“استيقظي!”
ارتطم وجه ديليا فجأةً برذاذ ماء بارد. شهقت، وارتعشت في سريرها، وقلبها يخفق بشدة. أطلّ عليها وجه السيدة جابل المألوف، خادمة قصر إلينغتون.
قالت السيدة جابل بصوتها النشيط كعادتها:
“سيدتي، أنتِ تريدين الاستعداد. ستذهبين إلى الصالون لتجربة فستان زفافكِ. حماتكِ المستقبلية تنتظركِ.”
رمشت ديليا، وقطرات الماء تتساقط من رموشها. تجربة فستان زفاف؟ حماتي؟ بدت الكلمات تتردد في أذنيها، بلا معنى. نظرت حولها في الغرفة. كانت غرفتها القديمة في إلينغتون مانور، تمامًا كما تذكرتها. ورق الحائط الأزرق الباهت، والستائر المخملية الثقيلة، ورائحة الخزامى المألوفة من البوربوي على خزانة ملابسها.
غمرتها موجة من الارتباك. هل كان الحادث حلمًا؟ كابوسًا مروعًا؟ لكنه بدا حقيقيًا للغاية. الألم، والخوف، وشفقة جورج، والحادث…
تنهدت السيدة جابل بفارغ الصبر.
“هل أنت أصم يا صغيرتي؟ انهضي! لا تريدين أن تُبقي السيدة بيمبروك تنتظر.”
بينما غادرت الخادمة الغرفة، وهي تتمتم عن الفتيات الكسولات، نهضت ديليا ببطء من فراشها. شعرت بقوة ساقيها على نحو مفاجئ، لم تكن تؤلمها أو تتألم كما كانت في لحظاتها الأخيرة. سارت نحو المرآة الكبيرة المزخرفة على الحائط.
حدقت في انعكاسها. كانت هي حقًا. عيناها، واسعتان من دهشة. شعرها الأسود الطويل، أشعث من النوم. وجهها، شاب وخالٍ من التجاعيد، كما كان من قبل… قبل كل شيء.
“أنا حقًا،” همست بصوتٍ بالكاد يلتقط أنفاسها. بدأت سعادةٌ هشةٌ وغير مُصدّقةٌ تزدهر في صدرها. رفعت يدها لتلمس وجهها، ثم ذراعها. حينها رأت ذلك.
على باطن معصمها الأيسر، أسفل كفها مباشرة، وجدت برعم ورد بتلاته وردية، كأنها موشومة على بشرتها. ماذا يعني هذا؟ فركته، لكنه لم يتلاشَ أو يتلاشى. كان الأمر غريبًا، لكن في حالة الصدمة والارتياح التي كانت عليها آنذاك، تجاهلته ببساطة. ستكتشفه لاحقًا.
غمرها شعورٌ قويٌّ وواضحٌ بالهدف. كانت هذه فرصةً ثانيةً. فرصةً لتغيير الأمور. فرصةً لتجنب الألم والخيانة والنهاية المأساوية، والانتقام.
أخذت نفسًا عميقًا مرتجفًا. أولًا، كان عليها أن تتصرف بشكل طبيعي. اغتسلت بسرعة، فأثار الماء البارد إشراقة بشرتها. اختارت فستانًا بسيطًا ومناسبًا للارتداء اليومي، فستانًا كانت تعلم أن البارونة أوغوستا ستجده مناسبًا – بسيطًا، محتشمًا، لا يلفت الانتباه.
عندما ارتدت ملابسها، نزلت إلى الطابق السفلي، وقلبها يخفق بمزيج من الخوف والحماس. ملأ صوت القصر المألوف الأجواء – قعقعة أطباق المطبخ، وأصوات الخدم البعيدة، ودقات الساعة الكبيرة في الردهة. اتجهت إلى قاعة الطعام، ورائحة الخبز الطازج والشاي المغلي تغريها.
قبل أن تخطو البارونة أوغوستا خطوةً واحدةً من الباب، قاطعها صوتها الحاد: “ديليا! لا فطور لكِ هذا الصباح.”
توقفت ديليا فجأة، ويدها على مقبض الباب. وقفت البارونة أوغوستا عند الدرج الكبير، وقفتها متصلبة، وتعابير وجهها باردة. تجولت عيناها على ديليا، وهي تُقيّم ما يحدث.
“عليكِ أن ترتدي فستان زفافكِ يا عزيزتي،” تابعت البارونة، وابتسامة مصطنعة ترتسم على شفتيها. “لا يمكننا أن نجعلكِ تبدين… ممتلئة.” كانت كلماتها بمثابة صفعة.
في السابق، ظنّت ديليا أن البارونة أوغوستا لا تهتم بها إلا، ربما باهتمامها المبالغ فيه بالمظهر. كانت تعتقد أن البارونة تحاول فقط ضمان ظهورها في أبهى صورة في حفل الزفاف. الآن، انكشف لها المعنى الحقيقي والقاسي لتلك الكلمات. لم تكن البارونة تهتم بها، بل كانت تُجوعها. لقد كانت تُجوعها لأشهر قبل الزفاف، كل ذلك بحجة “أن تتناسب مع الفستان”.
اجتاح حزنٌ مريرٌ معدة ديليا، أقوى من أي وخزة جوع. تذكرت كل الأوقات التي شعرت فيها بالضعف والدوار والانفعال، ظانةً أنه مجرد توتر من الزفاف القادم. لم يكن توترًا، بل جوعًا. هذه المرأة، زوجة أبيها المفترضة، حرمتها عمدًا.
لم تكن تتناول طعامها على الطاولة الرئيسية أصلًا. حتى قبل الخطوبة، كانت ديليا تُعدّ طعامها بنفسها، بكميات بسيطة، وتتناوله بمفردها في غرفتها، روتينًا هادئًا ومنعزلًا أصبح من عاداتها. كان هذا مجرد مظهر آخر من مظاهر سيطرة البارونة وقسوتها.
ضاقت ديليا ذقنها. انحنت برأسها، إقرارًا صامتًا بأمر البارونة، وهي إشارة فهمتها الآن رمزًا لعجزها السابق. أجابت بصوت هادئ خالٍ من الانفعال: “أجل، يا بارونة”.
استدارت وابتعدت عن روائح الفطور الجذابة، ومعدتها تقرقر، لكن عقلها امتلأ بعزيمة جديدة. توجهت إلى مخزن المؤن الصغير الضيق الذي كانت تستخدمه، وعيناها تفحصان الرفوف الهزيلة. لم يتبقَّ لها سوى بعض البسكويتات الفاسدة وتفاحة نصف مأكولة. أمسكت بالتفاحة، وأصابعها ترتجف قليلاً.
بينما كانت تأكل التفاحة، التي كان طعمها اللاذع يختلف اختلافًا حادًا عن مرارة فمها، فكرت في برعم الورد على معصمها. ما زال الأمر غير مفهوم، لكنه الآن لغز بسيط. اللغز الأكبر هو كيف عادت.
خرجت ديليا، وهي لا تزال تعاني من فرط تأثرها بتبادل أطراف الحديث البارد مع البارونة أوغوستا، بخطى ثابتة من القصر. هبّ عليها هواء الصباح المنعش، مُغيّرًا جوّها الخانق والمُحبط. اتجهت إلى الفناء حيث تُحفظ العربات. كانت تنتظرها عربتها الشخصية، وهي سيارة متواضعة لكنّها في حالة جيّدة. كان السائق، توماس، رجلٌ طيب الوجه، يُمسك بالباب مفتوحًا.
“صباح الخير يا توماس،” قالت ديليا، محاولةً الحفاظ على هدوء صوتها. “إلى المدينة، من فضلك. متجر الموديست.”
أومأ توماس برأسه، ورفع قبعته. “حالاً، آنسة ديليا.”
صعدت إلى العربة، وكانت مقاعدها المخملية الفخمة مريحةً مألوفةً. وبينما انطلقت العربة ببطءٍ في البداية، ثم ازدادت سرعتها وهي تغادر ساحة الحصى وتتجه إلى الطريق الرئيسي، اتكأت ديليا إلى الخلف. خرجت تنهيدةٌ من شفتيها، مزيجٌ من الإرهاق وسكينةٍ غريبةٍ جديدة. بدأ صوت حوافر الخيول الإيقاعي واهتزاز العربة اللطيف يُهدئ أعصابها المتوترة.
أغمضت عينيها، تاركةً اهتزازات الرحلة تُهدئها. للحظة، سمحت لنفسها بنسيان الماضي، والحادث المروع، وظهور الأرقام المُرعبة على معصمها. كانت على قيد الحياة. كانت هنا، في هذه العربة المألوفة، متجهةً إلى فستان زفافٍ تُجري عليه تعديلات، وهي الآن على يقينٍ تام بأنها لن تُكمله أبدًا.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة متحدية. هذه فرصتها، ولن تُضيّعها.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 3"