—
**الفصل 37**
تحت نظرةٍ ثابتةٍ لا تتراجع، ابتلعتُ ريقي.
“ما الّذي تقصده؟”
حاولتُ الابتسام وتظاهرتُ بالجهل، لكنّ الشرير سدّ الطّريق بنبرةٍ حازمة:
“أعلم أنّكِ صديقة سابرينا.”
‘تفو… يبدو أنّه أجرى تحريّاته مسبقًا.’
‘لكن، حقًّا، من يُجري تحقيقًا عن مجرّد خادمة؟’
“آه، سابرينا؟ حسنًا، لا أعرف حقًّا أين هي…”
رددتُ بنبرةٍ بريئة، لكنّ نظرته الباردة جعلتني أتصبّب عرقًا.
حاولتُ إخفاء توتّري وغيّرت الموضوع بهدوء:
“ألا يجب أن نتبادل التّعارف أوّلاً، كما تقتضي الأدب؟”
نظر إليّ الشرير بنفورٍ وقال بلامبالاة:
“يبدو أنّكِ تعرفينني، لكن، أنا تيوبالدو فون فاليريان، ربّ عائلة فاليريان الدّوقيّة.”
رفع حاجبًا كأنّه يقول ‘هل اكتفيتِ؟’، ثمّ ألقى نظرةً خاطفةً نحو العربة خلفي.
شعرتُ بعرقٍ باردٍ يجري في ظهري، وابتلعتُ ريقي مجدّدًا، بينما حدّق الشّرير في العربة وقال:
“هل جئتِ بالعربة وحدكِ؟”
‘يالهي، كم هو ذكيّ!’
نبرته المشحونة بهالةٍ مظلمة أثارت قشعريرةً في جسدي.
ابتسمتُ بجهدٍ وأجبتُ بهدوء:
“نعم، جئتُ وحدي. هل هناك مشكلة؟”
بينما كنتُ أشعر أنّ شفتيّ ترتجفان، نظر إليّ الشّرير وقال:
“هل يمكنني تفقّد العربة للحظة؟”
“ماذا؟!”
صحتُ بصوتٍ حادٍّ من الصّدمة.
اعتبر سؤالي موافقةً، فتقدّم الشرير نحو العربة دون تردّد.
فزعتُ وهرعتُ أمامه، مانعةً الباب:
“ما هذا الوقاحة؟!”
مالت رأسه قليلاً وقال:
“وهل هناك سببٌ لمنعكِ اليائس هذا؟”
“لا يوجد شيءٌ في العربة!”
“إن لم يكن هناك شيء، فلن يكون هناك مانعٌ من تفقّدها.”
‘ماذا؟ هل هزمني في الحديث؟ هذا الشّرير ليس عاديًّا.’
حين مدّ يده نحو مقبض الباب، ألصقتُ ظهري بالباب بحزم.
نتيجةً لذلك، وجدتُ نفسي محصورةً بينه وبين العربة.
نظر إليّ بعبوسٍ وقال:
“ابتعدي.”
“وأنتَ، أبعد يدكَ.”
‘من كان ليظنّ أنّه سيهتمّ بسابرينا لهذه الدّرجة؟’
‘الأمور تعقّدت أكثر ممّا توقّعتُ. إذا أُمسكت سابرينا الآن، قد تُصبح كارثة.’
‘كيف كانت حياتها اليوميّة حتّى أصبح هذا الشّرير مهووسًا بها؟’
مهما كانت سابرينا متهوّرةً أحيانًا، فهي صديقتي العزيزة أنا وليليان. لا يمكنني أن أدعها تُقبض عليها وتُعاني!
بينما كنتُ أقاوم بعزيمة، حدّق بي الشّرير.
بعد مواجهةٍ طويلة، تدخّل صوتٌ ثالث:
“أبعد يدكَ.”
التفتتُ أنا والشّرير نحو الصّوت الذكوريّ الغريب.
كان ماتيو هناك، مكتّف الذّراعين، يحدّق بنا.
‘لمَ هو هنا الآن؟’
قبل أن أستوعب، اقترب ماتيو بخطواتٍ واسعة وأمسك معصم الدّوق الّذي كان فوق كتفي.
‘ماذا؟’
“ألم تسمعها تقول لا؟”
‘ما الّذي يحدث؟ هل هو…’
“تصرّفك الوقح هذا، هل تعتقد أنّ امرأةً ستحبّه؟”
‘إنّه يساء فهم الموقف تمامًا.’
“أعرف كلير جيّدًا، وهي تكره الرّجال الّذين يفرضون أنفسهم.”
‘أنتَ كنتَ الرّجل الأكثر إصرارًا في حياتي!’
نظر الشّرير إلى ماتيو بدهشة.
‘لمَ أشعر بالإحراج؟’
ثمّ أمسك ماتيو معصم الشّرير بقوّة وأضاف:
“إن لم تبتعد عن كلير، سأضطرّ لاستخدام القوّة.”
‘لا، هذا ليس صحيحًا…’
شعرتُ وجهي يحمرّ من الإحراج، لكنّ الشّرير أبعد يده عن العربة وتراجع خطوة.
‘هل نجح ذلك؟’
اقترب ماتيو إليّ كما لو كان حاميًا وقال:
“هل أنتِ بخير؟”
‘لا، لستُ بخير. أشعر بالخجل الشّديد بسببك.’
نظر الشّرير إلينا ببرودٍ وقال:
“سأغادر اليوم.”
ثمّ ألقى نظرةً حادّةً نحو مدخل القصر، وليس العربة.
انحنى بأدبٍ وقال:
“إذن، أستأذن.”
دهشتُ من تراجعه السهل، بعكس إصراره السابق.
بينما كنتُ أراقب الدّوق يصعد إلى عربته، عبس ماتيو وسأل:
“كيف تعرّفتِ على دوق فاليريان؟”
تجاهلتُ استجوابه وفتحتُ باب العربة بهدوء، قلقةً على سابرينا الّتي كانت متوترةً بالدّاخل.
لكن…
“كصديقٍ أعرفكِ منذ عشر سنوات، أقول إنّ دوق فاليريان خطير.”
تجاهلتُ كلامه عن الصّداقة ونظرتُ داخل العربة.
‘لا شيء؟’
كانت العربة فارغةً تمامًا.
تفقّدتُ السّقف وتحت المقاعد، لكن سابرينا اختفت كالأشباح.
لاحظتُ الباب الآخر للعربة.
‘هل هربت من الجهة الأخرى أثناء حديثي مع الشّرير؟’
“هل تستمعين؟”
التفتُّ إلى ماتيو الّذي كان يتحدّث بنفورٍ وقالت:
“وما الّذي جاء بكَ إلى هنا؟”
تجمّد ماتيو للحظة، ثمّ أخرج ظرفًا من جيبه بتعبيرٍ محرج:
“إنّه حفل عائلة لورنتينو الدّوقيّة. أمرني والدي بإرسال دعوةٍ لعائلة ديفونشاير.”
عبستُ بعدم فهمٍ وسألت:
“لمَ لم ترسله بالبريد بدلاً من تسليمه بنفسك؟”
بدت الصّدمة على وجه ماتيو، وتمتم:
“حقًّا…”
نظرتُ إليه بدهشةٍ وهو مذهول، ثمّ انتزعتُ الدّعوة من يده.
‘على أيّ حال، حفل عائلةٍ دوقيّة كبرى سيكون مفيدًا لترويج الصّالون.’
فجأة، ظهرت سابرينا من العدم وقاطعتنا، واقفةً بيني وبين ماتيو.
حدّقت في ماتيو وسألت، مكرّرةً كلامي:
“لمَ هذا الرّجل هنا؟”
‘وأنتِ، من أين أتيتِ؟’
أظهرت سابرينا أسنانها ككلب حراسةٍ غاضب وقالت:
“لمَ يزور خطيبٌ سابقٌ منزل خطيبته السابقة؟”
أمسكتُ ذراعها لتهدئتها:
“هوني عليكِ…”
لكن ماتيو، ببلاهة، أضاف:
“هل هي خادمتكِ الجديدة؟”
بدت سابرينا، بملابسها البسيطة لتجنّب الأنظار، كخادمةٍ في عينيه.
عبست سابرينا وصاحت:
“نعم، أنا خادمة!”
‘كنتِ خادمةً بالفعل، فلمَ الغضب؟’
كادت سابرينا تنتزع ذراعها من يدي وتهجم على ماتيو، فبدت مرتبكةً.
قال ماتيو:
“خادمتكِ وقحةٌ بعض الشّيء…”
خشيتُ أن تُطلق سابرينا ركلةً، فقلتُ لماتيو بنفور:
“إن انتهيتَ، فارحل من فضلك.”
فرك ماتيو رقبته بتعبيرٍ معقّد واستدار:
“إذن، سأراكِ في الحفل.”
‘من قال إنّني سأذهب؟’
تجاهلتُ رحيله وسحبتُ سابرينا الغاضبة إلى القصر.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 37"