خيّم السؤال الحادّ والمباشر في صمت غرفة الشاي الأنيقة. كان سلاحًا مُصمّمًا لتوجيه ضربة قاضية. لم تدرِ ديليا ماذا تقول. كانت إجابتها الصادقة لا، لكن قول ذلك يعني هزيمتها الفورية وسيُخرّب خطتها بأكملها. لم تستطع قول الحقيقة، ولا حتى الكذب. شعرت بابتسامة آن المُتغطرسة المُنتصرة عليها، لدرجة أنها تمنّت لو تمسحها عن وجهها.
انحنت الدوقة ليرا للأمام قليلًا، مستغلةً ميزتها. “أتريد الزواج من ابني بشدة، ومع ذلك لا تستطيع الإجابة على هذا السؤال البسيط؟” سخرت، وتركت الكلمات تستقر في ذهنها.
أخذت ديليا نفسًا عميقًا وهادئًا، وعقلها يتسابق. كانت الإجابة بنعم أو لا فخًا. كان عليها تغيير السؤال، وإعادة صياغة المحادثة بأكملها. رفعت رأسها، وعيناها صافيتان ومباشرتان، وارتسمت ابتسامة صغيرة حزينة على شفتيها.
“سألتني عن فسخ خطوبتي منذ مدة. أعلم أنك لا بد أن تتساءل عن سبب فسخ خطوبتي، يا صاحب الجلالة،” بدأت بصوت هادئ ولكنه حازم. “لأنني تعرضت للخيانة. اكتشفت أن الرجل الذي كنت سأتزوجه، الرجل الذي أحببته وكنت مستعدة لتقديم كل ما لدي له، كان يستغلني فقط لما سيجنيه من عائلتي، ولم يكن هذا هو السبب الوحيد، بل كان يحمل في قلبه امرأة أخرى.” لم تنظر إلى آن، لكن الاتهام ظل عالقًا بينهما.
خفّ تعبير وجه ليرا فجأةً. كانت تستمع، وقد أثار فضولها.
بعد ذلك الاكتشاف، تابعت ديليا بصوتٍ يكتسب قوة، “أقسمتُ لنفسي أنني لن أقع في الحب مجددًا. ولن أكون بتلك الحماقة، بتلك الهشاشة، أبدًا.” أدارت رأسها ونظرت إلى إريك، الذي كان يراقبها بنظرة إعجابٍ عميقٍ وعفوي. ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ صادقة. “ثم التقيتُ بإريك.”
أشاحت بنظرها عنه، عائدةً إلى أمه. “عندما قابلته، فكرتُ… فكرتُ أنه على الأقل رجلٌ لن يخون امرأةً أبدًا. لن يخون حبيبته أبدًا، كما خُنتُ أنا.” صمتت، ثم وجهت ضربتها الأخيرة، وعيناها تلتقيان بعيني ليرا. “وكنتُ أعلم أنه إن فعل، فلديه أمٌّ لن توافق على هذا السلوك المشين. أمٌّ لن تدعه يفلت من العقاب على إيذاء شخصٍ وعده.”
جلست ليرا هناك، في صمتٍ مذهول. لم تُجب ديليا على سؤالها إطلاقًا. بل أثنت عليها أشدّ الثناء، لا عائقًا، بل ركيزةً من ركائز القوة المعنوية، ضامنةً لشرف ابنها.
تابعت ديليا: “وأنا لست كغيري من النساء، أعرف شعورك عندما يستغلك أحدهم، عندما يخونك أحدهم. لا أريد أن يمر إريك بما مررت به، ولا أريد أن أضعه في ذلك الموقف المحزن والموجع.” زفرت بهدوء كما لو كانت تحبس أنفاسها طوال الوقت.
الصمت.
نهضت ديليا، بحركات رشيقة وهادئة. قالت وهي تنحني باحترام: “أعتذر عن مقاطعة شايكِ هذا المساء”. نظرت مباشرةً إلى الدوقة الصامتة. “أراكِ قريبًا… أمي”.
الكلمة، التي نطقت بها بثقة هادئة، حسمت انتصارها. عجزت ليرا عن الكلام، وذهولها يغمرها مناورة الشابة الجريئة والبارعة.
إريك، وعلى وجهه نظرة فخر عميق، اقترب وأمسك بيد ديليا، “هيا بنا.” قال بصوت منخفض، يقودها خارج الغرفة الخاصة.
بينما كانوا يغادرون، راقبتهم ليرا وهم يرحلون، وابتسامة بطيئة ومُثيرة للاهتمام ارتسمت على وجهها. “مثير للاهتمام،” همست لنفسها، وأصابعها المغطاة بالقفاز تخدش ذقنها برفق في إيماءة تأمل. “مثير للاهتمام حقًا.”
رأت آن تلك الابتسامة، فغمرها خوفٌ شديد. كانت خاسرة. كان عليها أن تفعل شيئًا، أي شيء، لكسب ود الدوقة.
ابتسمت قائلةً: “جلالتك”، بصوتٍ مُفرطٍ في الرقة. “كنتُ في متجر إكسسوارات مع والدتي سابقًا، بعد أن تلقينا رسالتكِ لمشاركتكِ الشاي.” مدّت يدها إلى صندوقٍ مُغلّفٍ بشكلٍ جميلٍ كان موضوعًا على الكرسي بجانبها. “رأيتُ هذه المروحة الجميلة، ففكّرتُ فيكِ على الفور. سمعتُ أنكِ تُحبّين الإكسسوارات كالقلائد والأقراط والقفازات والمراوح. أخبرتني والدتي أن أُهديها لكِ، كعربونٍ بسيطٍ من احترامنا.” دفعت الصندوقَ الثمينَ عبر الطاولة نحو الدوقة ليرا.
توقفت ليرا، التي كانت على وشك احتساء رشفة أخرى من شاي القرفة البارد. رفعت حاجبها. “يا إلهي،” قالت بصوت مهذب ولكنه بعيد. “ما كان يجب عليكِ ذلك،” نظرت إلى العلبة مرة أخرى. “لكنني لم أُحضّر لكِ شيئًا في المقابل، ليدي آن. ماذا تريدين مقابل هذه الهدية الجميلة التي اشتريتها لي؟” سألت.
ابتسمت آن، ظانةً أن هديتها قد قُبلت. “لا تقلق يا صاحب الجلالة. لا أريد أي شيء في المقابل. من فضلك، لا تقلق بشأن ذلك. إنها ببساطة هدية…” ودفعت العلبة أقرب قليلاً.
أسقطت ليرا فنجانها على صحنه بنقرة حادة، ورفعت يدها، وملامح وجهها جادّة، إشارة واضحة لإيقاف ما كانت تنوي إحضاره. قالت بنبرة لا تترك مجالًا للنقاش: “في المرة القادمة، أخبرني أنك تنوي إحضار هدية. الأخذ والعطاء هو شعاري. لا أحب أن أكون مدينًا لأحد، عاطفيًا كان أم غير ذلك.”
تلاشت ابتسامة آن، وتجهم وجهها عندما فهمت الرفض. شعرت بالإهانة، فسحبت العلبة ببطء إلى جانبها من الطاولة. التقطت ليرا فنجانها وواصلت شرب الشاي، وارتسمت على وجهها نظرة تأمل وهي تعيد كلمات ديليا في ذهنها.
التعليقات لهذا الفصل " 37"