ملأ عطر الأعشاب الطبية غرفة آن. فتحت عينيها ببطء، ورأسها يؤلمها كما لو أنه ضُرب بالحائط مليون مرة. أول ما رأته كان وجه والدتها القلق وهي تتحدث بصوت خافت مع طبيب العائلة.
“أمي،” نادت آن بصوت ضعيف وهش.
صرفت أوغستا الطبيب على الفور وهرعت إلى سرير ابنتها. جلست، ووضعت يدها على جبين آن، وهي تمسد شعرها برفق. “يا حبيبتي. كيف حالك؟”
أدرك الطبيب أن خدماته لم تعد ضرورية، فوضع بهدوء بعض الأدوية المهدئة على طاولة جانبية وغادر.
عادت ذكرى الليلة السابقة – ديليا والدوق وهما يبتعدان معًا – إلى آن، وبدأت دموع جديدة تتجمع في عينيها. بكت بهدوء بين ذراعي والدتها المطمئنتين، وهي تبكي بلا توقف.
“ششش، يا شمسي، لا بأس،” همست أوغستا وهي تضمها إليها. “قال الطبيب إنكِ أغمي عليكِ من الصدمة، لكنكِ ستكونين بخير، حسنًا؟ لا داعي للقلق. سأعيد كل شيء إلى نصابه. أعدكِ.”
“لا يا أمي. كل شيء قد فسد بالفعل. ديليا أفسدت عرض زواجي.” تكلمت آن بين شهقاتها. “لقد فسدتني. أخذت الدوق مني.” جسدها يرتجف من دموعها المكبوتة. “لقد سرقته مني.”
ابتعدت أوغستا عن آن، وتصلب تعبيرها حين حل الغضب البارد محل تعبيرها المطمئن. “كل شيء سيكون على ما يرام. سأعود حالًا،” قالت، وقد انخفض صوتها إلى نبرة منخفضة وخطيرة. “أريد فقط التحدث مع تلك الفتاة الصغيرة. يبدو أنها نسيت مكانها بسرعة.”
سمعت ديليا خطوات تقترب ثم صوت قفل باب غرفتها الثقيل. نهضت على قدميها ما إن فُتح الباب، كاشفًا عن زوجة أبيها. دخلت أوغستا الغرفة، تاركةً الباب مفتوحًا خلفها، إشارةً واضحةً على أن الأمر لم يكن نقاشًا بل إعلانًا. تعلقت عيناها فورًا بالشريط الأزرق الداكن الذي يربط شعر ديليا. انطلقت من شفتيها سخريةٌ ساخرة.
“إذن،” بدأت أوغستا، بصوتٍ يقطر ازدراءً وهي تدور حول ديليا ببطء كحيوانٍ مفترسٍ يُقيّم فريسته. “لأنكِ قضيتِ ليلةً واحدةً مع الدوق، أتظنين أن ذلك يعني شيئًا؟ أتظنين أنكِ فزتِ؟” أطلقت ضحكةً قصيرةً بشعة. “لا يا عزيزتي. لم يكن ذلك يعني شيئًا. كنتِ مجرد ألعوبةٍ له. مجرد تسليةٍ عابرةٍ يستخدمها ثم يتخلص منها.”
“ماذا… ماذا؟” تلعثمت ديليا، مُذهولةً من الكلمات التي خرجت من شفتي البارونة. تلك الكلمات، القاسية بشكلٍ عرضي، صدمتها كصفعةٍ على وجهها. شعرت بالإهانة، وبالضعف.كل الثقة التي كانت تشعر بها في كوخ الدوق بدأت تذبل تحت وطأة كلمات زوجة أبيها القاسية.
رأت أوغستا بريق الألم في عينيها، فاستغلت تفوقها. سألتها بصوت ناعم وسام: “وهل تعلمين ما الذي يجعلك هكذا؟”.
وقفت ديليا صامتة، يداها مطبقتان بإحكام، وأظافرها تغرز في راحتيها. لم تُرضِ هذه المرأة بإجابة.
قالت أوغستا، وهي تنطق الكلمة كأن طعمها كريه: “عاهرة. أنتِ لا تختلفين عن نساء بيوت المتعة على الرصيف. في الواقع، عاهرة افضل، لأنهن على الأقل يتقاضين أجرًا مقابل خدماتهن. أنتِ؟ لقد ألقيتِ بنفسكِ عليه مجانًا. عاهرة رخيصة بلا كرامة.”
امتلأت عينا ديليا بالدموع، حارة وحادة. قاومتها بكل ذرة من إرادتها، رافعة ذقنها قليلًا في تحدٍّ صغير. لم تبكي. لن تُظهر أي ضعف أو ألم. ليس أمامها.
عندما رأت أوغستا الدموع غير المتساقطة، ابتسمت، بتعبير قاسٍ ومنتصر. أدركت أنها أثّرت فيها، فأكملت كلامها القاسي. “هل تعلمين أيّ نوع من النساء يكرهه الرجال أكثر من النساء الممتلئات؟” سألت، وتركت السؤال معلقًا في جوّ التوتر قبل أن تُجيب عليه بنفسها. “نساءٌ يُدنّسنَ أجسادهنّ. نساءٌ بلا شرفٍ ولا طهارة، وقد ألقيتِ بجسدكِ ليدوسه.”
اقتربت، وصوتها مُصطنعٌ بالشفقة. “جورج لا يزال هنا، كما تعلمين. لا يزال مُستعدًا لاستعادتكِ، حتى بعد كل ما فعلتِهِ من حماقاتٍ وفضائح. كان ينتظر ولا يزال ينتظر.” هزّت رأسها كما لو كانت ديليا حالةً ميؤوسًا منها. “بدلًا من أن تكوني ممتنةً له لقبولكِ كما أنتِ، أنتِ هنا، تُثيرين المشاكل، وتُخزين هذه العائلة بأكملها، وتُفسدين عرض زواج أختكِ، وتجعلين من نفسكِ أضحوكةً.”
“أنا…” بدأت ديليا، صوتها مُختنق. أرادت أن تصرخ، أن تُخبرها عن العقد، عن الصفقة، لكن الكلمات لم تخرج. تركت سنوات الإساءة العاطفية آثارها، وما زال جزء منها يشعر كطفلة صغيرة خائفة حبيسة هذه الغرفة.
رأتها أوغستا تتعثر، فابتسمت ابتسامة أمومة مصطنعة، وعيناها باردتان كالثلج. قالت وهي تربت على ذراع ديليا في لفتة بدت أقرب إلى التهديد منها إلى الطمأنينة: “لا تقلقي. سأرسل رسالة إلى عائلة بيمبروك صباح الغد. سيتعين علينا الإسراع في زفافك على جورج، بالطبع. إنها الطريقة الوحيدة لإنقاذ ذرة من كرامتك.” ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة. “هذا أفضل ما يمكنني فعله لكِ، كابنتي. زفاف سريع وهادئ لإخفاء عاركِ. يمكنكِ—” “
“ديليا.”
نادى صوت رجل، هادئ وقوي، من المدخل. كان صوتًا لا ينتمي إلى هذا المنزل، صوتًا اخترق عبارة أوغستا المسمومة كسيف حادّ نظيف.
أدى الانقطاع المفاجئ إلى جعل كلتا المرأتين تتجهان نحو الباب المفتوح في مفاجأة مذهولة.
التعليقات لهذا الفصل " 21"