كان السرير الفخم ذو الأعمدة الأربعة أكثر ما نامت عليه ديليا راحةً في حياتها، بأغطية ناعمة كالسحاب وفراش بدا وكأنه يحتضنها تمامًا. ومع ذلك، رفض النوم أن يأتي. كانت تتقلب في فراشها، وعقلها مزيجٌ فوضويٌّ من محنة اليوم وذكرى نظرة دوقٍ حادة. كان صمت المنزل الفخم مختلفًا تمامًا عن الضجيج الذي يملأ رأسها.
تنهدت بالإحباط، ثم جلست. تسلل ضوء القمر عبر النافذة الكبيرة، مُغمرًا الغرفة بتوهج فضي. مدت يدها إلى كوب الماء على طاولة السرير المزخرفة وشربته دفعة واحدة، لكن السائل البارد لم يُهدئ من روعها. أرادت أن تصب لنفسها كوبًا آخر، لكن عندما رفعت الإبريق الكريستالي الثقيل، كان فارغًا.
نهضت من السرير، وقدماها العاريتان صامتتان على السجادة الوثيرة. خلعَت رداءها الحريري الموضوع بجانب سريرها، وسارت بهدوء نحو الباب. كانت بحاجة إلى المزيد من الماء، والمكان الوحيد للحصول عليه هو المطبخ. فتحت بابها وتسللت إلى الردهة الهادئة، وكان دليلها الوحيد ضوء القمر الباهت المتسلل عبر نوافذ القصر العديدة.
في طريقها إلى المطبخ، مرّت بغرفة الرسم. لفت انتباهها شخصٌ مُنهكٌ على أحد الكراسي الكبيرة. كان إريك. لم يكن قد ذهب إلى فراشه، بل نام هناك. على الطاولة بجانبه، رأت زجاجتي نبيذ فارغتين.
“كم كان عنده؟” همست لنفسها، ومضة من القلق تلمس قلبها.
وضعت إبريقها الفارغ على الطاولة واتجهت نحوه. كان أول ما خطر ببالها فكرة عملية. التقطت الزجاجات الفارغة بحرص، وحركتها بطيئة ومدروسة كي لا تُصدر صوتًا. تسللت على أطراف أصابعها إلى خزانة المشروبات وتخلصت منها داخلها، ضامنةً عدم سقوطها أو كسرها.
عندما انتهت، عادت إليه. تسللت على أطراف أصابعها إلى كرسيه وانحنت بجانبه. بإصبع واحد متردد، نكزت كتفه برفق.
“يا صاحب الجلالة،” همست. “إذا كنت ستنام، فادخل غرفتك. الجو بارد هنا.”
لم يُجِب. بدلًا من ذلك، عدّل وضعية نومه، وتحرك على الكرسي حتى أصبح مُقابلًا لها. “ممم”، تأوه بهدوء في نومه، صوت انزعاج.
حينها رأت قطرات العرق الصغيرة تلمع على جبينه. كانت الغرفة باردة، ومع ذلك كان يتعرق. سألت نفسها بهدوء: “لماذا يتعرق بغزارة؟”. رأت منديله المطوي بعناية على ذراع الكرسي. التقطته، وبلمسة خفيفة ولطيفة، بدأت تمسح العرق عن جبينه.
تأوه مجددًا، هذه المرة بصوت أعلى، وعقد حاجبيه في نومه، وتحولت ملامحه الهادئة إلى عبوس مضطرب. توقفت على الفور، قلقةً من أنها أزعجته. كان يهمس بشيء ما، كلمات منخفضة ومشوشة يصعب عليها فهمها. بدافع الفضول، اقتربت منه، واضعةً أذنها على بُعد بوصات من شفتيه، محاولةً التقاط الكلمة التالية، حريصةً على ألا توقظه.
لم تسمع سوى همساتٍ متقطعةٍ ومضطربة. استسلمت، واستدارت لتقف، لكن بينما كانت تتحرك، أدركت مدى قرب وجهها منه. كانت شفتاها على بُعد نفسٍ منه. أرسل هذا القرب الشديد المفاجئ رعشةً من الرعب في جسدها. انتفضت إلى الوراء على الفور، بسرعةٍ كبيرةٍ لدرجة أنها فقدت توازنها وكادت أن تسقط على الأرض.
أمسكت نفسها، وقلبها يخفق بشدة. كان تنفسه متقطعًا، سريعًا وسطحيًا. كان من الواضح أنه غارق في كابوس. تقدمت مجددًا. حامت يدها فوق كتفه، مترددة في البداية، قبل أن تضعها أخيرًا هناك وتبدأ بتربيت ظهره بإيقاع بطيء ومنتظم، كما لو كان المرء يهدئ طفلًا خائفًا.
بلمستها، بدأ تنفسه يهدأ، وتوقفت حركاته المضطربة. واصلت حركة التربيت اللطيفة. “جلالتك”، قالت بنبرة خافتة، بالكاد همسة في الغرفة الصامتة. “بماذا تحلم؟”
ظل إيريك يتأوه بهدوء، على الرغم من اختفاء الحافة المضطربة.
“مع من تتحدث؟” تساءلت بصوت عالٍ. “وعم تتحدث؟” نظرت إلى وجهه النائم، إلى خطوط التوتر التي لا تزال بادية عليه حتى وهو يهدأ.
كان لغزًا لم تستطع حله. دوقٌ قويٌّ يُعِدّ طعامه بنفسه، لا يُحبّ البقاء في منزل عائلته، يعيش وحيدًا في هذا المنزل الكبير بلا خُدّام، مُخطّطٌ استراتيجيّ بارعٌ يُمازحها كصبيّ، رجلٌ ينام على كرسيّ ليحرس بابها. همست بشفقة: “كلما تعرّفتُ عليك أكثر، قلّ شعوري بأنني أعرف من أنت حقًا”. واصلت تربيته، تُراقبه حتى عاد تنفسه مُنتظمًا وعميقًا.
في النهاية، سيطر عليها الإرهاق، وانزلقت إلى الأرض، واستقر رأسها على ذراع الكرسي الذي كان ينام فيه، وأخيراً سقطت في نوم عميق بنفسها.
~ ••••• ~
أشرقت شمس الصباح على غرفة الاستقبال بنور ساطع لا يرحم. دقات مفتاح حادة في قفل الباب الأمامي، أعقبها صوت فتح الباب، معلنةً عن قدوم زائر. دخلت الدوقة ليرا المنزل، مستخدمةً المفتاح الاحتياطي الذي احتفظت به لحالات الطوارئ والزيارات غير المتوقعة.
نظرت حول المنزل الصامت وتمتمت تحت أنفاسها، وكان هناك تلميح من الانزعاج في صوتها، “هل لا يزال نائماً في هذه الساعة؟”
دخلت غرفة الرسم وتوقفت في مكانها. كان المشهد أمامها لحظة ساحرة لكنها فاضحة. كان ابنها، الدوق، نائمًا على كرسي بذراعين، يتنفس بانتظام. وعلى الأرض بجانبه، ورأسها مستريح على مسند الكرسي كوسادة، كانت ديليا. رُمي رداءها الحريري جانبًا أثناء نومها، كاشفًا عن بشرتها تحت قميص النوم البسيط. بدوا كزوجين شابين قضيا ليلة طويلة يتحدثان، ليناموا في مكانهما تمامًا.
طارت يد الدوقة ليرا إلى فمها، وأطلقت شهقةً عاليةً من الصدمة. “يا إلهي! يا إلهي!”
اخترق الصوت هدوء الصباح، فانفتحت ديليا على مصراعيها. نظرت ليرا باهتمام إلى المرأة على الأرض، وعقلها يحاول تجميع شتات الأحداث. سألت بصوتٍ يملؤه عدم التصديق: “ديليا؟”
لم تكن ديليا مستيقظة تمامًا، وعقلها غارق في النوم، رأت صورة الدوقة المهيبة، وتمتمت بأول كلمة خطرت ببالها: “أمي؟”
جلست وهي تفرك عينيها. انقشع ضباب النوم، واتسعت عيناها رعبًا عندما أدركت من يقف هناك، وكيف يبدو المشهد. “أمي!” صرخت، وهي تنهض فجأة وتشد رداءها حول نفسها. “أمي، لم يحدث شيء! أقسم، لقد كنا – هو كان – ونمت أنا! حقًا!”
أطلقت ليرا ضحكة قصيرة مسلية، ثم تلاشت صدمتها الأولية لتتحول إلى تسلية ساخرة. قالت، وابتسامة ترتسم على شفتيها: “يا صغيرتي، لا تعامليني كما لو كنتُ متزمتة قديمة. أنا منفتحة الذهن. سافرتُ كثيرًا في شبابي، كما تعلمين. لقد رأيتُ أمورًا أكثر فضائحية من هذا بكثير.”
خدشت ديليا رقبتها بتوتر، وخدودها حمراء. “بالتأكيد، يا صاحبة السمو.”
تحولت نظرة ليرا إلى ابنها، وتحول تسليتها إلى قلق. قالت وهي تسير نحوه: “لكنه يجب أن يكون مستيقظًا الآن”. مدت يدها إلى كرسيه ولمسته برفق على كتفه. “ابني؟ إريك؟”
لم يُجب. كان تنفسه منتظمًا، لكنه كان ساكنًا تمامًا. اختفت ابتسامة ليرا. نكزته مرة أخرى، بقوة أكبر هذه المرة. “إريك!”
التعليقات لهذا الفصل " 40"