صُدمت ديليا مما سمعته لدرجة أنها كادت أن تسقط كأس نبيذها. سألت بصوت خافت مرتبك في غرفة الجلوس الهادئة: “ماذا؟”
انحنى إريك إلى الأمام، وقد اختفت ملامحه المرحة، وحلت محلها نظرة رجل أعمال جاد. قال بصوت منخفض وحازم: “علينا توسيع خططنا. كما ترون من اليوم، هناك العديد من الظروف التي تعيق زواجنا. رفض أمي، ومكائد عائلتك، والقيل والقال… مكانتنا الاجتماعية واختلافاتنا هي العوامل الرئيسية التي سيستخدمها الجميع ضدنا. لذا، علينا أن نجرب وجهة نظر أخرى.”
تحرك من كرسيه، ودار حول الطاولة ليقف أمامها. “رجل وامرأة يحبان بعضهما البعض حبًا عميقًا لا يحتملان الفراق. قصة حب قوية تتخطى كل العقبات. هذه هي القصة الوحيدة التي ستجعل عائلاتنا توافق على هذا الزواج دون أي تدخل. إنها القصة الوحيدة التي لن يكون لديهم أي دفاع ضدها.”
حدقت ديليا فيه، وعقلها المنهك من النبيذ يحاول استيعاب منطقه. كانت لا تزال ممسكة بكأسها الفارغ، مفاصلها شاحبة. “إذن، أنت تقول… أن نبدأ بالتظاهر؟ وكأننا نحب بعضنا البعض بصدق؟” كانت امرأة ماكرة؛ هذا مجرد بند آخر، أداء آخر سيُكتب في اتفاقهما.
انحنت شفتا إريك في ابتسامة ساخرة. لقد فهم تمامًا تفكيرها المعقد. “معقول،” أقرّ. “ولكن هل يمكنكِ فعل ذلك؟ هل يمكنكِ تمثيل الدور بإقناع؟”
أشعل التحدي، مع النبيذ الذي يجري في عروقها، حماسةً مُتحديةً. قالت بصوتٍ مُفعمٍ بثقةٍ مُفاجئةٍ وجريئة: “أجل”. ولتأكيد كلامها، مدّت يدها إلى الزجاجة على الطاولة، وسكبت كأسًا آخر، وأنهته في رشفتين سريعتين.
“واو،” قال إريك، ضحكةٌ مُسَلَّيةٌ في صوته وهو يعود إلى مقعده. “تبدو وكأنك مُفعمةٌ بالعزيمة الآن.”
«أُبلي بلاءً حسنًا تحت الضغط»، أعلنت ديليا، وهي تشعر بالدوار لكن بإصرار. «أنا بارعة في العمل الحقيقي».
“أرني إذن،” أجاب إيريك، وهو يميل إلى الوراء في كرسيه، وعلى وجهه نظرة من الترفيه الخالص.
رمشت ديليا. “ماذا؟”
“أرني أدائك،” أوضح. “قل لي إنك تحبني. سأقيّمك بناءً عليه.” ارتشف رشفة بطيئة من نبيذه، ثم وضع الكأس جانبًا بنقرة متعمدة، وعقد ذراعيه على صدره منتظرًا.
واجهت ديليا، بثقةٍ ثملة، تحديه مباشرةً. ابتسمت ابتسامةً مترددة لكنها ذكية. “لماذا لا تبادر أنت؟” ردّت بكلماتٍ متلعثمة قليلاً. “بما أنك من اقترح الفكرة.” سكبت لنفسها كأسًا آخر من النبيذ بثقة، وحركاتها أصبحت أقل دقة.
أشرقت عينا إريك، مُتقبلاً تحديها المُقابل. نهض، لكن بدلًا من التحدث من الجانب الآخر من الغرفة، جلس على الأريكة بجانبها مباشرةً. ارتجفت ديليا، وشعرت بتوتر شديد بسبب القرب المفاجئ.
نظر إليها، وكان تعبيره مزيجًا من الحنان والمرح. سأل بصوت خافت وحميم: “إذا فعلتُ، فهل يمكنكِ تحمّل الأمر؟”
نظرت إليه ديليا، مصدومةً من كلماته، من قربه. شعرت أن الهواء بينهما كثيف، مشحون بطاقة جديدة وخطيرة.
“لا يمكنك حتى أن تتخيلي ذلك، ديليا إلينغتون،” قال، صوته ينخفض إلى ما يقرب من الهمس وهو يميل نحوها.
“ماذا؟” تنفست، غير قادرة على النظر بعيدًا.
“كم أحبك”، قال، بنظرة حادة وثابتة، كما لو كان يكشف عن أعمق حقيقة في روحه. “وكم أحببتك منذ زمن.”
انتهى، وترددت الكلمات في الهواء، خالقةً صمتًا عميقًا لدرجة أن ديليا سمعت دقات قلبها تتسارع في أذنيها. هل هذا حقيقي؟ هل هذا جزء من التمثيل؟ بدا الأمر حقيقيًا جدًا. الصدق في عينيه، والعاطفة الصادقة في صوته… كان مقنعًا للغاية.
كسر التعويذة بميله للخلف بعفوية، يرشف رشفة أخرى من كأس نبيذه الذي أحضره معه. “كيف كان ذلك؟” سأل بنبرة خفيفة مجددًا. “هل شعرتي بأي توتر؟ هل أنا ممثل جيد؟”
كانت ديليا في حالة من الارتباك الشديد. كان عقلها يدور من النبيذ ومن أدائه. لم تستطع التفكير بوضوح. انحرفت، وخرج صوتها لاهثًا: “لماذا تعمل في مجال الأعمال ولا تؤدي عروضًا في دور الأوبرا؟”
ابتسم إريك ابتسامةً دافئةً بطيئةً وصلت إلى عينيه. “شكرًا على الإطراء،” قال، ونظر إلى شفتيها.
كانت تلك النظرة مبالغًا فيها. الشدة، والقرب، والارتباك – كان كل ذلك ساحقًا. وقفت ديليا مرتبكة. احتاجت إلى خلق مسافة، لاستعادة السيطرة. في حالة سُكرها، قدّم لها عقلها حلًا غريبًا: أن تُجبره على الرحيل. بدأت بجمع أغراضه – معطفه، حذائه، قفازاته التي تركها على الطاولة الجانبية.
“أعتقد أنه يجب عليك الذهاب”، أعلنت، وكان صوتها مرتفعًا بعض الشيء.
تفاجأ إريك تمامًا، ورفع حاجبيه. “ماذا؟”
«نعم»، أصرت، وهي تتجول في الغرفة وتجمع أغراضه بتركيزٍ مُتردد. «حالاً».
راقبها إريك، وعلى وجهه نظرة تسلية خالصة ومبهجة. ابتسم. “لكن يا ديليا،” قال بلطف. “هذا منزلي.”
توقفت في منتصف الغرفة، ممسكةً بقفازين في يد ومعطفه في الأخرى. تسللت كلماته ببطء إلى ضباب النبيذ. منزله. كانت تحاول طرد صاحبه من منزله. تسللت إلى وجهها إدراكٌ لغبائها. نظرت إليه بعينيها الزرقاوين الواسعتين المذعورتين.
ضحك إريك ضحكة خفيفة، ثم نهض واتجه نحوها. أخذ الأغراض من يديها برفق وألقاها على كرسي قريب. ثم مد يده وعانق خديها بيديه الكبيرتين الدافئتين. كانتا محمرتين ومحمرتين، من شدة النبيذ ومن خجلها.
“ليلة واحدة فقط،” همس بصوتٍ خافتٍ للغاية، وإبهامه يلامس خدها. “دعيني أبقى هنا ليلةً واحدة. هل تسمحين لي يا دوقتي؟”
كانت العاطفة الرقيقة والماكرة هي القشة التي قصمت ظهر البعير. شعرت ديليا بالحرج الشديد والإرهاق العاطفي، ففعلت كل ما بوسعها. استدارت وهربت، راكضةً إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بإحكام.
وقف إريك وحيدًا في غرفة الرسم، يستمع إلى صوت طقطقة القفل. هز رأسه، وضحكة خفيفة حنونة تدوي في صدره. عاد إلى كرسيه، وجلس، وسكب لنفسه كأسًا آخر من النبيذ، وارتسمت على وجهه ابتسامة تأملية محبة وهو يستمتع بالصمت.
التعليقات لهذا الفصل " 39"