امتلأ جو متجر الموديست برائحة الدانتيل والأقمشة الفاخرة. وقفت ديليا على منصة صغيرة، أمام مرآة طويلة، مغلفة بفستان زفاف ثقيل وقبيح. كان الفستان تحفة فنية من الدانتيل العتيق، وأكمام منفوخة، وأمتار من الحرير الخشن. شعرت وكأنها في قفص يخنقها.
سألت الليدي بيمبروك، والدة جورج، المودِست بصوتٍ مُرتجفٍ قلقًا: “هل لديكِ أي فكرةٍ عن كيفية جعله أبسط؟” “كما ترين، هذا إرث عائلتنا. توارثته الأجيال حتى وصل إليّ. ارتديته في زفافي، والآن سيُهدي إلى زوجة ابني.”
حدقت ديليا في انعكاس صورتها. أقسمت أنها بدت كدجاجة سمينة على وشك الذبح. أثارت هذه الفكرة ضحكة قاتمة على شفتيها. لم يكن الفستان قديم الطراز فحسب، بل كان أيضًا غير مناسب لها تمامًا، مما جعلها تشعر بأنها بلا شكل وعبثية.
عَصَرَتْ المُودِسْت، وهي امرأةٌ صغيرةٌ ذاتُ عينينِ وديعتين، يديها قائلةً: “سيدتي، هذا الفستانُ قديمٌ جدًا. أيُّ تعديلٍ كبيرٍ قد يُؤدِّي إلى تلفٍ لا يُمكن إصلاحه.”
تذكرت ديليا هذه اللحظة تحديدًا من قبل. في حياتها الماضية، حرصًا منها على إرضاء حبيبها، وافقت بتواضع على ارتداء الفستان كما هو، أملًا في إبهار الليدي بيمبروك. لكن ليس بعد الآن. لقد رحلت تلك الفتاة اليائسة المتعطشة للحب.
أخذت ديليا نفسًا عميقًا، ثم تحدثت بصوت واضح وثابت، قاطعةً الصمت المتوتر: “لماذا لا نحصل على واحدة جديدة يا أمي؟”
التفتت الليدي بيمبروك نحوها. ضحكت ضحكة متوترة، لكن عينيها، الضيقتين، رمقتا ديليا بنظرة حادة كدتُ أجعل الحليب يتخثر. قالت بنبرة متقطعة: “لقد نال جورج للتو لقب ‘لورد’. ليس من الحكمة أن نبدأ بإنفاق المال دون التفكير في المستقبل”.
ضحكت ديليا في داخلها، وتردد في ذهنها صوتٌ مريرٌ ساخر. “يا له من كلامٍ سخيف! إنه يدخر المال عندما يكون معي، ويُبذره في عاطفةٍ من طرفٍ واحد.” لا تزال ذكرى هدايا جورج المتكررة لآن، والمال الذي كان ينفقه بسخاء على المقامرة والأنشطة التافهة، بينما كان دائمًا يتذمر من “ضيق الحال” عند تحضيرات زفافهما، محفورةً في ذهنها. لم يكن بخيلًا حقًا قط، بل كان بخيلًا معها فقط.
بينما واصلت الليدي بيمبروك والموديست نقاشهما الهادئ حول مهمة تعديل الفستان القديم المستحيلة، انزلقت ديليا بحذر عن المنصة. كان القماش الثقيل يُصدر حفيفًا حولها، لكنها تحركت بعزم هادئ. كان عليها أن تكون في مستوى نظر الليدي بيمبروك لما ستفعله.
عرفت الآن بوضوح تام أن الليدي بيمبروك لم تُعجب بها قط. الازدراء في عينيها، والإهانات الخفية، والتذكيرات الدائمة بـ”مكانة” ديليا – كل ذلك بدا منطقيًا. لم تكن الليدي بيمبروك تعتبرها أكثر من مجرد شر لا بد منه، وسيلة لتحقيق غاية.
كانت ديليا ابنة غير شرعية، وولادتها وصمة عار على اسم عائلتها، وهي حقيقة لم تُفوّت الليدي بيمبروك فرصةً لتسليط الضوء عليها بمهارة. لم توافق المرأة الأنانية على الزواج إلا من أجل منافعه – الاستقرار المالي الذي ستجلبه ثروة والدها لثروة جورج المتناقصة، واحترام تحالف “مناسب”، حتى لو كان مع ابن غير شرعي.
كانت ديليا، في الماضي، تتوق بشدة إلى أن تُحب، وأن تجد مكانًا تنتمي إليه، لدرجة أنها فقدت بصرها. تشبثت بأمل ساذج بأن الليدي بيمبروك ستغير عاطفتها بعد الزواج، وأنها ستُقبل رسميًا بمجرد أن تصبح جزءًا من العائلة. لم تُدرك قط أنها دخلت عائلة انتهازية، عش أفاعٍ حيث تُقاس قيمتها بما تستطيع تقديمه فقط، لا بما هي عليه. كان إدراكها طعنة حادة ومؤلمة في قلبها، لكنه أيضًا عزز عزيمتها.
نزلت من المنصة تمامًا، واقفةً بشموخ رغم عدم ملاءمة فستانها. لاحظت الليدي بيمبروك أخيرًا صمتها، فالتفتت، وفي عينيها لمحة غضب.
«سيدتي،» بدأت ديليا، بصوت رسمي، يُعيد إلى الأذهان أدبهما المتكلف. خفق قلبها بشدة، لكنها أبقت نظرتها ثابتة، رافضةً التراجع. «سأفسخ خطوبة الزواج.»
علقت الكلمات في الهواء، ثقيلةً وصادمةً. تحوّل وجه السيدة بيمبروك، الهادئ عادةً، إلى قناعٍ من عدم التصديق، ثمّ إلى غضبٍ عارم. سقط فكّها من الصدمة.
همست السيدة بيمبروك بصوتٍ منخفضٍ بشكلٍ خطير: “ماذا قلتَ؟ هل جننت؟”
«لستُ مجنونةً يا سيدتي»، أجابت ديليا بصوتٍ يزداد قوة. «لقد فكّرتُ مليًا. هذا الزواج لا… يناسبني».
“غير مناسب؟” سخرت الليدي بيمبروك، وقد استعادت بعض رباطة جأشها، رغم أن عينيها لا تزالان تلمعان. “أنتِ، ابنة غير شرعية بلا مستقبل، ترفضين ابني، اللورد جورج بيمبروك؟ هل فقدتِ صوابكِ يا فتاة؟ هل تعلمين ما يعنيه هذا لسمعتكِ؟ ولسمعة والدكِ؟”
قالت ديليا، متجاهلةً لذعة عبارة “الابنة غير الشرعية”: “سمعتي شأني الخاص. وسيتفهم والدي ذلك. لا يمكنني، بضميرٍ مرتاح، الزواج من عائلة لا تُقدّرني بنفسي”. توقفت، ونظرتها ثابتة. “وحيث يُنظر إليّ بوضوحٍ على أنني مجرد صفقةٍ مُربحة”.
كسر!
كان الصوت حادًا وعنيفًا في الغرفة الهادئة. لامست راحة يد السيدة بيمبروك المفتوحة خدها بقوة صادمة. ارتطم رأسها بالجانب من الصدمة، وظهرت على بشرتها علامة حمراء زاهية.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 4"