عادت ديليا مسرعةً إلى قاعة الرقص، وقلبها يثقله اليأس. بدت الموسيقى الاحتفالية الآن وكأنها لحن جنائزي. وقبل أن تستوعب موجة الحزن الجديدة، اعترض طريقها مجموعة من حراس القصر. ارتجفت فجأةً بوجوههم الجامدة.
“نحن نبحث عن ديليا إلينغتون”، أعلن القبطان، وكان صوته يعلو وسط الصمت المفاجئ الذي ساد الغرفة الكبرى.
تقدمت البارونة أوغوستا بابتسامة زائفة، ونظرت إلى ديليا لبرهة. قالت بصوت ناعم وقلق زائف: “إنها ابنتي الأخرى. كيف لنا أن نخدمك؟”
كان نظر القبطان ثابتًا على ديليا. “إنها قيد الاعتقال بتهمة القتل.”
أصابت الكلمات ديليا كضربةٍ جسدية. جريمة قتل؟ ارتبك عقلها. كيف؟ لم تفعل شيئًا. غمرتها موجةٌ باردة، جعلت ساقيها كالهلام. تجمدت في مكانها، وعيناها متسعتان من الصدمة وعدم التصديق.
في تلك اللحظة، اقتربت البارونة أوغوستا، بحركات خفيفة، تكاد لا تُلاحظ من أي شخص آخر في الغرفة. انحنت نحوه، وصوتها خافت، لم تسمعه إلا ديليا.
“تحمّلي اللوم يا صغيرتي. أعدكِ بأن أجد طريقةً لجعل الملك يُخفّف عقوبتكِ.”
لمحت ديليا آن، التي كانت تقف على بُعد خطوات قليلة، وجهها شاحب ويداها متشابكتان بإحكام. كادت ديليا أن تشعر بتوتر آن يتسرب منها. حينها أدركت الأمر. صدمها إدراكٌ مرعب. لقد تم توريطها.
واصلت البارونة أوغوستا تلاعبها الهمسي، وكلماتها مُشبّعة بإحساس زائف بالإلحاح.
“آن صغيرة جدًا على تحمّل كل هذا. وأنتِ أختها الكبرى، ويُفترض بكِ حمايتها.”
بدأت الهمسات تحلق في أرجاء قاعة الرقص. ازدادت الهمسات علوًا، كخلية نحل نابضة بالتكهنات. ظلت ديليا صامتة، وعقلها يسابق الزمن، تحاول أن تستوعب الكابوس الذي يتكشف أمامها. انهار عالمها في ليلة واحدة، وزواجها من طرف واحد، والآن سمعتها في المجتمع مدمرة.
بدأ قائد الحرس ينفد صبره، والتفت إلى البارونة أوغوستا. “هل هي ديليا إلينغتون؟”
لم تتردد البارونة أوغوستا. كان صوتها واضحًا وحازمًا، خاليًا من أي انفعال يوحي بأنها تُرسل ابنتها إلى مصيرها المحتوم.
“نعم.”
كان كل شيء يتحرك بسرعة تفوق قدرة ديليا على استيعابه. شعرت وكأنها عالقة في حلمٍ مُرعب، عاجزة عن الاستيقاظ. جالت بنظرها في أرجاء الغرفة، باحثةً عن بصيص أمل. وقعت عيناها على جورج. وقف عند المدخل المقوس، وقد تبدلت ملامحه المشرقة المعتادة بملامح شفقة وخجل عميقين. هز كتفيه بعجز، وعيناه تحملان اعتذارًا صامتًا. ثم، بهز رأسه بحزن، استدار وغادر، واختفى بين الحشد.
في تلك اللحظة، انهار عالم ديليا. انقطع آخر خيط أمل، أي احتمال أن يدافع عنها أحد. كانت الشفقة في عيني جورج أسوأ من الاتهام نفسه. لقد أكدت مصيرها المروع.
دون تفكيرٍ عميق، تسللت إليها غريزةٌ يائسةٌ للبقاء. لم تستطع البقاء. لم تستطع مواجهة هذا. تحرك جسدها قبل أن يدركه عقلها. انطلقت مسرعةً، مندفعةً من بين المتفرجين المرتبكين، واندفعت طاقةٌ مفاجئةٌ أجّجت هروبها. الحراس، الذين كانوا مذهولين في البداية، استعادوا وعيهم بسرعةٍ وطاردوها.
اندفعت من الأبواب إلى الشارع المُضاء بنور القمر، ورئتاها تحترقان. دارت عيناها حولها، تبحث عن مخرج. كانت عربة وحيدة تقف على بُعد مسافة قصيرة، وسائقها ينام على مقعده. صرخت ديليا صرخة يائسة، وفتحت الباب بقوة ودخلت.
“قُد! إلى أي مكان! انطلق!” صرخت بصوت أجشّ من الخوف.
اندهش السائق، مرتبكًا من نبرتها المذعورة وصراخ الحراس خلفهم، فدفع الخيول بسرعة. انطلقت العربة إلى الأمام، تهتز بعنف وهي تنطلق بسرعة عبر الشوارع الضيقة المرصوفة بالحصى. دوى إيقاع حوافر خيول الحراس خلفه، كقرع طبول مرعب يُنذر بكارثة وشيكة.
ارتسمت ديليا في زاوية العربة، ودموعها تنهمر على وجهها، وصدرها ينتفخ بأنفاس متقطعة. تشبثت بخاتم الياقوت الصغير الذي كانت تحمله سابقًا، ومفاصلها بيضاء.
اندفعت العربة عند منعطف حاد. فجأة، انبعث ضوء ساطع من خلف الزاوية. ظهرت عربة أخرى عائدة من العدم. لم يكن هناك وقت للرد. صرخ السائقون، وصهلت الخيول رعبًا.
دوى صوت تحطمٍ يصمّ الآذان. دار العالم. قُذفت ديليا بعنفٍ إلى الأمام، ورأسها يرتطم بالجزء الداخلي الخشبي. سرى ألمٌ حادٌّ حارقٌ في جسدها. ساد الظلامُ كلُّ شيءٍ للحظة. شعرت بنفسها تسقط، والعربة تنهار من حولها.
عندما فتحت عينيها، كان العالم ضبابيًا. استطاعت سماع صراخ بعيد، صرير خشب متكسر، وصهيل خيول مسعور. شعرت بخدر، ومع ذلك كانت كل ألياف كيانها تصرخ ألمًا. أصابعها، التي لا تزال ملتفة بإحكام، تمسك بالخاتم.
انقطع أنفاسها، وخرج من شفتيها همس خافت يكاد يكون غير مسموع: “لو… لأعود.”
ثم أغمضت عينيها، وقد امتلأتا بحزن لا يُطاق، ببطء. سقط الخاتم، الذي كان الآن مفكوكًا في قبضتها الميتة، من بين أصابعها وارتطم برفق بأرضية العربة المحطمة. ساد الصمت، ولم يقطعه إلا صوت خطوات الحراس المقتربة وصرخات الصدمة الخافتة. ماتت ديليا إلينغتون.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 2"