباردتين المتربة بيديه. وبمنديله، نظّف باطن قدميها بعناية من التراب وبدأ يدلكهما، وإبهاماه يتحركان ببطء وثبات ليعيدا إليهما بعض الدفء.
“ستمرضين،” همس، ورأسه منحني في هذا التفاني الغريب. ثم فعل شيئًا أكثر دهشة. خلع حذاءه الجلدي الثمين، ووضع قدميها الصغيرتين العاريتين برفق داخله. “لأُدفئها،” قال ببساطة، كما لو كان ذلك أكثر شيء طبيعي في العالم. عاد إلى مقعده، تاركًا قدميها مستريحتين داخل حذائه الكبير الدافئ.
كسرت هذه اللفتة الرقيقة غير المتوقعة صمتها. سألت بصوتٍ خافتٍ وجاف: “هل تعلم ماذا كانت تفعل ديليا اليوم يا جورج؟”
نظر إليها، وكان وجهه مليئًا بالقلق، ينتظر إجابة.
قالت بصوتٍ يقطر مرارةً باردةً قاسيةً: “كان لديهما لقاءٌ عائليٌّ اليوم. اللقاء الرسمي بين العائلتين. نفس اللقاء العائلي الذي ضمن خطوبتها عليك. ذلك الذي أسعدها لدرجة أنها لم تستطع التوقف عن الابتسام لأسبوعٍ كامل.”
بدأت الكلمات تتسرب إلى ذهن جورج، ببطء وكثافة كالعسل. “عائلة… مقدمة…”
كان يُدرك، إلى حدٍّ ما، معنى ذلك. كان لقاءُ رئيسيّ العائلتين الخطوةَ الرسميةَ الأخيرةَ قبلَ إعلانِ الزواج. هذا يعني أن الأمرَ لم يعد مُجرّدَ إشاعة، بل أصبحَ حقيقةً. هذا ما يحدث.
أصابه الإدراك كصفعة على وجهه. نهض فجأةً، وحركاته خرقاء من الصدمة. وبينما هو يفعل، ارتطم رأسه بقوة بإناء زهور معلق مليء باللبلاب المتدلي، معلق من سقف الجناح.
“آخ!” صرخ وهو يتراجع خطوةً إلى الوراء، ويده ترفرف على رأسه النابض. “مقدمة عائلية؟” صرخ، واختلط ألم رأسه بالذعر في قلبه.
“أجل،” قالت آن، ناظرةً إليه بنظرة باردة جامدة. “بينما أنت واقفٌ لا تفعل شيئًا، تسير استعدادات زواجها بسلاسة.”
فرك جورج رأسه النابض محاولًا تصفية أفكاره. “هذا سخيف. لا يُمكن أن يكون كذلك. أين ديليا الآن؟”
أجابت آن وهي تهز كتفيها بلا مبالاة، وهي ترتشف رشفة أخرى من النبيذ: “لا أعرف. ربما تكون في نُزُل فاخر، أو على الأرجح في منزل الدوق الخاص.”
أثارت صورة ديليا وحدها مع الدوق في منزله موجةً جديدةً من اليأس في قلب جورج. سقط أرضًا في مقعده، وقد استنفذت طاقته تمامًا. وضع مرفقيه على الطاولة ودفن وجهه بين يديه، وخرجت أنينٌ خافت من شفتيه. “مقدمة عائلية…”
مدت آن يدها عبر الطاولة واستعادت زجاجة النبيذ منه. سكبت لنفسها كأسًا آخر، كأسها الثالث، أو ربما الرابع. قالت بصوت حادّ وحذر: “حسنًا يا جورج، هل تريد استعادتها؟”
لم يتحرك جورج، ووجهه لا يزال مختبئًا بين يديه. تسارعت أفكاره. فكر في كيف ستكون الأمور لو قررت ديليا، الابنة الثانية المحبوبة للبارون، أن تقف بجانبه بدلًا منه. سترتفع مكانته إلى عنان السماء. ستُنقذ عائلته من ديونها المتراكمة. سيشاركون في ثروة عائلة إلينغتون وعلاقات عائلته. وآن… ستعود سعيدةً من جديد.
رؤيتها محطمة ومُدمرة تمامًا، جرح قلبه، حتى لو كان ألمها من أجل رجل آخر. سعادتها كانت شيئًا يتوق إليه، شيئًا يشعر بأنه مسؤول عنه.
رفع رأسه، وعيناه مليئتان بعزم جديد يائس. قال بصوت أجش: “بالتأكيد، لكنني لا أعرف كيف. يبدو الأمر ميؤوسًا منه.”
أخذت آن رشفةً طويلةً عميقةً من نبيذها، ثم ألقت الكأس على الطاولة. قالت وعيناها تلمعان بنارٍ خطيرةٍ من الخمر: “ساعدني إذًا”.
نظر إليها جورج بصدمة. “ماذا؟”
“سأتولى زمام الأمور بنفسي”، أعلنت، كلماتها متلعثمة قليلاً. سكبت لنفسها مشروبًا آخر وارتشفته دفعة واحدة، كما لو كانت تتحلى بالشجاعة. نظرت إلى جورج وهو يحاول تمليس شعره الأشعث وتعابير وجهه البائسة واليائسة.
“يا له من غبي!” تمتمت في نفسها، وارتسمت على وجهها نظرة اشمئزاز. كان مجرد أداة، وستستخدمه.
التعليقات لهذا الفصل " 45"