“امي،” همست آن، وجهها شاحب، وعيناها متسعتان من الرعب، بينما تردد صدى كلمات ديليا الصاخبة في صمت الغرفة المتوتر. كان هذا آخر صوت أصدرته قبل أن تتراجع عيناها إلى الوراء، وتنهار على الأرض.
صرخت أوغوستا، وقد نسيَتْ مأساةَ حياتها في موجةٍ مفاجئةٍ من الرعب. هرعت إلى جانب ابنتها، وسقطت على ركبتيها على السجادة. “آن، يا عزيزتي، استيقظي!” فركت يدي آن الباردتين بجنون، وارتسم على وجهها قناعٌ من الذعر.
“اطلبوا الطبيب! الآن!” صرخت في الخادمات المذعورات اللواتي ظهرن عند المدخل.
وقفت ديليا هناك، تراقب بصمت الفوضى التي أحدثتها. وبينما ملأت صرخات أوغوستا المذعورة الغرفة، ارتسمت على وجهها ابتسامة صغيرة، راضية، مخيفة. كانت رؤية آن فاقدة للوعي وزوجة أبيها في حالة ذعر شديد مكافأةً مُرضيةً للغاية. لم يكن هذا سوى لمحة من المعاناة التي تنوي إيقاعها. هذه مجرد البداية، فكرت في نفسها، والوعد حجرٌ قاسٍ في قلبها.
توجهت نظرها نحو جورج. وقف متجمدًا في منتصف الغرفة، وعيناه متسعتان من القلق وهو يحدق في جسد آن الجامد. بدا كرجل محاصر بين جيشين متحاربين، مشلولًا تمامًا وبلا فائدة. اقتربت ديليا منه خطوة، وحركاتها صامتة.
“يمكنك الذهاب إليها الآن،” همست بصوتٍ خافتٍ ساخرٍ موجهٍ له وحده. “أنا متأكدةٌ أنها ستحتاج كل الدعم الذي تستطيع الحصول عليه.”
أخيرًا، أبعد جورج عينيه عن آن ونظر إلى ديليا. كان وجهه مليئًا بالارتباك والألم. سأل بصوت منخفض: “لماذا؟ لماذا تفعلين بي هذا؟”
كادت ديليا أن تضحك. له. ما زال يعتقد أن الأمر كله يتعلق به.
قبل أن تتمكن من الإجابة، عادت أوغستا، بعد أن تأكدت للحظة أن آن لا تزال تتنفس، إلى غضبها على ديليا. صرخت: “حارس! أمسك بها! احبسها في غرفتها ولا تدعها تخرج!”
انحنى حارس منزلي ضخم الجثة، كان يقف بتوتر عند الباب، وتوجه نحو ديليا. رأته قادمًا وكادت أن تهرب، لكنه كان أسرع منها. قبضت يده الكبيرة على ذراعها كما لو كانت كماشة.
“دعني أذهب!” ناضلت، محاولةً انتزاع ذراعها من قبضته القوية. لكن دون جدوى. بدأ يسحبها من الغرفة بخطوات ثقيلة.
نظرت إلى جورج، الذي كان واقفًا هناك يراقب، ووجهه كئيبٌ من التردد. لم يحرك ساكنًا لمساعدتها، ولا للتدخل. كان عقله حائرًا بشأن ما يجب فعله. كان جبانًا، عالقًا في خضم عاصفةٍ ساهم في إشعالها.
“جبان!” صرخت ديليا في وجهه، بصوتٍ مليءٍ بالازدراء. كان هذا آخر ما سمعه قبل أن يسحبها الحارس إلى أعلى الدرج الكبير.
عند وصولها إلى باب غرفتها، لم يُعر الحارس أي اهتمام. فتحه، ودفعها إلى الداخل بعنف، ثم أغلقه بقوة. تقدّمت ديليا متعثرةً، وثبتت على عمود سريرها قبل أن تسقط. دوّى صوت القفل الحادّ والثقيل وهو يُفتح من الخارج في صمت الغرفة المفاجئ.
لقد أصبحت سجينة مرة أخرى.
للحظة، وقفت ساكنة. ثم اجتاحتها موجة من الغضب العاجز. اندفعت نحو الباب وبدأت تضربه بقبضتيها. “أخرجوني!” صرخت بصوت أجش. “أخرجوني من هنا!”
طرقت وضربت، راحتاها تؤلمانها، وحلقها يزداد بحة، حتى استنفدت قواها تمامًا. سقطت ذراعاها متراخيتين على جانبيها. بشعورٍ من الإرهاق الشديد، أسندت ظهرها على خشب الباب الصلب وانزلقت ببطء إلى الأرض. جلست هناك، رأسها منحني، وأنفاسها تتقطع. وفي ظلمة عقلها الهادئة، عادت ذكرى تتدفق.
~ استرجاع الذكريات.~
ترددت صرخات في الردهة. كانت أوغستا، وهي أصغر سنًا بكثير، تحدق في ديليا، ابنة السبع سنوات، بوجه صارم لا يرحم.
“لماذا أخذتها منها؟” سألت أوغستا بصوت حاد.
أمسكت ديليا الصغيرة ذات الشعر الداكن بدمية قماشية بسيطة على صدرها. أجابت بصوت مرتجف: “إنها لي يا بارونة. آن لديها دميتها بالفعل.”
آن الصغيرة، بوجهٍ مُغطّى بالحزن، تشبثت بتنورة أمها وانفجرت في بكاءٍ مأساوي. كان البارون هنري قد عاد لتوه من رحلة، وأحضر دميتين من القماش متطابقتين، واحدة لكل فتاة. لكن آن، كعادتها، أرادت كلتيهما لنفسها.
انتزعت أوغستا الدمية بسرعة من ديليا وأعطتها لآن الباكية، التي سكتت على الفور. “ألا تعلمين أنها أختكِ الصغرى؟” وبخت أوغستا ديليا. “إذن أنتِ تحبين رؤية أختكِ تبكي؟”
هزت ديليا رأسها، وعيناها متسعتان من الخوف والارتباك. “لا يا بارونة. لم أُرِد أبدًا أن أجعل آن تبكي.”
“لكنكِ جعلتِها تبكي،” أجابت أوغوستا بصوتٍ بارد. “متى أصبحتِ شريرةً لهذه الدرجة؟ أنانيةً لهذه الدرجة؟” أمسكت بذراع ديليا الصغيرة وسحبتها، مُحتجّةً، عبر الممر إلى غرفتها. دفعتْها إلى الداخل وأغلقت الباب.
طرقت ديليا الباب حينها أيضًا، وكادت قبضتاها الصغيرتان تُصدران صوتًا على شجرة البلوط الثقيلة. صرخت بصوتٍ مختنق بالدموع: “أنا آسفة يا بارونة! سأعطي آن ألعابي! سأعطيها أي شيء تريده! لن أجعلها تبكي مرة أخرى! أرجوكِ، أنا آسفة!”
جاء صوت أوغوستا من الجانب الآخر، مكتومًا وبعيدًا. “فكّري في أخطائكِ”، كان كل ما قالته قبل أن تتلاشى خطواتها، تاركةً ديليا وحيدةً في الظلام.
~ نهاية الفلاش باك ~
عادت ديليا إلى الحاضر بصدمة، وتركت الذكرى مرارة في فمها. كانت لا تزال على الأرض، ظهرها ملتصقًا بالباب الذي كان سجنها آنذاك، وهو الآن سجنها. شعرها قد انحل تمامًا في صراعها، وتجعيداتها الداكنة تتساقط حول كتفيها في فوضى متشابكة.
لمحت عيناها شيئًا أزرق على الأرض حيث أُلقيت. كان ذلك الشريط. شريط الدوق. التقطته، وشعرت بشريط القماش الرقيق كطوق نجاة في يدها.
ببطءٍ وحذر، جمعت شعرها وربطته بالشريط، بحركاتٍ هادئةٍ ومدروسة. شعرتُ بهذا الفعل البسيط كوعدٍ قطعته على نفسها. لم تعد تلك الطفلة العاجزة ذات السبع سنوات.
لقد لعبت أقوى أوراقها. الآن، كل ما يمكنها فعله هو الانتظار.
“أتمنى أن يعود أسرع”، همست في الغرفة الصامتة الفارغة، بصوتٍ يمزج بين الدعاء والترقب. لم يعد مصيرها في أيدي هذه العائلة القاسية، بل في أيدي الدوق.
التعليقات لهذا الفصل " 19"