**الفصل 38**
بينما كنتُ جالسةً على سرير غرفة الضّيوف الّتي خصّصتها لسابرينا أتفحّص الغرفة، تحدّثت سابرينا:
“ذلك الأمير الصّغير، أليس معجبًا بكِ، كلير؟”
اختنقتُ من الصّدمة بسبب كلامها المفاجئ.
“ما الّذي تقولينه؟ أنتِ تعلمين كم كان يمقتني!”
كان الرّجل الّذي، حتّى في أيّام مواعيدنا، كان يصرّح بأنّ لديه موعدًا مع امرأةٍ أخرى.
حتّى في الرّواية، كان ينظر إلى كلير كما لو كانت حشرة.
‘حسنًا، ربّما جرحتُ كبرياءه لأنّني أنا من أنهى الخطوبة.’
“لمَ يأتي خطيبٌ سابق إلى منزل خطيبته السابقة في هذا الوقت المتأخّر؟”
عبستُ وتنهّدتُ عند كلام سابرينا:
“جاء فقط ليسلّم دعوة الحفل.”
“ولمَ يأتي بنفسه لتسليم الدّعوة؟”
كان ذلك سؤالي أيضًا.
“حقًّا…”
“إنّه يريد رؤية وجهكِ مرّةً أخرى.”
نفرتُ كما لو أنّ حشرةً لامستني:
“ما هذا الكلام المقزّز؟”
“إن لم يكن ذلك، فما السبب الآخر؟”
فكّرتُ مليًّا في كلام سابرينا، ثمّ تنهّدتُ بخفّة:
“ليس هذا. إن أردتِ تحديدًا، فهو سلوك خطيبٍ سابق.”
“سلوك خطيبٍ سابق؟”
“تعرفين، ذلك الشّعور عندما لا يريد المرء امتلاك الشّيء، لكنّه يأسف على إعطائه للغير، فيحاول استفزازه ليلاً.”
“آه، مثل ‘هل أنتِ نائمة’، عندما يتصل أحدهم مزعج في منتصف الليل الذي ينام فيه الجميع ليسأل سؤال أحمق..؟'”
“بالضّبط، هذا هو مزاجه الآن.”
أومأت سابرينا برأسها كأنّها مقتنعة بشرحي.
نظرتُ إليها بنظرةٍ ماكرة وسألتُ بمعنى:
“على أيّ حال، سابرينا، كوني صريحة.”
“ماذا؟”
“ما الّذي حدث بينكِ والدوق الشرير الغامض حتّى يتصرّف هكذا؟”
“يتصرّف هكذا؟”
“كأنّه كلبٌ فقد سيّده، يبحث عنكِ بيأس.”
“ليس إلى هذا الحد… ربّما يبحث عن خادمته الّتي هربت.”
‘ليس إلى هذا الحد؟ لم ترَ عينيه، لهذا تقولين هذا.’
كان يتظاهر بالهدوء، لكن عينيه كانتا كالمجنون.
“حقًّا، لم يحدث شيء؟”
“لم يحدث شيء…”
تردّدت سابرينا، غارقةً في التّفكير، ثمّ أضافت بحيرة:
“أم أنّه حدث…؟”
‘لمَ هذا التّساؤل؟ هل هناك شيءٌ لستِ متأكّدة منه؟’
‘أليس من المعروف أنّ الأطراف في العلاقة لا يدركونها، بينما الجميع حولهم يلاحظ؟’
وهكذا، واصلنا نقاشًا دائريًّا، ننفي علاقاتنا بينما نشير إلى علاقات الآخر مع رجالٍ غريبين.
* * *
“هل نعود إلى قصر الدّوق؟”
سأل المساعد، بينما كان دوق فاليريان ينظر من نافذة العربة إلى قصر ديفونشاير الكونتيّة.
ردّ الدّوق ببرود:
“سنعود الآن.”
أمر المساعد السّائق بالعودة إلى قصر الدّوق.
في هذه الأثناء، وضع الدّوق يده على جبينه، غارقًا في التّفكير:
‘لمَ تتجنّبني؟’
أثناء مواجهته مع كونتيسة ديفونشاير، وبفضل بصره الحادّ، لاحظ سابرينا تتسلّق جدار قصر الكونتيّة خلف العربة.
كان هروبها المحموم منه صادمًا بعض الشّيء.
‘لكن، لم تكن هذه المرّة الأولى الّتي تتصرّف فيها بغرابة.’
‘منذ متى بدأت؟ منذ شهرين تقريبًا؟’
* * *
كان تيوبالدو يراقب بعناية خادمةً غريبة تكسر كلّ شيءٍ تلمسه.
قبل النّوم، كانت هذه الخادمة تُرتب غرفته عدّة مرّات.
الخادمة ذات الشّعر الأسود كانت تنفض الغبار عن النّافذة، لكنّها كسرت مقبض منفضة الغبار.
‘كيف يمكن لمقبضٍ أن ينكسر بقبضتها؟’
“آه…”
نظرت الخادمة إلى المنفضة المكسورة، ثمّ ألقت نظرةً حولها، ودسّتها في كيس القمامة، وتوجّهت إلى المحرقة كأنّ شيئًا لم يكن.
راقبها تيوبالدو باهتمام.
قبل النّوم، جاءت تلك الخادمة الغريبة إليه.
كانت تبدو منزعجةً جدًّا من كونها مسؤولةً عن غرفة نومه.
‘ترتيب السرير أسهل بكثير من كسر أدوات التّنظيف أو الأطباق أثناء الغسيل.’
‘يا لها من امرأةٍ غريبة.’
‘اسمها سابرينا، أليس كذلك؟’
كان قد سأل رئيس الخدم عن اسمها وحفظه.
بينما كان تيوبالدو يقرأ كتابًا على الأريكة، كانت سابرينا تُرتب السرير.
بعد أن انتهت، اقتربت منه وانحنت:
“انتهيتُ من ترتيب السرير.”
نظرتها وهي تواجه عينيه لم تكن كتلك الخادمة الّتي تخدم سيّدها.
كانت كعينيّ حيوانٍ بريٍّ لا يخضع لسيّد.
حدّق تيوبالدو في عينيها، ثمّ نهض ومدّ يده لينزع ريشةً عالقةً في شعرها.
فجأة، صدّت يده بسرعةٍ مذهلة وتراجعت.
دهش تيوبالدو من ردّ فعلها.
كانت كقطّةٍ بريّة مرفوعة الشّعر، تحدّق به بحذر وقالت:
“إن اقتربتَ أكثر، لا أعرف كيف سأردّ.”
‘هل هذا ما تقوله خادمةٌ لسيّدها؟’
كان كلامًا سيصيب رئيسة الخدم بالذّهول، لكن، بشكلٍ غريب، لم يغضب.
‘هل تعتقد أنّ تهديداتها ستنفع معي؟’
كبح ضحكةً وردّ بهدوء:
“سأحترس.”
* * *
بعد مراقبتها لأسابيع، كانت انطباعاته أنّها منعشةٌ وفريدة.
‘كأنّني أحتفظ بقطّةٍ بريّة في القصر وأراقبها.’
وذات يوم، جاءت فجأةً إلى مكتبه.
“ما هذا؟”
نظر تيوبالدو بدهشةٍ إلى ظرفٍ على مكتبه وسأل.
ردّت سابرينا دون تردّد وبنبرةٍ جافة:
“استقالتي.”
شعر تيوبالدو وكأنّ أحدًا ضربه على مؤخّرة رأسه.
‘استقالةٌ فجأة؟ لماذا؟’
“هل كانت المهام ثقيلة؟”
‘ربّما كانت التنظيفات والغسيل صعبةً عليها.’
‘لكن إرسالها إلى المطبخ لن ينفع، فهي تكسر كلّ شيءٍ تمسكه.’
‘ربّما يجب أن تتولّى فقط ترتيب سريري.’
“ليس هذا بالضّرورة.”
ردّت سابرينا بحزم، مما جعله يتجمّد مجدّدًا.
‘إذن، لمَ؟’
“هل تلقّيتِ عرضًا من مكانٍ آخر؟”
ردّت بنفور:
“نعم… فلنقل ذلك.”
‘من الّذي رأى فيها ما يجعلها تُستقطب؟’
‘لكن، ربّما لاحظ شخصٌ آخر، مثلي، جانبها الفريد.’
لم يكن قد التقى بالكثير من النّساء، لكن جمال سابرينا كان مميّزًا مقارنةً بالخادمات الأخريات.
غرق تيوبالدو في التّفكير، ثمّ ألقى الاستقالة في سلّة المهملات:
“مرفوضة.”
نظرت سابرينا إليه بدهشة، كأنّها لم تتوقّع هذا:
“مرفوضة؟”
“أعني أنّني لن أقبل استقالتكِ.”
“لماذا؟!”
نظر إليها بهدوء وقال:
“لأنّ هذا قراري كربّ عمل.”
بدت سابرينا مذهولةً وكأنّها فقدت الكلام.
ظنّ أنّ الأمر انتهى.
‘إن كانت قد تلقّت عرضًا، سأقدّم معاملةً أفضل.’
أمر بإعطائها غرفةً منفردة بدلاً من غرف الخادمات المشتركة.
لكن في اليوم التّالي، وجد استقالةً أخرى على مكتبه.
“ها-”
شعر بالذّهول والسّخرية والضّحك.
مزّق الاستقالة وألقاها في سلّة المهملات.
لكن في اليوم التّالي، والذي بعده…
على المكتب، في الدّرج، على الرفّ، فوق السرير، في مغسلة الحمّام.
كانت استقالاتها في كلّ مكانٍ تصل إليه عيناه.
‘ما الّذي يزعجها؟’
نقلها إلى غرفةٍ أفخم، وغيّر طعامها إلى وجباتٍ فاخرةٍ مثل وجباته.
لم يكن يهمّ إن لم تعمل، فجهودها كانت كارثيّةً على أيّ حال.
كان ممتعًا مجرّد مراقبتها. بالنّسبة له، الّذي يكره التّعامل مع النّاس، كانت مراقبتها متعته الوحيدة.
‘كأنّني أراقب حيوانًا بريًّا غير مؤذٍ يمنحني الرّاحة.’
‘حتّى لو أظهرت مخالبها أحيانًا.’
لكن بعد استقالاتها المتكرّرة، أصبحت تغيب كثيرًا، مما قلّل وقت مراقبتها.
لكن ذلك لم يكن مشكلة.
فمهما فعلت، ستعود دائمًا إلى قصري.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 38"