**الفصل 39**
في الحقيقة، لم يكن يهمّ ما تفعله سابرينا خارج القصر.
حتّى رأى تلك الواقعة…
أثناء عودته من مهمّة خارجيّة إلى العاصمة، مرّ بحيٍّ فقير مزدحم.
من نافذة العربة المتوقّفة، رأى شخصيةً مألوفة.
رغم اختلاف ملابسها، كانت سابرينا بلا شكّ.
كانت برفقة رجالٍ بدوا، من الوهلة الأولى، ذوي سمعةٍ سيّئة، بأجسامٍ ضخمة.
بدا المشهد في الزّقاق خطير، فأمر بإيقاف العربة قريبًا.
هرع إليها خوفًا من أن تكون قد أصيبت…
“لا تتمادَ مرّةً أخرى!”
“ههه، لا، يا أختي الكبرى.”
لحظة رأى سابرينا تمسك برقبة رجلٍ يبدو ضعف حجمها بذراعها، أدرك تيوبالدو خطأه.
كان يجب أن يشعر بالرّاحة عندما عرف أنّ سابرينا بخير، لكن، بشكلٍ غريب، شعر بمزاجٍ سيّء أكثر.
“أختي الكبرى! عاقبيني أنا أيضًا!”
“وأنا!”
“توقّفوا عن هذا الهراء! عودوا إلى أماكنكم!”
عند صراخ سابرينا، أدرك الرّجال أنّ المزاح سيؤدّي إلى العقاب، فأجابوا بحماس:
“حاضر!!!”
راقب تيوبالدو المشهد متّكئًا على الحائط، ثمّ استدار ببطء نحو العربة.
تذكّر الرّجل الّذي كان يضحك وهي تمسك برقبته.
شعر بالغضب من التّواصل الحميم الّذي لم يختبره هو معها، بينما كانت تفعله بحريّة مع أولئك الرّجال.
عاد تيوبالدو إلى العربة وأمر مساعده بدهشة:
“تحرَّ عن هويّة تلك العصابة في الزّقاق.”
“تقصد الرّجال الضّخام الّذين كنتَ تراقبهم؟”
“نعم.”
با على المساعد الحيرة، لكنّه، ملاحظًا مزاج الدّوق السيّء، أجاب دون نقاش: “حسنًا.”
بفضل تحريّات المساعد، حصل على معلومات عن العصابة في نصف يوم.
كانوا عصابةً سيّئة السّمعة تسيطر على أطراف العاصمة والأحياء الفقيرة.
كانوا جماعةً عنيفة حتّى الحرّاس في العاصمة استسلموا لهم.
لكن، بما أنّهم يسيطرون على الأطراف وليس مركز العاصمة حيث النبلاء، كانت السّلطات تتجاهلهم ما لم تحدث مشكلة كبيرة.
‘أن تختلط سابرينا بمثل هؤلاء الأوغاد…’
‘ههه، لا، يا أختي الكبرى.’
‘أختي الكبرى! عاقبيني أنا أيضًا!’
‘وأنا!’
لم يستطع نسيان صورة أولئك الرّجال الضّخام يضحكون مع سابرينا.
بعد تفكيرٍ طويل، استسلم تيوبالدو وقرّر استدعاء سابرينا.
* * *
دخلت سابرينا مكتب الدّوق وعبست عند سماع أمره:
“لمَ يجب أن أفعل ذلك؟”
كان الأمر ألّا تخرج من القصر لفترة.
بالطّبع، لم تكن سابرينا لتطيعه بسهولة.
على العكس، تفاجأ تيوبالدو.
كان يظنّ أنّها، كخادمة، ستُظهر بعض الطّاعة على الأقل.
“يبدو أنّكِ تختلطين بعصابةٍ سيّئة.”
“من أختلط بهم أو أصادقهم ليس من شأنك كربّ عمل، أليس كذلك؟”
لم يجد تيوبالدو ردًّا على كلامها الصّحيح.
غادرت سابرينا المكتب دون كلامٍ آخر، كأنّها تقول ‘إن لم يعجبك، أطردني.’
المشكلة أنّ تيوبالدو لم يفكّر أبدًا في طردها رغم تصرّفاتها.
“اللعنة.”
تمتم بشتمٍ ساخر لنفسه، واضعًا يديه على جبينه ومنحنيًا.
لم يفهم لمَ يسمح لهذه الخادمة بالتّأثير عليه هكذا.
‘ما الّذي يجعل هذه المرأة مميّزة؟’
* * *
على عكس عودتها الهادئة ليلاً إلى القصر سابقًا، بدأت سابرينا تخرج حتّى في الليل.
أمر تيوبالدو مساعده بمراقبتها خفيةً، لكنّها، بطريقةٍ ما، كانت تتفادى المراقبين كالأشباح، مما أثار جنونه.
كانت أعذار المراقبين مضحكة:
‘في لحظة رمشة، اختفت كشبح!’
‘هؤلاء الذين أدفع لهم؟’
كان ينوي توبيخ المساعد بشدّة.
حاول مرّات أخرى، لكنّ النّتائج كانت مماثلة.
في النّهاية، قرّر تتبّعها بنفسه.
بدلاً من المراقبة كما فعل الآخرون، استعار عربةً ليست من عائلة الدّوق وتبع خطاها.
لم تتوقّع سابرينا أن تُتبع بعربة، فكانت تركّز فقط على المشاة خلفها.
ومع ذلك، كاد يفقدها عدّة مرّات.
عندما تساءل إلى أين تذهب، دخلت مكانًا ما.
كان مكانًا تصطفّ فيه عربات النبلاء، رغم أنّه ليس في مركز العاصمة بل في أطرافها.
‘لمَ يتجمّع هؤلاء النبلاء هنا؟’
نزل من العربة مسرعًا للحاق بها، لكنّ الجميع كانوا يرتدون أقنعة.
‘لقد أضعتها.’
تنهّد تيوبالدو بقوّة ومرّر يده بعنفٍ على شعره.
* * *
“سيّدي الدّوق، هذه معلومات الصّالون الّذي طلبته. لم نجد الكثير.”
عبس تيوبالدو وهو يتفحّص الأوراق الّتي قدّمها مساعده.
صالون كلينا.
كلّ ما عرفه أنّه صالون افتُتح فجأة في أطراف العاصمة، بدون معلومات عن المديرة أو هويّتها.
‘لمَ تذهب سابرينا إلى مثل هذا المكان؟’
‘هل تعمل هناك؟’
تذكّر أنّ وجوه الرّجال الضّخام عند مدخل الصّالون بدت مألوفة.
‘إن كان الأمر كذلك، فهذا منطقي.’
لكن، لمَ تعمل هناك تحديدًا؟
بعد تفكيرٍ طويل طوال الليل، استدعى سابرينا مجدّدًا:
“سأعطيكِ ضعف راتبكِ.”
“فجأة؟”
ردّت سابرينا بحيرة، فذهب تيوبالدو إلى صلب الموضوع:
“لذا، ابقي في القصر فقط.”
عبست سابرينا وقالت:
“آسفة، لكن هذا لن ينفع.”
“لمَ لا؟”
“إن كنتَ ستقول هذا، فقبَل استقالتي.”
تصلّب وجه تيوبالدو عندما استهدفت نقطة ضعفه:
“هذا لن يحدث.”
“إذن، أنا أيضًا لن أوافق.”
بدأت تظهر شقوق في وجه تيوبالدو الّذي كان دائمًا بلا تعبير:
“أنتِ خادمةٌ في قصر الدّوق.”
“هذا رأيكَ. لقد قدّمتُ استقالتي منذ زمن.”
“لم تُعالج تلك الاستقالة.”
وصل صبر سابرينا إلى حدّه في هذا النّقاش العقيم:
“أيّ عملٍ يفرض هكذا؟ لديّ الحقّ في الرّحيل!”
رفعت صوتها، فنهض تيوبالدو وتقدّم نحوها ببطء.
تراجعت سابرينا بحذر لكنّها لم تشح بنظرها عنه.
حدّق تيوبالدو في عينيها البنفسجيّتين وقال ببطء:
“ما دمتُ لم أسمح، لن تذهبي إلى أيّ مكان.”
ثمّ ناداها بنبرةٍ حلوةٍ غير معهودة:
“سابرينا.”
أسرت عيناه الغامضة نظرتها.
أدركت سابرينا أنّ شيئًا ما خطير جدًّا يحدث.
‘يبدو أنّ عيني الشّخص الشرير قد جنّتا تمامًا.’
* * *
في غرفتها، كانت سابرينا تتذمّر وتفكّر في الهروب ليلاً، لكنّها انتظرت حتّى الفجر.
‘لا يمكنني الذّهاب إلى ليليان أو كلير في منتصف الليل.’
‘حتّى لو خرجتُ في الفجر، ليس لديّ مكانٌ أذهب إليه، لذا سأنتظر حتّى الصّباح.’
مع شروق الشّمس، جمعت أغراضها واستعدّت للرّحيل.
*طق*
“ماذا؟”
*طق طق*!
كان الباب مغلقًا.
‘هذا المجنون…’
لقد حبسها الشّخص الشرير في الغرفة. يمكن تسميته سجنًا.
‘بابٌ مصمّم ليُغلق من الخارج؟’
‘هل هذا التّخطيط ضروري؟’
نظرت إلى الباب بدهشةٍ، ثمّ أظهرت تعبيرًا شرسًا وصرّت على أسنانها:
‘يظنّ أنّ هذا سيمنعني من الخروج؟’
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 39"