عندما لاحظني الرجل متأخرًا، أطرق رأسه فورًا أمام مظهري الفاخر.
توقّفتُ أمامه مباشرة بدلاً من المرور، فنظر إليّ بدهشة:
“هل لديكِ ما تقولينه…؟”
ابتسمتُ له بلطف وأخرجتُ بطاقة كنتُ أحتفظ بها في جيبي:
“ما هذا…؟”
“عزفكَ كان مثيرًا للإعجاب. إذا كنتَ تبحث عن مكانٍ يقدّر موهبة باصكَ، فاذهب إلى هناك.”
حدّق الرجل بدهشة في البطاقة التي قدّمتها له.
واصلتُ وهو ينظر إلى اسم “صالون كلينا” المكتوب عليها:
“عزفكَ أفضل من أن يضيع في مكانٍ كهذا.”
ابتسمتُ بثقة واستدرتُ دون تردّد.
الابتعاد بهدوء أكثر جاذبية من التفسيرات الطويلة لإثارة فضوله.
‘إن كان هناك نصيب، سيأتي إلى الصالون.’
هذا الرجل كان مجرّد بداية لحدثٍ جديد.
موسيقى الحفلات الرتيبة والمكرّرة.
حتى صالون كلينا يعزف مثل هذه الموسيقى الآن، لكنّها لا تتماشى مع رؤيتي النهائية.
تذكّرتُ اللحظة التي أذهلتني فيها موسيقى الفرقة في حياتي السابقة.
تلك الصدمة، الانتعاش، والحماس الذي هزّ قلبي. إذا استطعتُ نقل هذه المشاعر إلى الناس هنا، وإذا كانت هذه الموسيقى تعزف فقط في صالون كلينا، فسيكون نجاحًا باهرًا.
الموسيقى ليست مجرّد عروض، بل يمكن دمجها في فعاليات متنوعة.
‘هذا ما يُسمّى أكل العصفور وبيضه معًا.’
بينما كنتُ أفكّر وأتّجه نحو القاعة، سمعتُ صوتًا مألوفًا:
“الآن، هل تحاولين إغواء عازفي الفرقة أيضًا؟”
استدرتُ بعبوس لأجد ماتيو واقفًا، يبدو غاضبًا لسببٍ ما.
‘إغواء عازفي الفرقة؟’
‘حقًا، الناس يرون ما يريدون رؤيته.’
لكن، ليس هذا هو الهدف؟ تحطيم وهمه وإحباطه. لا يهمّ من هو الشخص.
“وما دخلك بمن أقابل؟”
عبس ماتيو بشدة على ردّي الجاف:
‘نعم، تشعر بالاشمئزاز؟ تتساءل إن كنتُ أقابل رجالاً آخرين خلف ظهرك بينما كنتُ أتبعك؟ أتمنى أن تشعر بالنفور.’
‘هكذا سينتهي ارتباطنا المزعج.’
حين حاولتُ تجاوزه بلامبالاة، أمسك ماتيو بمعصمي فجأة.
عبستُ ونظرتُ إلى يدي الممسكة.
رنّ صوته البارد:
“إذن، لا يهمّ من يكون الشخص؟”
حدّقتُ في وجهه المتجمّد ورددتُ ببرود:
“نعم، طالما لستَ أنت.”
رأيتُ تصدّع وجه ماتيو المتجمّد.
حاولتُ سحب يدي بقوة، لكن معصمي ظلّ ثابتًا في قبضته.
بينما كنتُ أحدّق به، سمعتُ صوتًا مألوفًا:
“ها أنتِ هنا، كلير.”
اقترب الأمير الإمبراطوري ميخائيل، مبتسمًا بلطف، وظهره لأضواء القاعة.
حيّا ميخائيل ماتيو، الذي كان لا يزال ممسكًا بمعصمي:
“أنتَ هنا أيضًا.”
تصلّب وجه ماتيو بنزعة.
تجاهله ميخائيل ونظر إليّ بهدوء:
“لديّ ما أتحدّث عنه معكِ، كلير.”
“الآن؟”
سألتُ بحيرة، فنظر ميخائيل إلى معصمي الممسك وابتسم:
“نعم.”
وضع يده فوق يد ماتيو وقال بهدوء:
“سأستعير الآنسة كلير قليلاً.”
شدّت يد ماتيو قبضتها.
“آه!”
تأوّهتُ من ألم الضغط على معصمي، فأفلت ماتيو يدي فجأة.
أمسكتُ معصمي وتراجعتُ خلف ميخائيل بسرعة. حاول ماتيو قول شيء، لكن صوت ميخائيل سبقه:
“هل أنتِ بخير، كلير؟”
“نعم، أنا بخير.”
تصلّب وجه ماتيو مجددًا وهو ينظر إلينا.
“ما الذي تريد مناقشته لدرجة نقلها إلى مكان آخر؟”
ابتسم ميخائيل على سؤال ماتيو:
“مهما كان الموضوع، لا يوجد سبب لتدخّلك في حديثي مع الآنسة كلير.”
رفع ماتيو حاجبيه:
“تتحدّث وكأنّكَ على علاقة ما بكلير.”
تصادمت نظرات ماتيو المنزعجة ونظرات ميخائيل الهادئة في الهواء.
‘ما الذي يحدث مع هؤلاء؟’
بينما كنتُ أقف مذهولة من الجو المتوتر، قال ميخائيل بنبرة خفيفة:
“نعم، نحن على علاقة.”
اتسعت عينا ماتيو بدهشة، وكذلك أنا.
‘نعم، أردتُ تقليد اللعوبة، لكن لم أتمنَ أن يكون الأمير الإمبراطوري هو الهدف!’
بينما كنتُ أتلعثم مرتبكة، كسر ميخائيل الجو المتجمّد بضحكة:
“اتّفقتُ مع الآنسة كلير على أن نكون أصدقاء.”
تجمّدت أنا وماتيو في نفس اللحظة.
أمسك ميخائيل يدي واستدار دون تردّد:
“لذا، سأستعيرها قليلاً.”
بقي ماتيو واقفًا بدهشة، كأنّ روحه غادرته.
استعاد ماتيو وعيه متأخرًا ومرّر يده بعنف على شعره.
تذكّر كلام كلير يوم فسخ الخطوبة، عندما قالت إنّ البقاء أصدقاء لا بأس به.
‘هل هذه الصداقة تشمل الخطيب السابق والأمير الإمبراطوري وأي شخص آخر؟’
شعر بغضب يغلي بداخله.
* * *
جرّني ميخائيل إلى شرفة خالية، ونظرتُ إلى يدي الممسكة بإحراج.
أفلت يده بهدوء وابتسم بلطف.
أنا ممتنة لأنّه أنقذني من ماتيو، لكن لم أفهم لمَ يفعل الأمير الإمبراطوري هذا.
‘هل يساعدني حقًا كصديق؟’
لكن، بالنسبة لأمير إمبراطوري، قد يثير هذا الشائعات، فلمَ يخاطر؟
“ما الذي تريد مناقشته؟”
نظر إليّ ميخائيل للحظة، ثم تنهّد وقال:
“كلير، هل تصرّفكِ الودود مع الرجال الآخرين…”
‘هل رآني ميخائيل مع الرجال أيضًا؟’
ليس غريبًا أن يعرف، فالجميع يتحدّث عن سلوكي وأناقتي.
هذا ما أردته بالضبط.
لكن كلامه فاجأني:
“هل تفعلين ذلك بسبب ماتيو؟”
انتفضتُ للحظة، لكنّني حافظتُ على هدوئي ورددتُ:
“ما الذي تقصده؟”
“ألا تتظاهرين بالخفّة لإبعاد مشاعر الأمير الصغير؟”
“مستحيل.”
ضحكتُ محاولة تجاهل الأمر.
نظر إليّ ميخائيل بجدية وأضاف:
“إن كان الأمر كذلك، فأنتِ مخطئة تمامًا.”
“ماذا؟”
‘مخطئة في ماذا؟’
“التواجد مع هؤلاء الرجال العاديين لن يؤدي إلا إلى استفزاز ماتيو.”
نظرتُ إليه بدهشة، غير مستوعبة معناه.
أوضح ميخائيل بلطف:
“ماتيو يعرف جيدًا أنّه أفضل بكثير من هؤلاء الرجال.”
‘نعم، أعرف. إنّه مغرور يعيش على ثقته بنفسه.’
‘يظن أنّ كل النساء سيتعلّقن به، وهذا صحيح في معظم الحالات، وهذه هي المشكلة.’
“ربما يعتقد الآن أنّكِ لن تختاري هؤلاء الرجال العاديين وستعودين إليه متوسّلة.”
كلامه منطقي، مما جعلني أشعر بالقشعريرة.
نظرتُ إليه بدهشة، فابتسم ميخائيل:
“لكن إذا كان الشخص أعلى منه مكانة، فالأمر مختلف.”
‘هل يوجد في الأوساط الاجتماعية من هو أعلى من ماتيو؟’
بينما كنتُ أفكّر، أجاب ميخائيل بابتسامة:
“لمَ لا تستغلّينني؟”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 44"